إذ قال وَ لكِنْ لا تُحِبُّونَالنَّاصِحِينَ
و هذا في عيب هو غافل عنه. فأما ما علمت انهيعلمه من نفسه فإنما هو مقهور عليه منطبعه، فلا ينبغي أن يكشف فيه ستره إن كانيخفيه، و إن كان يظهره فلا بد من التلطف فيالنصح، بالتعريض مرة، و بالتصريح أخرى،إلى حد لا يؤدى إلى الإيحاش. فإن علمت أنالنصح غير مؤثر فيه، و أنه مضطر من طبعهإلى الإصرار عليه فالسكوت عنه أولى. و هذاكله فيما يتعلق بمصالح أخيك في دينه أودنياه أما ما يتعلق بتقصيره في حقك،فالواجب فيه الاحتمال و العفو و الصفح، والتعامي عنه. و التعرض لذلك ليس من النصحفي شيء. نعم إن كان بحيث يؤدى استمرارهعليه إلى القطيعة، فالعتاب في السر خير منالقطيعة. و التعريض به خير من التصريح. والمكاتبة خير من المشافهة. و الاحتمال خيرمن الكل. إذ ينبغي أن يكون قصدك من أخيكإصلاح نفسك بمراعاتك إياه، و قيامك بحقه،و احتمالك تقصيره، لا الاستعانة به، والاسترفاق منه. قال أبو بكر الكتاني: صحبنيرجل و كان على قلبي ثقيلا، فوهبت له يوماشيئا على أن يزول ما في قلبي، فلم يزل.فأخذت بيده يوما إلى البيت، و قلت له ضعرجلك على خدي، فأبى فقلت لا بد، ففعل. فزالذلك من قلبي. و قال أبو علي الرباطي: صحبتعبد الله الرازي، و كان يدخل البادية،فقال علي أن تكون أنت الأمير أو أنا، فقلتبل أنت. فقال و عليك الطاعة؟ فقلت نعم فأخذمخلاة و وضع فيها الزاد، و حملها على ظهره،فإذا قلت له أعطني، قال أ لست قلت أنتالأمير؟ فعليك الطاعة. فأخذنا المطر ليلة،فوقف على رأسي إلى الصباح و عليه كساء، وأنا جالس يمنع عنى المطر. فكنت أقول معنفسي، ليتني مت و لم أقل أنت الأمير.
الحق الخامس العفو عن الزلات و الهفوات.
و هفوة الصديق لا تخلو إمّا أن تكون فيدينه بارتكاب معصية، أو في حقك بتقصيره فيالأخوة أما ما يكون في الدين من ارتكابمعصية.
و الإصرار عليها، فعليك التلطف في نصحهبما يقوم أوده، و يجمع شمله، و يعيد إلىالصلاح