أعجز الناس من قصر في طلب الإخوان، و أعجزمنه من ضيع من ظفر به منهم. و كثرة المماراةتوجب التضييع و القطيعة، و تورث العداوة. وقد قال الحسن: لا تشتر عداوة رجل بمودة ألفرجل.
و على الجملة، فلا باعث على المماراة إلاإظهار التمييز بمزيد العقل و الفضل، واحتقار المردود عليه بإظهار جهله، و هذايشتمل على التكبر و الاحتقار، و الإيذاء والشتم بالحمق و الجهل، و لا معنى للمعاداةإلا هذا. فكيف تضامه الأخوة و المصافاة.فقد روى ابن عباس عن رسول الله صلّى اللهعليه وسلّم أنه قال[1] «لا تمار أخاك و لاتمازحه و لا تعده موعدا فتخلفه» و قد قالعليه السلام[2] «إنّكم لا تسعون النّاسبأموالكم و لكنّ ليسعهم منكم بسط وجه و حسنخلق» و المماراة مضادة لحسن الخلق. و قدانتهى السلف في الحذر عن المماراة، و الحضعلى المساعدة، إلى حد لم يروا السؤال أصلا.و قالوا إذا قلت لأخيك قم، فقال إلى أين؟فلا تصحبه. بل قالوا ينبغي أن يقوم و لايسأل. و قال أبو سليمان الداراني: كان لي أخبالعراق، فكنت أجيئه في النوائب، فأقولأعطني من مالك شيئا.
فكان يلقى إلي كيسه فآخذ منه ما أريد.فجئته ذات يوم، فقلت أحتاج إلى شيء، فقالكم تريد؟ فخرجت حلاوة إخائه من قلبي. و قالآخر: إذا طلبت من أخيك مالا، فقال ما ذاتصنع به؟ فقد ترك حق الأخاء. و اعلم أن قوامالأخوة بالموافقة في الكلام و الفعل والشفقة. قال أبو عثمان الحيرى: موافقةالإخوان خير من الشفقة عليهم. و هو كماقال
الحق الرابع على اللسان بالنطق
فإن الأخوة كما تقتضي السكوت من المكاره،تقتضي أيضا النطق بالمحاب. بل هو أخصبالأخوة. لأن من قنع بالسكوت صحب أهلالقبور. و إنما تراد
[1] حديث ابن عباس لا تمار أخاك و لا تمازحهو لا تعده موعدا فتخلفه: الترمذي و قالغريب لا نعرفه الا من هذا الوجه يعنى منحديث ليث بن أبي سليم و ضعفه الجمهور
[2] حديث انكم لا تسعون الناس بأموالكم ولكن ليسعهم منكم بسط الوجه و حسن الخلق:أبو يعلى الموصلي و الطبراني في مكارمالأخلاق و ابن عدى في الكامل و ضعفه والحاكم و صححه و البيهقي في الشعب من حديثأبي هريرة