الجزء الخامس
[تتمة ربع العادات]
تتمة كتاب آداب الكسب و المعاش
الباب الرابع (في الإحسان في المعاملة)
و قد أمر الله تعالى بالعدل و الإحسانجميعا. و العدل سبب النجاة فقط، و هو يجرىمن التجارة مجرى رأس المال. و الإحسان سببالفوز و نيل السعادة، و هو يجرى من التجارةمجرى الربح. و لا يعد من العقلاء من قنع فيمعاملات الدنيا برأس ماله، فكذا فيمعاملات الآخرة، فلا ينبغي للمتدين أنيقتصر على العدل و اجتناب الظلم، و يدعأبواب الإحسان و قد قال الله وَ أَحْسِنْكَما أَحْسَنَ الله إِلَيْكَ
و قال عز و جل إِنَّ الله يَأْمُرُبِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ
و قال سبحانه إِنَّ رَحْمَتَ اللهقَرِيبٌ من الْمُحْسِنِينَ
و نعني بالإحسان فعل ما ينتفع به المعامل،و هو غير واجب عليه، و لكنه تفضل منه. فانالواجب يدخل في باب العدل و ترك الظلم، وقد ذكرناه
و تنال رتبة الإحسان بواحد من ستة أمور
الأول في المغابنة.
فينبغي أن لا يغبن صاحبه بما لا يتغابن بهفي العادة. فأما أصل المغابنة فمأذون فيه،لان البيع للربح، و لا يمكن ذلك الا بغبنما. و لكن يراعى فيه التقريب:
فان بذل المشتري زيادة على الريحالمعتاد، أما لشدة رغبته، أو لشدة حاجتهفي الحال إليه فينبغي أن يمتنع من قبوله.فذلك من الإحسان. و مهما لم يكن تلبيس لميكن أخذ الزيادة ظلما: و قد ذهب بعضالعلماء إلى أن الغبن بما يزيد على الثلثيوجب الخيار. و لسنا نرى ذلك و لكن منالإحسان أن يحط ذلك الغبن يروى انه كان عنديونس بن عبيد حلل مختلفة الأثمان ضرب قيمةكل حلة منها أربعمائة و ضرب كل حلة قيمتهامائتان: فمر إلى الصلاة و خلف ابن أخيه فيالدكان: فجاء أعرابي و طلب حلة بأربعمائة،فعرض عليه من حلل المائتين، فاستحسنها ورضيها فاشتراها؟ فمضى بها و هي على يديه،فاستقبله يونس فعرف حلته، فقال للاعرابي،بكم اشتريت؟ فقال باربعمائة فقال