تحاول هذه الدّراسة أن تستكشف الجوانب الفنية والدلالية في الشعر العربي المعاصر وبالخصوص تلك التي لها علاقة بظاهرة توظيف التراث الشعبي. إذ لا يكاد ديوان يخلو من الإشارات الفلكلورية والرموز الأسطورية، والأجواء الشعبية المعروفة لدى العامة والخاصة، أو تضمين هياكل أسطورية وأشكال شعبية قديمة أو حديثة للتعبير عن مضامين جديدة وتجارب معاصرة. ومن ثمّ باتت هذه الظاهرة في حاجة إلى بحث يعمق دلالتها، ويستكشف أصولها ومرجعياتها الفكرية والحضارية، ويحدد قيمتها الفنية.تتوجّه هذه الدراسة ـ في ضوء ذلك ـ إلى محاولة إزاحة اللثام عن أسباب اهتمام الشعراء المعاصرين بالتراث الشعبي وطرائق توظيفه، وما اكتسبه النص الشعري من خلال استعانته بأشكال التعبير الشعبي. كما تتوجه في الوقت ذاته إلى اقتراح بعض الأساليب الفنية في استخدام هذا التراث التي من شأنها توضيح الرؤى والمعالم، وبالتالي تجنيب الكتابة الشعرية الوقوع في الحشد والتكرار وغيرهما من المزالق الفنية، كالغموض الناجم عن العجز في تمثّل هذا التراث، أو طغيان أحد الملمحين (التراثي أو المعاصر) على الآخر، أو التأويل الخاطئ لبعض الشخصيات والأحداث، أو التقليد الناتج من التشابه المفرط في طرائق الاستخدام والتوظيف.لم يكن لهذه الدراسة أن تنطلق من نتائج ومسلمات سبق التوصل إليها، وإنما كان عليها أن تحوّل هذه النتائج والمسلمات إلى فرضيات وأن تشق طريقها بهاجسها وطموحها، مستضيئةً بنور شموع أوقدتها.