اجمعوا على إثبات كرامات الأولياء وإن كانت تدخل في باب المعجزات كالمشي على الماء وكلام البهائم وطي الأرض وظهور الشئ في غير موضعه ووقته وقد جاءت الأخبار بها وصحت الروايات ونطق بها التنزيل من قصة الذي عنده علم من الكتاب في قوله تعالى أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك وقصة مريم حين قال لها زكريا أنى لك هذا قالت هو من عند الله وقصة الرجلين اللذين كانا عند النبي صلى الله عليه وسلم ثم خرجا فأضاء لهما سوطاهما وغير ذلك وجواز ذلك في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وغير عصره واحد وذلك أنه إذا كانت في عصر النبي للنبي صلى الله عليه وسلم على معنى التصديق له كان في غير عصره على معنى التصديق وقد كان بعد النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب حين نادى سارية قال لسارية يا سارية بن حصن الجبل الجبل وعمر بالمدينة على المنبر وسارية في وجه العدو على مسيرة شهر والأخبار في هذا كثيرة وافرة وإنما أنكر جواز ذلك من أنكر لأن فيه زعم إبطال النبوات لأن النبي لا يظهر عن غيره إلا بمعجزة يأتي بها تدل على صدقه ويعجز عنها غيره فإذا ظهرت على يدي غيره لم يكن بينه وبين من ليس بنبي فرق ولا دليل على صدقه قالوا وفيه تعجيز الله عن إظهار نبي عن من ليس بنبي وقال أبو بكر الوراق النبي لم يكن نبيا للمعجزة وإنما كان نبيا بإرسال الله تعالى إياه ووحيه إليه فمن أرسله الله وأوحى إليه فهو نبي كانت معه معجزة أو لم تكن ووجب على من دعاه الرسول الإجابة له وإن لم يره معجزة وإنما كانت المعجزات لإثبات الحجة على من أنكر ووجوب كلمة العذاب على من عاند وكفر وإنما وجبت الإجابة للنبي بدعوته لأنه يدعوه إلى ما أوجب الله عليه من توحيده ونفي الشركاء عنه وإتيان ما ليس في العقل استحالته بل وجوبه أو جوازه والأصل في ذلك أنهما عينان نبي ومتنبي فالنبي صادق والمتنبي كاذب وهما يشتبهان في الصورة والتركيب وأجمعوا أن الصادق يؤيده الله بالمعجزة والكاذب لا يجوز له ما يكون للصادق لأن في هذا تعجيز الله عن إظهار الصادق من الكاذب فأما إذا كان ولي صادق وليس بنبي فإنه لا لا يدعي النبوة ولا ما هو كذب وباطل وإنما يدعو إلى ما هو حق وصدق فإن أظهر الله عليه كرامة لم يقدح ذلك في نبوة النبي ولا أوجب شبهة فيها لأن الصادق يقول ما يقوله النبي ويدعو إلى ما يدعوا إليه النبي فظهور الكرامة له تأييد لنبي وإظهار لدعوته وإلزام لحجته وتصديقه فيما يدعوه ويدعيه من النبوة وإثبات توحيد الله عز وجل وجوز بعضهم أن يرى الله أعداءه في خاصة أنفسهم وفيما لا يوجب شبهة ما يخرج من العادات ويكون ذلك استدراجا لهم وسببا لهلاكهم وذلك انها تولد في أنفسهم تعظما وكبرياء ويرون أنها كرامات لهم استأهلوها بأعمالهم واستوجبوها بأفعالهم فيتكلون على أعمالهم ويرون لهم الفضل على الخلق فيزرون بعباده ويأمنون مكره ويستطيلون