و هو ترك ما لا بأس به مخافة مما به بأس. وهذا ورع المتقين. قال صلّى الله عليهوسلّم[1] «لا يبلغ العبد درجة المتّقينحتّى يدع مالا بأس به مخافة ما به بأس»
الرابعة: ما لا بأس به أصلا،
و لا يخاف منه أن يؤدى إلى ما به بأس، ولكنه يتناول لغير الله، و على غير نيةالتقوّى به على عبادة الله. أو تتطرق إلىأسبابه المسهلة له كراهية أو معصية. والامتناع منه ورع الصديقين فهذه درجاتالحلال جملة إلى أن نفصلها بالأمثلة والشواهد و أما الحرام الذي ذكرناه فيالدرجة الأولى، و هو الذي يشترط التورععنه في العدالة و إطراح سمة الفسق، فهوأيضا على درجات في الخبث. فالمأخوذ بعقدفاسد، كالمعاطاة مثلا فيما لا يجوز فيهالمعاطاة حرام، و لكن ليس في درجة المغصوبعلى سبيل القهر. بل المغصوب أغلظ، إذ فيهترك طريق الشرع في الاكتساب، و إيذاءالغير. و ليس في المعاطاة إيذاء، و إنمافيه ترك طريق التعبد فقط، ثم ترك طريقالتعبد بالمعاطاة أهون من تركه بالربا وهذا التفاوت يدرك بتسديد الشرع و وعيده وتأكيده في بعض المناهي، على ما سيأتي فيكتاب التوبة، عند ذكر الفرق بين الكبيرة والصغيرة بل المأخوذ ظلما من فقير أو صالحأو من يتيم، أخبث و أعظم من المأخوذ من قوىأو غنى أو فاسق. لأن درجات الإيذاء تختلفباختلاف درجات المؤذي فهذه دقائق فيتفاصيل الخبائث لا ينبغي أن يذهل عنها. فلولا اختلاف درجات العصاة لما اختلفت دركاتالنار. و إذا عرفت مثارات التغليظ فلا حاجةإلى حصره في ثلاث درجات أو أربعة. فإن ذلكجار مجرى التحكم و التشهي، و هو طلب حصرفيما لا حاصر له. و يدلك على اختلاف درجاتالحرام في الخبث ما سيأتي في تعارضالمحذورات، و ترجيح بعضها على بعض، حتىإذا اضطر إلى أكل ميتة، أو أكل طعام الغير،أو أكل صيد الحرم فإنا نقدم بعض هذا علىبعض
أمثلة (الدرجات الأربع في الورع وشواهدها)
أما الدرجة الأولى،
و هي ورع العدول، فكل ما اقتضى الفتوىتحريمه، مما يدخل
[1] حديث لا يبلغ العبد درجة المتقين حتىيدع ما لا بأس به مخافة ما به بأس: ابن ماجهو قد تقدم