فعل الله بعباده من الإحسان والصحة والسلامة والإيمان والهداية واللطف تفضل منه ولو لم يفعل ذلك لكان جائزا وليس على الله بواجب ولو كان ما يفعل مما يفعل شيئا واجبا عليه لم يكن مستحقا للحمد والشكر وأجمعوا أن الثواب والعقاب ليس من جهة الاستحقاق لكنه من جهة لمشيئة والفضل والعدل لأنهم لا يستحقون على أجرام منقطعة عقابا دائما ولا على أفعال معدودة ثوابا دائما غير معدود وأجمعوا أنه لوعذب جميع من في السموات والأرض لم يكن ظالما لهم ولو أدخل جميع الكافرين الجنة لم يكن ذلك محالا لأن الخلق خلقه والأمر أمره ولكنه أخبر أنه ينعم على المؤمنين أبدا ويعذب الكافرين ابدا وهو صادق في قوله وخبره صدق فوجب أن يفعل بهم ذلك ولا يجوز غيره لأنه لا يكذب في ذلك تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا وأجمعوا أنه لا يفعل الأشياء لعلة ولو كان لها علة لكان للعة علة إلى ما لا يتناهى وذلك باطل قال الله تعالى إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون وقال هو اجتباكم وقال وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين وقال ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس ولا يكون شئ منه ظلما ولا جورا لأن الظلم إنما صار ظلما لأنه منهى عنه ولأنه وضع الشئ في غير موضعه والجور إنما كان جورا لأنه عدل عن الطريق الذي بين له والمثال الذي مثل له من فوقه ومن هو تحت قدرته ولما لم يكن الله تحت قدرة قادر ولا كان فوقه آمر ولا زاجر لم يكن فيما يفعله ظالما ولافي شئ يحكم به جائرا ولم يقبح منه شئ لآن القبيح ما قبحه والحسن ما حسنه وقال بعضهم القبيح ما نهى عنه والحسن ما أمر به وقال محمد بن موسى إنما حسنت المستحسنات بتجليه وقبحت المستقبحات باستتاره وإنما هما نعتان يجريان على الأبد بما جريا في الأزل معناه كل ماردك إلى الحق من الأشياء فهو حسن وما ردك إلى شئ دونه فهو قبيح فالقبيح والحسن ما حسنه الله في الأزل وماقبحه ومعنى آخر أن المستحسن هو ما تخلى عن ستر النهى فلم يكن بين العبد وبينه ستر والقبيح ما كان وراء الستر وهو النهي على معنى قوله عليه السلام وعلى الأبواب ستور مرخاة قيل الأبواب المفتحة محارم الله والستور حدوده
الباب السابع عشر قولهم في الوعد والوعيد
أجمعوا أن الوعيد المطلق في الكفار والمنافقين والوعد المطلق في المؤمنين المحسنين وأوجب بعضهم غفران الصغائر باجتناب الكبائر بقوله إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه وجعلها بعضهم كالكبائر في جواز العقوبة عليها لقوله تعالى وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله وقالوا معنى قوله إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه هو الشرك والكفر وهو أنواع كثيرة فجاز أن يطلق عليها اسم الجمع وفيه وجه آخر وهو أن الخطاب خرج على الجمع فكانت كبيرة كل واحد منهم عند الجمع كبائر وجوزوا غفران الكبائر بالمشيئة والشفاعة وأوجبوا الخروج من النار لأهل الصلاة لا محالة بإيمانهم قال الله تعالى إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فجعل المشيئة شرطا فيما دون الشرك وجملة قولهم إن المؤمن بين الخوف والرجاء يرجو فضل الله في غفران الكبائر ويخاف عدله في العقوبة على الصغائر لأن المغفرة مضمون المشيئة ولم يأت مع المشيئة شرط كبيرة ولا صغيرة ومن شدد وغلظ في شرائط التوبة وارتكاب الصغائر فليس ذلك منهم على إيجاب الوعيد بل ذلك على تعظيم الذنب في وجوب حق الله في الانتهاء عما نهى عنه ولم يجعلوا في الذنوب صغيرة إلا عند نسبة بعضها الى بعض فطالبوا النفوس بإيفاء حق الله تعالى والانتهاء عما نهى الله عنه والوفاء بما أمر به الله ورؤية التقصير في شرائط العمل وهم مع ذلك كله ارجى الناس للناس وأشدهم خوفا على أنفسهم حتى كان الوعيد لم يرد إلا فيهم والوعد لم يكن إلا لغيرهم قيل للفضيل عشية عرفة كيف ترى حال الناس قال مغفورون لولا مكاني فيهم وقال السرى السقطي إني لأنظر في المرآة كل يوم مرار مخافة أن يكون قد اسود وجهي وقال لا