براءة آدم حقیقیة قرآنیة نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
وذلك كله يحتم علينا أن نقول: إنه حين يختار المعصوم المرجوح، فلا بد أن يراه على أنه هو الراجح، رؤية لا تخل بعصمته، ولا بحكمته، ولا بعقله، ولا بتدبيره، ولا بتوازن الشخصية لديه..ولو بأن يقال: إن مرجوحيته إنما هي في مقام الواقع وراجحيته إنما هي في مقام الظاهر، والتكليف متوجه إليه بما هو في مرحلة الظاهر، وبحسب ما تؤدي إليه الأدلة، والحجج المجعولة، والتي يجب عليه الالتزام بها..أما مرحلة الواقع فلا تكليف فيها حتى لو علم به من طرق أخرى، إذ أنه ممنوع عن متابعة علمه الواصل إليه منها..وقضية آدم عليه السلام هي من هذا القبيل، كما سنرى. فيكون خلافه للأولى بحسب الواقع ونفس الأمر، إنما هو لصالح ما هو أولى منه في مرحلة الظاهر، بسبب ما استجد من عناوين مرجحة له إلى درجة التعيين والإلزام..ولولا ذلك، فإن ارتكاب النبي آدم عليه السلام لخلاف الأولى يفقده الأهلية لمقام النبوة، ويجعله أهلاً للعقاب والعتاب، فإن مخالفة الأولى لا تقبل من الإنسان العادي، فكيف بنبي يعرف من اسم الله الأعظم خمسة وعشرين حرفاً، وهم يقولون: إن حسنات الأبرار سيئات المقربين، وإذا جاز على الناس العاديين فعل مخالفة الأولى، فذلك لقصورهم أو لتقصيرهم، وإنما يعفو الله عنهم، ولا يعاتبهم، تفضلاً منه وتكرماً..وصدور ذلك من الأنبياء، أصعب وأشد، فإن ذلك ينقص من مقامهم، حتى لو لم يعاقبهم الله ولم يعاتبهم، لأن العفو التفضلي لا يعني بقاء المعفو عنه على درجة الأهلية، ولا يرى الناس من يرتكب ذلك أهلاً لمثل هذه المقامات العظيمة البالغة الحساسية، بل هو يسقط محله من نفوسهم وقلوبهم..ولو كان ما صدر من النبي آدم عليه السلام خلاف الأولى، لما حصل بسبب ما فعله على التكريم الإلهي والتعظيم، وعلى الجوائز والمقامات، والعوائد والهبات..ولتوضيح ما نرمي إليه نعود فنقول:إنه حين خالف النبي آدم عليه السلام الأولى، فإن كان يدرك أولويته، ثم تركه، فهناك خلل في مستوى وعيه، أو في حكمته، أو من حيث تسلط هواه عليه، أو عدم توازن في شخصيته..وإن كان لم يدرك الرجحان، الذي من شأنه أن يدركه عامة الناس، ومع كون المورد أيضاً من موارد إدراكات العقول [كالحسن والقبح العقليين]، فهذا إنسان لا يليق بمقام النبوة، بسبب ضعف إدراكه، أو لوجود خلل عقلي لديه..