و ذلك أن الناس أصابهم جدب و قحط و جوعشديد حتى جعلت الوحش تأوي إلى الإنس، وكانت الريح تسفي ترابا كالرماد، فسمي ذلكالعام عام الرمادة، و كان الرجل يذبحالشاة فيعافها من قبحها، و إنه لمعسر. فآلىعمر ألا يذوق سمنا و لا لبنا و لا لحما حتىيحيى الناس، و إن غلاما لعمر اشترى عكة منسمن و رطبا من لبن بأربعين، ثم أتى بهماعمر، فقال عمر رضي الله عنه: تصدق بهمافإنّي أكره أن آكل إسرافا، كيف يعنيني شأنالرعية إذا لم يمسسني ما مسهم.
و من الحوادث أن عمر رضي الله عنه استسقىللناس
[أخبرنا محمد بن الحسين، و إسماعيل بنأحمد، قالا: أخبرنا ابن النقور، أخبرناالمخلص، حدّثنا أحمد بن عبد الله، حدّثناالسري بن يحيى، حدّثنا سيف، عن سهل بنيوسف] (1)، عن عبد الرحمن بن كعب، قال (2):أقبل بلال بن الحارث المزني فاستأذن علىعمر رضي الله عنه، فقال: أنا رسول [رسول](3) الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إليك،يقول لك رسول الله صلّى الله عليه وآلهوسلّم: «لقد عهدتك كيسا، و ما زلت على رجل،فما شأنك؟ فقال: متى رأيت هذا؟ فقال:البارحة، فخرج فنادى في الناس:
الصلاة جامعة، فصلى بهم ركعتين، ثم قام،فقال: أيها الناس، أنشدكم باللَّه هلتعلمون مني أمرا غيره خير منه؟ قالوا:اللَّهمّ لا، قال: فإن بلال بن الحارث يزعمذيّة و ذيّة (4)، فقالوا: صدق بلال، فاستغثتالله تعالى و المسلمون، فقال عمر: اللهأكبر، بلغ البلاء مدته فانكشف، ما أذنالله لقوم في الطلب إلا و قد رفع عنهمالبلاء، فكتب إلى أمراء الأمصار: أنأغيثوا أهل المدينة و من حولها، و أخرجالناس إلى الاستسقاء، فخرج و خرج معهبالعباس ماشيا، فخطب فأوجز، ثم صلى، ثمجثا لركبتيه، و قال:
اللَّهمّ إياك نعبد و إياك نستعين،اللَّهمّ اغفر لنا و ارحمنا و ارض عنّا، ثمانصرف، فما بلغوا المنزل راجعين حتى خاضواالغدران.
(1) ما بين المعقوفتين: من أ، و في الأصل:«روى المؤلف بإسناده عن عبد الرحمن».
(2) الخبر في تاريخ الطبري 4/ 98.
(3) ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل و منالطبري.
(4) ذية و ذية: مثل قولهم كذا و كذا.