عن ابن مسعود في حديث طويل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا أحد أغير من الله ومن طريق أخرى عن المغيرة لا شخص أغير من الله وفي رواية لا شيء أغير من الله اعلم أن حقيقة الشخصية لذات لها شخص وحجم مأخوذ من الشخوص وهو الارتفاع وإنما ذلك في الأجسام وهو محال على الله تعالى فوجب تأويل ذلك وكذلك الغيرة عبارة عن حالة نفسانية تقتضي منع الشيء وكراهيته والزجر عنه فعبر بالسبب عن المسبب واعلم أن إطلاق الشخص لا يكون إلا جسما مؤلفا وسمي بذلك لما له من شخوص وارتفاع ولفظ الشخص لم يورده البخاري بل حكاه عن عبيد الله بن عمرو قال الخطابي عن لفظ الشخص وخليق أن لا تكون هذه اللفظة صحيحة وأن تكون تصحيفا من الراوي لأن النظر الأول من شيء وشخص سواء قال وليس كل الرواة يراعون لفظ الحديث ولا يتعدونه وكثير منهم يحدثون بالمعنى وليس كلهم بفقيه حتى يروى عن بعضهم أنه قال نعم المرء ربنا لوأطعناه ما عصانا ولفظ المرء إنما هو للذكر من بني آدم والظاهر أن مطلق هذا الحديث وشبهه لم يقصد المعنى الذي لا يليق بجلال الله تعالى وإنما جرى لسانه على بديهة الطبع من غير تفكر وتأمل بل معنى الكلام ليس أحد من المخلوقين أغير من الله تعالى ولا يلزم منه أن يكون مخلوقا وهو كقولهم ليس أحد من بني تميم أعدل من عمر وهو كلام صحيح مع أن عمر قرشي وليس تميميا ومنه ما روي في حديث ما خلق الله من جنة ولا نار أعظم من آية الكرسي قال أحمد بن حنبل الخلق هنا يرجع إلى المخلوق لا إلى القرآن فلم يلزم من ذلك أن تكون آية الكرسي مخلوقة ولما حرم الله سبحانه الفواحش وزجر عنها وتوعد عليها وصف بالغيرة التي هي كراهة الشيء والزجر عنه كما تقدم
الحديث السابع والعشرون
عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن أحدكم إذا صلى فإن الله قبل وجهه وفي رواية أنس إن ربه بينه وبين القبلة هذا الحديث دافع لمذهب الجهة فإن جهة فوق وقدام متضادان لا يجتمعان البتة فإن حملها على ظاهرهما محال على الله تعالى لا يجتمعان عقلا وعادة وشرعا وإن أول هذا دون ذلك فتحكم وإن أولهما فأهلا بالوفاق وتأويله عندنا بحذف مضاف تقديره فإن قبلته التي أكرمها وأمر باستقبالها قبل وجهه فيجب احترامها لأجل من يضاف إليها وحذف المضاف في القرآن والحديث وفي ألسنة الناس كثير وقيل معناه فإن ثواب الله قبل وجهه أي يأتيه الثواب والرحمة والقبول من قبل وجهه كما جاء في الحديث يجيء القرآن بين يدي صاحبه يوم القيامة أي ثواب القرآن ويؤيده أيضا ما جاء في الحديث إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الرحمة تواجهه