علامة فقد وردت في القرآن الكريم بلفظ (سيماهم) ست مرات فيما أحصيت كما قلت سابقاً، وكان معناها أنها علامة على غيرها، فهي بياض الوجوه أو اسودادها، أو علامات النفاق، أو التواضع. هذا كله في معنى السمة، ويبقى معنى الوسم الذي نتوقعه غير هذا.إذا عدنا إلى المعاجم اللغوية للاستئناس بها، وجدنا معنى الوسم فيها يلف حول أثر مادي أليم. فالوسم أثر الكي وفي حديث كان رسول الله يَسِمُ إبلَ الصَّدَقَة أي يُعَلِّمُ عليها بالكَيِّ.وجاء في تفسير الكشاف "وسم أبو العباس أباعر في وجوهها فقال له رسول الله : أكرموا الوجوه فوسمها في جواعرها" وفي القرآن الكريم يقول الله تعالى: "سنسمه على الخرطوم،" وجاء في تفسيرها "سنبينه بياناً واضحاً حتى يعرفه الناس." وفي جميع معاني الصيغة وضع علامة بآلة حادّة كالمكواة.فهل هذا المفهوم يتساوق مع مفهوم اختيار الاسم على ما فيه من تفكير وتأمل وتصور ورحمة. والظاهر لذي عقل، أن مفهوم الوسم لا يتطابق مع الاسم. أما قول البصريين أن الاسم يعلو على المسمى ففيه نظر ولنا عليه تحفظ أكثر مما كان على الاسم من الوسم. فقولهم يعلو على المسمى، هذه نظرة مادية سطحية؛ وذلك من جهتين: أولهما جعلهم الاسم كالعمامة أو القلنسوة على الرأس، تعلوه. وثانيهما توظيف حرف الجر توظيفاً أراه في غير موضعه.إذا كان الاسم يعلو على المسمى، كان ذلك إما من مدرك بصري، أو مدرك قلبي، إن جاز لنا هذا التقدير التنويعي، على قياس رأى القلبية والبَصَرية. وفي كلتا الحالتين الاسم لا يعلو على المسمى في رأينا وإنما يعلو به ولو قالوا: والاسم يعلو بالمسمى لكان ألطف وأبْهَى، حتى ليصبح إذا عُرِفَ الاسم استوحيت الدلالة من مجرد ذكره. فإذا قلنا محمداً مثلاً ونحن نقصد شخصاً معيناً، حضرت معه جميع صفاته التي ترتبط به في ذهن المتكلم والسامع. وإذا اشتهر صاحب هذا الاسم شاعت صفاته في دائرة أوسع "حتى تنتظم جميع أفراد البيئة اللغوية، وهنا يمكن أن نتصور أن هذا العَلَم ينتقل إلى وصف من أوصاف اللغة، متى أطلق دعا معه في ذهن الناس تلك المجموعة من الصفات." وهذه الدلالة الإيحائية للأسماء إنما تستمد من طبيعتها الاجتماعية أو العرفية أو غير ذلك. وهذا ما يصح أن يقال فيه: "عن الاسم هو المسمى" على حد تعبير البطليوسي. ولكنه لا يمكن أن يكون الاسم على معنى "إن العبارة هي المعبر عنهوأن اللفظ هو الشخص، فإن ذلك مجالاً لا يتصور. وإذا أثبت هذا، سقط اعتراض من قال: إنه يلزم من ذلك أن يحترق فم من قال نار، ويشبع من قال طعام". وإنما يقال: إن الاسم هو المسمى بما يوحي من دلالات ومعان منها ما يكون مجازاً وهي أن "العلة التي أوجبت وضع الأسماء على المسميات إنما هي مغيبها عن مشاهدة الحواس لها. ولو كانت الأشياء كلها بحيث تدركها الحواس لم تحتج إلى الأسماء، ولكن لما لم يمكن مشاهدة الأشياء كلها، احتاج من شاهد منها شيئاً أن يخبر عنه من لم يشاهده، فأوجب ذلك وضع الأسماء باتفاق".كما أن الاسم والمسمى في هذا المعنى يمكن عدهما مترادفين لأن "العرب قد تذهب بالاسم إلى المعنى الواقع تحت التسمية فيقولون: هذا مسمى زيد أي هذا المسمى بهذه اللفظة التي هي الزاي والياء والدال، ويقولون في هذا المعنى، هذا اسم زيد". وبالتالي يكون الاسم والمسمى واحداً لأنهما يبدوان مترادفين وذلك لأنهما يوحيان بدلالة واحدة ومن ذلك قول ذي الرمة: كأنها أمُّ سَاجِي الطَّرْفِ أَخْدَرَهَا لا يَنْعَشُ الطرفَ إلا ما تَخَونَهُ دَاعٍ يُنَادِيهِ باسمِ الماءِ مَبْغُومُ مُسْتَوْدَعٌ خَمْرُ الوِعَاءِ مَرْخُومُ دَاعٍ يُنَادِيهِ باسمِ الماءِ مَبْغُومُ دَاعٍ يُنَادِيهِ باسمِ الماءِ مَبْغُومُ لقد وضع الشاعر الاسم مكان المسمى حيث كان يناديه بمسمى الماء وهو حكاية صوت الظبي.إن الكلمة المنطوقة أياً ما كانت، فهي أصوات معبرات عن دلالة كامنة في المباني اللغوية على مختلف مستوياتها؛ من ذاتية وحدثية ووصفية، وما دار في فلكها مما لم