من المطر، فقال إنما هي من أمر الآخرة، وكره جلوسه فيها. و أطفأ بعضهم سراجا أسرجهغلامه من قوم يكره مالهم. و امتنع من تسجيرتنور للخبز و قد بقي فيه جمر من حطب مكروه.و امتنع بعضهم من أن يحكم شسع نعله في مشعلالسلطان. فهذه دقائق الورع عند سالكي طريقالآخرة و التحقيق فيه أن الورع له أول، وهو الامتناع عما حرمته الفتوى، و هو ورعالعدول و له غاية، و هو ورع الصديقين، وذلك هو الامتناع من كل ما ليس للَّه، مماأخذ بشهوة، أو توصل إليه بمكروه، أو اتصلبسببه مكروه. و بينهما درجات في الاحتياط.فكلما كان العبد أشد تشديدا على نفسه كانأخف ظهرا يوم القيامة، و أسرع جوازا علىالصراط، و أبعد عن أن تترجح كفة سيئاته علىكفة حسناته. و تتفاوت المنازل في الآخرةبحسب تفاوت هذه الدرجات في الورع. كماتتفاوت دركات النار في حق الظلمة بحسبتفاوت درجات الحرام في الخبث. و إذا علمتحقيقة الأمر فإليك الخيار، فإن شئتفاستكثر من الاحتياط، و إن شئت فرخص،فلنفسك تحتاط، و على نفسك ترخص و السلام
الباب الثاني (في مراتب الشبهات ومثاراتها و تمييزها عن الحلال و الحرام)
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم[1]«الحلال بيّن و الحرام بيّن و بينهما أمورمشتبهات لا يعلمها كثير من النّاس. فمناتّقى الشّبهات فقد استبرأ لعرضه و دينه ومن وقع في الشّبهات واقع الحرام كالرّاعىحول الحمى يوشك أن يقع فيه» فهذا الحديث نصفي إثبات الأقسام الثلاثة. و المشكل منهاالقسم المتوسط الذي لا يعرفه كثير منالناس، و هو الشبهة، فلا بد من بيانها، وكشف الغطاء عنها، فإن ما لا يعرفه الكثيرفقد يعرفه القليل فنقول
الحلال المطلق.
هو الذي خلا عن ذاته الصفات الموجبةللتحريم في عينه، و انحل عن أسبابه ما تطرقإليه تحريم أو كراهية. و مثاله الماء الذييأخذه الإنسان من المطر، قبل أن
[1] حديث الحلال بين و الحرام بين: متفقعليه من حديث النعمان بن بشير