وربما نجد: أن بعضهم قد اختار في توجيه قضية آدم عليه السلام التعبير الذي يقول:إن ذلك كان من قبيل ترك الأولى؛ فقد قال العلامة الطباطبائي [رحمه الله]:«ابتلاء آدم عليه السلام كان قبل تشريع الشرايع، فكان المتوجه إليه إرشادياً. وما ابتلى به من المخالفة كان من قبيل: ترك الأولى»[12].وقال أيضاً عن التعبير القرآني الذي يوحي بصدور المعصية من آدم عليه السلام:«إنما هي معصية أمر إرشادي، لا مولوي. والأنبياء عليهم السلام معصومون من المعصية والمخالفة في أمر يرجع إلى الدين الذي يوحى إليهم فلا يخطئون، ومن جهة حفظه فلا ينسون ولا يحرفون، ومن جهة إلقائه إلى الناس وتبليغه قولاً، فلا يقولون إلا الحق الذي أوحي إليهم، وفعلاً فلا يخالف فعلهم قولهم، ولا يقترفون معصية صغيرة ولا كبيرة، لأن في الفعل تبليغاً كالقول.وأما المعصية بمعنى مخالفة الأمر الإرشادي الذي لا داعي فيه إلا إحراز المأمور خيراً أو منفعة من خيرات حياته ومنافعها بانتخاب الطريق الأصلح، كما يأمر وينهي المشير الناصح نصحاً؛ فإطاعته ومعصيته خارجتان من مجرى أدلة العصمة. وهو ظاهر.وليكن هذا معنى قول القائل: إن الأنبياء [عليهم السلام] على عصمتهم يجوز لهم ترك الأولى. ومنه أكل آدم عليه السلام من الشجرة»[13].ونقول:أولاً: علينا أن نحمل كلامهم على أن مقصودهم هو الترك المستند إلى المقدمات الصحيحة، التي تناسب عصمة النبي أو الوصي، وحكمته، وعقله، وتدبيره، بحيث يكون تركه للأولى من أجل أنه رأى في مرحلة الظاهر هذا الترك هو الأولى. وليس المقصود أنه عرف أنه الأولى، ثم تركه..فإذا ظهر أن الواقع كان مخالفاً للظاهر، فإن ذلك لا يضر، لأنه تكليفه هو العمل بما ثبت له في مرحلة الظاهر..والسبب في ذلك هو: أن تركه للأولى، إذا كان من أجل أنه لم يدرك أولويته، وكان عدم إدراكه لذلك يمثل نقصاناً في مستوى وعيه، وفهمه، وحكمته، أي أنه لا يدرك ما هو أولى وراجح، ولا يدرك أيضاً: أن عليه أن يأخذ بالراجح، ويلتزم به.