عرفت الموضع الذي اُصلب فيه أين هو من الكوفة، وإنّي لأوّل خلق اللَّه اُلجم في الإسلام بلجام كما يلجم الخيل.
فحبسه وحبس معه المختار بن أبي عبيدة الثقفي، فقال ميثم للمختار- وهما في حبس ابن زياد-: إنّك تفلت وتخرج ثائراً بدم الحسين عليه السلام، فتقتل هذا الجبّار الذي نحن في سجنه، وتطأ بقدمك هذه على جبهته وخدّيه.
فلمّا دعا عبيداللَّه بن زياد بالمختار ليقتله طلع البريد بكتاب يزيد بن معاوية إلى عبيداللَّه بن زياد، يأمره بتخلية سبيله، وذاك أنّ اُخته كانت تحت عبداللَّه بن عمر بن الخطّاب، فسألت بعلها أن يشفع فيه إلى يزيد فشفع، فأمضى شفاعته، وكتب بتخلية سبيل المختار على البريد، فوافى البريد، وقد اُخرج ليضرب عنقه، فاُطلق.
وأمّا ميثم فاُخرج بعده لِيُصلب، وقال عبيداللَّه: لأمضين حكم أبي تراب فيه.
فلقيه رجل، فقال له: ما كان أغناك عن هذا يا ميثم؟ فتبسّم، وقال:
لها خلقت، ولي غُذِيتْ.
فلمّا رفع على الخشبة اجتمع الناس حوله على باب عمرو بن حريث، فقال عمرو: لقد كان يقول لي: إنّي مجاورك. فكان يأمر جاريته كلّ عشيّة أن تكنس تحت خشبته وترشّه، وتجمّر بالمجمر تحته.
فجعل ميثم يحدّث بفضائل بني هاشم، ومخازي بني اُميّة، وهو مصلوب على الخشبة، فقيل لابن زياد: قد فضحكم هذا العبد.
فقال: ألجموه فاُلجم، فكان أوّل خلق اللَّه اُلجم في الإسلام. فلمّا كان في اليوم الثاني فاضت منخراه وفمه دماً، فلمّا كان في اليوم الثالث طُعِن بحربة فمات.
وكان قتل ميثم قبل قدوم الحسين عليه السلام العراق بعشرة أيّام.
قال إبراهيم: وحدّثني إبراهيم بن العبّاس النهدي، حدّثني مبارك البجلي عن أبي بكر بن عياش، قال: حدّثني المجالد عن الشعبي عن زياد بن النضر الحارثي، قال: كنت عند زياد، وقد أتى برشيد الهجري- وكان من خواصّ أصحاب عليّ عليه السلام- فقال له زياد: ما قال خليلك لك إنّا فاعلون بك؟
قال: تقطعون يديّ ورجليّ، وتصلبونني.
فقال زياد: أما واللَّه لاُكذّبنّ حديثه، خلّوا سبيله، فلمّا أراد أن يخرج قال:
ردّوه، لا نجد شيئاً أصلح ممّا قال لك صاحبك، إنّك لاتزال تبغي لنا سوءاً إن بقيت، اقطعوا يديه ورجليه. فقطعوا يديه ورجليه، وهو يتكلّم.
فقال: اصلبوه خنقاً في عنقه.
فقال رشيد: قد بقي لي عندكم شي ء ما أراكم فعلتموه.
فقال زياد: اقطعوا لسانه.
فلمّا أخرجوا لسانه ليقطع قال: نفّسوا عنّي أتكلّم كلمة واحدة.
فنفّسوا عنه، فقال: هذا واللَّه تصديق خبر أميرالمؤمنين، أخبرني بقطع لساني.
فقطعوا لسانه وصلبوه.
وروى أبوداود الطيالسي عن سليمان بن رزيق عن عبدالعزيز بن صهيب، قال: حدّثني أبوالعالية، قال: حدّثني مزرع صاحب عليّ بن أبي طالب عليه السلام أ نّه قال: ليقبلنّ جيش حتى إذا كانوا بالبيداء، خُسف بهم.
قال أبوالعالية: فقلت له: إنّك لتحدّثني بالغيب!
فقال: احفظ ما أقوله لك، فإنّما حدّثني به الثقة عليّ بن أبي طالب.
وحدّثني أيضاً شيئاً آخر: ليؤخذنّ رجل فليقتلنّ وليصلبنّ بين شُرفتين من شُرف المسجد.
فقلت له: إنّك لتحدّثني بالغيب! فقال: احفظ ما أقول لك.
قال أبوالعالية: فواللَّه، ما أتت علينا جمعة حتى اُخذ مزرع، فقتل وصلب بين شرفتين من شرف المسجد.
قلت: حديث الخسف بالجيش قد خرّجه البخاري ومسلم في الصحيحين، عن اُمّ سلمة رضي اللَّه عنها، قالت: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم يقول: يعوذ قوم بالبيت حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم. فقلت: يا رسول اللَّه، لعلّ فيهم المكره أو الكاره، فقال: يخسف بهم، ولكن يحشرون- أو قال: يبعثون على نيّاتهم يوم القيامة.
قال: فسئل أبوجعفر محمّد بن عليّ: أهي بيداء من الأرض؟ فقال: كَلّا واللَّه إنّها بيداء المدينة. أخرج البخاري بعضه وأخرج مسلم الباقي.
وروى محمّد بن موسى العنزي، قال: كان مالك بن ضمرة الرؤاسي من أصحاب عليّ عليه السلام، وممّن استبطن من جهته علماً كثيراً، وكان أيضاً قد صحب أباذرّ، فأخذ من علمه، وكان يقول في أيّام بني اُميّة: اللهمّ لا تجعلني أشقى الثلاثة. فيقال له: وما الثلاثة؟ فيقول: رجل يرمى من فوق طمار، ورجل تقطع يداه ورجلاه ولسانه ويصلب، ورجل يموت على فراشه.
فكان من الناس من يهزأ به، ويقول: هذا من أكاذيب أبي تراب.
قال: وكان الذي رمي به من طمار هانئ بن عروة، والذي قطع وصلب رشيد الهجري، ومات مالك على فراشه. [ شرح نهج البلاغة: 286:2 تا 295.]
راجع: القسم الحادي عشر.
القسم السادس/ وقعة الجمل، ووقعة صفّين، ووقعة النهروان.
القسم الثامن/ إخبار الإمام باستشهاده.
القسم الخامس عشر/ كيد أعدائه لإطفاء نوره/ إخبار الإمام عن سبّه والبراءة منه.
القسم السادس عشر/ حجر بن عدي، ورشيد الهجري، وقنبر، وكميل بن زياد، وميثم التمّار.
نوادر الكرامات
روية نور الوحي
5914- الإمام عليّ عليه السلام- في خطبته المسمّاة بالقاصعة-: ولقد كان| صلى الله عليه و سلم| يُجاور في كلّ سنة بحِراء، فأراه ولا يراه غيري. ولم يَجمع بيت واحد يومئذٍ في الإسلام غيرَ رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم وخديجة وأنا ثالثهما؛ أرى نور الوحي والرسالة، وأشمّ ريح النبوّة.
ولقد سمعت رَنّة الشيطان حين نزل الوحي عليه صلى الله عليه و سلم، فقلت: يا رسول اللَّه، ما هذه الرَّنّة؟ فقال: هذا الشيطان قد أيِس من عبادته. إنّك تسمع ما أسمع، وترى ما أرى، إلّا أ نّك لست بنبيّ، ولكنّك لَوزير، وإنّك لَعلى خير. [ نهج البلاغة: الخطبة 192.]
سماع رنّة الشيطان
5915- الإمام عليّ عليه السلام: كنت مع رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم صبيحة الليلة التي اُسري به فيها وهو بالحجْر يصلّي، فلمّا قضى صلاته وقضيت صلاتي سمعت رنّةً شديدة، فقلت: يا رسول اللَّه، ما هذه الرنّة؟ قال: ألا تعلم؟! هذه رنّة الشيطان؛ علم أنّي اُسري بي الليلة إلى السماء فأيس من أن يُعبد في هذه الأرض. [ شرح نهج البلاغة: 209:13؛ بحارالأنوار: 223:18.]
امداد الملائكة
5916- الإمام عليّ عليه السلام: لقد قُبض رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم وإنّ رأسه لعلى صدري. ولقد سالت نفسه في كفّي، فأمررتُها على وجهي. ولقد وُلِّيتُ غُسله صلى الله عليه و سلم والملائكة أعواني، فضجّت الدار والأفنية ؛ ملأ ٌ يهبط، وملأ يعرج، وما فارقتْ سمعي هَيْنَمةٌ [ هي الكلام الخَفِيّ لا يُفهَم "النهاية: 290:5".] منهم، يصلّون عليه حتى وارَيناه في ضريحه. [ نهج البلاغة: الخطبة 197.]
5917- عنه عليه السلام: لقد قُبض النبيّ صلى الله عليه و سلم وإنّ رأسه لفي حجري، ولقد وُلّيتُ غسله بيدي، تقلّبه الملائكة المقرّبون معي. [ الأمالي للمفيد: 5:235، الأمالي للطوسي: 13:11 كلاهما عن الأصبغ بن نباتة، وقعة صفّين: 224 عن أبي سنان الأسلمي.]
5918- فضائل الصحابة عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس: ذُكر عنده عليّ بن
أبي طالب، فقال: إنّكم لتذكرون رجلاً كان يسمع وطء جبريل فوق بيته! [ فضائل الصحابة لابن حنبل: 1112:654:2، ذخائر العقبى: 169.]
راجع: القسم العاشر/ الخصائص الحربيّة/ جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره.
مخاطبة الأرواح
5919- الكافي عن حبّة العرني: خرجت مع أميرالمؤمنين عليه السلام إلى الظَّهْر، فوقف بوادي السلام [ وادِي السَّلام: اسم موضع في ظهر الكوفة يقرب من النجف "مجمع البحرين: 872:2".] كأ نّه مخاطِب لأقوام، فقمت بقيامه حتى أعييت، ثمّ جلست حتى مللت، ثمّ قمت حتى نالني مثل ما نالني أوّلاً، ثمّ جلست حتى مللت، ثمّ قمت وجمعت ردائي، فقلت: يا أمير المؤمنين، إنّي قد أشفقت عليك من طول القيام، فراحة ساعة! ثمّ طرحت الرداء ليجلس عليه.
فقال لي: يا حبّة، إن هو إلّا محادثة مؤمن أو مؤانسته.
قال: قلت: يا أميرالمؤمنين، وإنّهم لكذلك؟
قال: نعم، ولو كُشف لك لرأيتهم حَلقاً حَلقاً مُحْتَبين [ الاحْتِباء: هو أن يضُمّ الإنسان رجلَيه إلى بَطنه بثَوب يَجمَعهما به مع ظَهره، ويَشُدُّه عليها. وقد يكون الاحتِباء باليَدَين عوَض الثوب "النهاية: 335:1".] يتحادثون.
فقلت: أجسام أم أرواح؟
فقال: أرواح، وما من مؤمن يموت في بقعة من بقاع الأرض إلّا قيل لروحه: الحَقي بوادي السلام. وإنّها لبقعة من جنّة عدن. [ الكافي: 1:243:3.]
معرفة الأرواح
5920- الإمام الصادق عليه السلام: إنّ رجلاً جاء إلى أميرالمؤمنين عليه السلام وهو مع أصحابه فسلّم عليه، ثمّ قال له: أنا واللَّه اُحبّك وأتولّاك! فقال له أميرالمؤمنين عليه السلام: كذبت!
قال: بلى واللَّه، إنّي اُحبّك وأتولّاك!- فكرّر ثلاثاً- فقال له أميرالمؤمنين عليه السلام: كذبت! ما أنت كما قلت؛ إنّ اللَّه خلق الأرواح قبل الأبدان بألفي عام، ثمّ عرض علينا المحبّ لنا، فواللَّه ما رأيت روحك فيمن عرض، فأين كنت؟!
فسكت الرجل عند ذلك ولم يراجعه. [ الكافي: 1:438:1، بصائر الدرجات: 1:87 كلاهما عن صالح بن سهل و ح 2 عن أبي محمّد المشهدي نحوه وراجع ح 3 تا 8.]
5921- الاختصاص عن الأصبغ بن نباتة: كنت مع أميرالمؤمنين عليه السلام، فأتاه رجلٌ فسلّم عليه، ثمّ قال: يا أميرالمؤمنين، إنّي واللَّه لاُحبّك في اللَّه، واُحبّك في السرّ كما اُحبّك في العلانية، وأدين اللَّه بولايتك في السرّ كما أدين بها في العلانية. وبيد أميرالمؤمنين عودٌ طأطأ رأسه، ثمّ نكَتَ بالعود ساعةً في الأرض، ثمّ رفع رأسه إليه فقال:
إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم حدّثني بألف حديث، لكلّ حديثٍ ألف باب، وإنّ أرواح المؤمنين تلتقي في الهواء فتَشامّ [ في المصدر وبحارالأنوار: 'فتشمّ'، والتصحيح من المصدرين الآخرين. قال ابن الأثير: شامَمْتُ فلاناً إذا قارَبْتَه وتَعرَّفْتَ ما عندَه بالاختبار والكشْف، وهي مفاعلة من الشَّمّ "النهاية: 502:2".] وتتعارف؛ فما تعارَف منها ائتلف، وما تناكَر منها اختلف. وبحقّ اللَّه لقد كذبت! فما أعرف وجهك في الوجوه، ولا اسمك في
الأسماء. [ الاختصاص: 311، بصائر الدرجات: 2:391، بحارالأنوار: 7:134:61 وراجع كنز العمّال: 25560:172:9.]
5922- الإمام الباقر عليه السلام: بينا أميرالمؤمنين يوماً جالس [ في المصدر: 'جالساً'، والصحيح ما أثبتناه كما في بصائر الدرجات وبحارالأنوار.] في المسجد وأصحابه حوله فأتاه رجل من شيعته، فقال له: يا أميرالمؤمنين، إنّ اللَّه يعلم أ نّي أدينه بحبّك في السرّ كما أدينه بحبّك في العلانية، وأتولّاك في السرّ كما أتولّاك في العلانية.
فقال له أميرالمؤمنين عليه السلام: صدقت! أما فاتّخذ للفقر جلباباً؛ فإنّ الفقر أسرع إلى شيعتنا من السيل إلى قرار الوادي.
قال: فولّى الرجل وهو يبكي فرحاً لقول أميرالمؤمنين عليه السلام: صدقت.
قال: وكان هناك رجل من الخوارج يحدّث صاحباً [ في المصدر: 'وصاحباً' بدل 'ويحدّث صاحباً له'، والتصحيح من بصائر الدرجات وبحارالأنوار.] له قريباً من أميرالمؤمنين عليه السلام، فقال أحدهما: تاللَّه إن رأيت كاليوم قطّ! إنّه أتاه رجل فقال له: إنّي اُحبّك، فقال له: صدقت. فقال له الآخر: ما أنكرت ذلك، أتجد بدّاً من أن إذا قيل له: إنّي اُحبّك أن يقول: صدقت؛ أتعلم أنّي اُحبّه؟ فقال: لا. قال: فأنا أقوم فأقول له مثل ما قال له الرجل فيردّ عليَّ مثل ما ردّ عليه. قال: نعم. فقام الرجل فقال له مثل مقالة الرجل الأوّل، فنظر إليه مليّاً ثمّ قال له: كذبت! لا واللَّه ما تحبّني ولا اُحبّك. [ الاختصاص: 312، بصائر الدرجات: 3:391 كلاهما عن سعد الخفّاف، بحارالأنوار: 17:294:41.]
لقاء الخضر
5923- الإمام عليّ عليه السلام: دخلت الطواف في بعض الليل فإذا أنا برجل متعلّق بأستار الكعبة وهو يقول: يا من لا يمنعه سمع عن سمع، ويا من لا تغلطه المسائل، ويا من لا يبرحه [ بَرَّح فلانٌ وأبْرَحَ: آذى بالإلحاح "انظر لسان العرب: 410:2". وفي المصادر الاُخرى: 'يبرمه'.] إلحاح الملحّين، ولا مسألة السائلين؛ ارزقني برد عفوك وحلاوة رحمتك!
قال: فقلت له: يا هذا، أعِد عليَّ ما قلت. قال: قال لي: أ وَسمعته؟! قلت: نعم. قال لي: والذي نفس الخضر بيده- قال: وكان هو الخضر- لا يقولها عبدخلف صلاة مكتوبة إلّا غفر اللَّه له ذنوبه، ولو كانت مثل زبد البحر، ورمل عالِج، [ عَالِج: رمال بين فيد والقُرَيات في الحجاز، وهي متّصلة بالثعلبيّة على طريق مكّة، لا ماء فيها "معجم البلدان: 70:4".] وورق الشجر، وعدد النجوم، لغفرها اللَّه له. [ تاريخ دمشق: 426:16 و ص 425، البداية والنهاية: 332:1 كلّها عن يزيد بن الأصمّ، الهواتف لابن أبي الدنيا: 62:55 عن محمّد بن يحيى نحوه؛ الأمالي للمفيد: 8:92 عن محمّد ابن الحنفيّة نحوه.]
5924- عنه عليه السلام: رأيت الخضر عليه السلام في المنام قبل بدر بليلة، فقلت له: علّمني شيئاً اُنصَر به على الأعداء، فقال: 'قل: يا هو يا من لا هو إلّا هو'. فلمّا أصبحت قصصتها على رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم، فقال لي: 'يا عليّ، عُلّمتَ الاسم الأعظم'. فكان على لساني يوم بدر. [ التوحيد: 2:89 عن أبي البختري عن الإمام الصادق عن آبائه عليهم السلام، عدّة الداعي: 262 عن الصدوق عن أبيه عن جدّه.]