دلالة الایحائیة فی الصیغة الافرادیة نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
إن ما تمتاز به الأمة العربية هو الفصاحة في نطقها، والبيان والبلاغة في تعبيرها حيث كانت تقام في الجاهلية أسواق تعنى بقضايا اللغة العربية كسوق عكاظ الذي كان يأخذ منه الشعراء والبلغاء ما أجمعوا على استحسانه؛ وأصبحت هذه اللغة المختارة المتفق عليها، أداة للتعبير عما يجول في صدورهم من أحاسيس ومشاعر. ومن هنا صارت لغة قبائل الجزيرة هي اللغة الفصيحة السليمة من الخطأ بخلاف المناطق الأخرى التي اختلطت بغيرها من الأمم نتيجة التجارة.كما كانت نشأة الدرس اللغوي في العصر الإسلامي مرتبطة بالحياة الإسلامية، وكان القرآن الكريم هو المحور الأساسي لهذا الدرس. وبالتالي فإن النشأة الأولى للدرس اللغوي العربي كان منطلقها الرئيسي هو قراءة القرآن إذ نجد هذه الأخيرة قد دعت إلى ظهور علم الأصوات مثلاً، لأن على المقرئ إذا قرأ أن يخرج الحروف مخرجاً فصيحاً، ويكون "مضطراً أيضاً إلى معرفة المد وقوانينه، وإلى إحكام الهمز ومعرفة لهجات العرب فيه، كما كان عليه أن يعرف ضوابط الإدغام والإظهار والإقلاب والغنة" . ولذلك سميت ضوابط اللغة وقوانين أدائها في البداية بالعربية. ومن ذلك "أن عبد الرحمن بن هرمز أول من وضع العربية، وكان من أعلم الناس بالنحو وأنساب قريش" .وقد نتج عن سبب تسجيل غريب القرآن الكريم، جمع الشعر والنوادر والرحلات العلمية إلى البوادي، وذلك بعد أن بدأت ضوابط اللغة العربية في الاستقراء، وبعد أن طاف في مجالها رجال يجمعونها من أفواه القبائل -التي لم تختلط بالأعاجم -الساكنة في أعماق البادية والمحافظة على سليقتها الصحيحة كقبائل تميم وقيس وأسد وطيء وهذيل وسعوا "إلى الأعراب في أسواق الحواضر ولا سيما سوق المربد لأن في كلمات القرآن ما في كلمات الشعر من غرابة أحياناً، يحتاج إلى شرح وتوضيح باعتماد العرف اللغوي السائد يومئذ".واشتهر في ذلك أبو عمر بن العلاء، واشتهر غيره بضبط اللغة كيونس بن حبيب وعبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي.ويروى أن رجلاً سأل يونس بن حبيب "هل يقول أحد الصويق يعني السويق. قال: نعم، عمرو بن تميم تقولها. وما تريد إلى هذا، عليك بباب من النحو يطرد وينقاس." إن ما يلفت الانتباه هنا، هو أن السائل يسأل عن الكلمة وكيف ينطقها العرب، وهل يتفقون على أداء واحد أم هناك خلاف بينهنم، ويجيبه يونس بن حبيب إجابة ناتجة عن معرفة واستقراء للفظة والناطقين بها ويحثه على دراسة لهجات القبائل واستقرائها وحصرها، والتي انتهى منها الجامعون المصنفون قبل هذا الحين.إن جواب يونس بن حبيب يوحي بأن العرب تفرغوا لرصد الظواهر اللغوية وما تحويه من دلالات؛ فدراسة الأصوات العربية إنما هي دراسة للوحدات الأساسية التي يتكون منها التركيب اللغوي. ودراسة الكلمات الغريبة في القرآن الكريم، يعني معرفة ما تتكون منه من أصوات، وما تحمله من دلالات وما تؤديه من وظائف داخل التركيب اللغوي الذي وضعت فيه.وقد اتفق المؤرخون القدماء على أن واضع النحو العربي هو أبو الأسود الدؤلي، غير أنهم ذكروا إلى جانب ذلك روايات أخرى تنسب وضعه إلى غيره.أما المحدثون فلقد اشتبه عليهم الأمر بين ما فعله أبو الأسود وما فعله تلاميذه فنفوا فضل أبي الأسود على القرآن الكريم، وأرجعوه إلى آخرين.قام أبو الأسود بنقط أواخر كلمات المصحف الشريف عندما فسدت السليقة العربية الصحيحة، فوضع شيئاً يقيس عليه العرب كلامهم فكان "أول من أسس العربية ونهج سبلها، ووضع قياسها؛ وذلك حين اضطرب كلام العرب." فالعربية هنا تتمثل في نقط أبو الأسود، والرواية الآتية لا تختلف عن الأولى إلا في شيء واحد وهو أن "أول من وضع العربية.... أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأخذ عنه أبو الأسود" إن عمل أبي الأسود ينحصر في نقط أواخر كلمات المصحف، إذ اتخذ كاتباً حاذقاً من بني عبد قيس وقال له: "إذا رأيتني قد فتحت فمي بالحرف فانقط نقطة فوقه؛ فإن ضممت فمي، فانقط نقطة فوقه على أعلاه، وإن كسرت