أجمعوا أن الله تعالى خالق لأفعال العباد كلها كما أنه خالق لأعيانهم وأن كل ما يفعلونه من خير وشر فبقضاء الله وقدره وإرادته ومشيئته ولولا ذلك لم يكونوا عبيدا ولا مربوبين ولا مخلوقين وقال جل وعز قل الله خالق كل شيء وقال إنا كل شيء خلقناه بقدر وكل شيء فعلوه في الزبر فلما كانت أفعاهم أشياء وجب أن يكون الله خالقها ولو كانت الأفعال غير مخلوقة لكان الله جل وعز خالق بعض الأشياء دون جميعها ولكان قوله خالق كل شيء كذبا تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ومعلوم أن الأفعال أكثر من الأعيان فلو كان الله تعالى خالق الأعيان والعباد خالقي الأفعال لكان الخلق أولى بصفة المدح في الخلق من اللع تعالى ولكان خلق العباد أكثر من خلق الله ولو كانوا كذلك لكانوا أتم قدرة من الله تعالى وأكثر خلقا منه وقد قال الله تعالى أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار فنفى أن يكون خالقا غيره وقال الله تعالى وقدرنا فيها السير فأخبر أنه قدر سير العباد وقال والله خلقكم وما تعملون وقال من شر ما خلق فدل أن مما خلق شرا وقال ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا أي خلقنا الغفلة فيه وقال وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور ألا يعلم من خلق فأخبر أن قولهم وسرهم وجهرهم خلق له وقال عمر رضى الله عنه يارسول الله أرأيت ما نعمل فيه أعلى أمر قد فرغ منه أو أمر مبتدأ فقال على أمر قد فرغ منه فقال عمر أفلا نتكل وندع العمل فقال اعملوا فكل ميسر لما خلق له وسئل النبي صلى الله عليه وسلم أرأيت رقى نسترقيها ودواء نتداوى به هل يرد من قدر الله قال إنه من قدر الله وقال والله لا يؤمن أحد حتى يؤمن بالله وبالقدر خيره وشره من الله ولما جاز أن يخلق الله تعالى العين الذي هو شر جاز أن يخلق الفعل الذي هو شر ومجمع على أن حركة المرتعش خلق الله فكذلك حركة غيره غير أن الله تعالى خلق لهذا حركة واختيارا وخلق للآخر حركة ولم يخلق له اختيارا قال أبو بكر الواسطي في قوله تعالى وله ما سكن في الليل والنهار قال من ادعى شيئا من ملكه وهو ماسكن في الليل والنهار من خطرة وحركة أنها له أو به أو إليه أو منه فقد جاذب القبضة وأوهن العزة وفي قوله ألا له الخلق والأمر خلق إيجاد وأمر إطلاق مالم يأمر الجوارح أمر إطلاق لم توافقه في شئ كذلك المخالفة الباب الرابع عشر قولهم في الاستطاعة أجمعوا أنهم لا يتنفسون نفسا ولا يطرفون طرفة ولا يتحركون حركة إلا بقوة يحدثها الله تعالى فيهم واستطاعة يخلقها الله لهم مع أفعالهم لا يتقدمها ولا يتأخر عنها ولا يوجد الفعل إلا بها ولولا ذلك لكانوا بصفة الله تعالى يفعلون ماشاءوا ويحكمون ما أرادوا ولم يكن الله القوى القدير بقوله ويفعل الله ما يشاء أولى من عبد حقير ضعيف فقير ولو كانت الاستطاعة هي الأعضاء السليمة لاستوى في الفعل كل ذي أعضاء سليمة فلما رأينا ذوي أعضاء سليمة ولم نر أفعالهم ثبت أن الاستطاعة ما يرد من القوة على الأعضاء السليمة وتلك القوة متفاضلة في الزيادة والنقصان ووقت دون وقت وهذا يشاهده كل من نفسه ثم لما كانت القوة عرضا والعرض لا يبقى بنفسه ولا بقاء فيه لأن ما لا يقوم بنفسه ولا يقوم به غيره لا يبقى ببقاء في غيره لأن بقاء غيره ليس ببقاء له بطل أن يكون له بقاء وإذا كان كذلك وجب أن تكون قوة كل فعل غير قوة غيره ولولا ذلك لم تكن للخلق حاجة إلى الله تعالى عند أفعالهم ولا كانوا فقراء إليه ولكان قوله تعالى وإياك نستعين لا معنى له ولو كانت القوة قبل الفعل وهي لا تبقى لوقت الفعل لكان الفعل بقوة معدومة ولو كانت