2ـ مرحلة التمرد على القيود - اثر التراث الشعبی فی تشکیل القصیدة العربیة المعاصرة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

اثر التراث الشعبی فی تشکیل القصیدة العربیة المعاصرة - نسخه متنی

کاملی بلحاج

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

2ـ مرحلة التمرد على القيود

كانت الكلاسيكية في بدء نشأتها حركة شعرية سليمة قامت على إحياء التراث القديم واحتذاء أشكاله ونماذجه، وقد نجحت في إنتاج آثار شعرية ونثرية عظيمة، إلا أن خطر تقوقعها ضمن القوالب الجاهزة والقواعد الصارمة كان يهدد روادها بالسقوط في التقليد والاتباع، فكانت النتيجة أن تردى الشعر في هاوية الشكلية والاجترار، وبرزت الحاجة إلى ثورة فنية تقوض أركان الكلاسيكية وتفتح أفق إبداع جديد.

وقد ظهرت هذه الثورة أول ما ظهرت بأشكال مختلفة في أوربا، وكان جون جاك روسو (1712ـ 1778) ـ الداعية الأكبر إليها، بفلسفته الرامية إلى أن الإنسان مخلوق ذو غرائز خيرة وميول بسيطة، لكن الحضارة أفسدته وحرمته من السعادة وبخاصة حياة المدينة. وقد اتبعته سلسلة من الآراء المماثلة التي كانت تقف على النقيض التام مع الكلاسيكية وتمجد الإنسان الفرد المتحرر من القيود الأخلاقية والاجتماعية، المعتد بخصوصيته و تفرده واختلافه عن الآخرين.

وما أن حلّ القرن التاسع عشر حتى تشكلت مجموعة من الظواهر الأدبية كردّ فعل مباشر على الكلاسكية تمثلت في:

1ـ الدعوة إلى التحرر من الأشكال القديمة والأساليب الجاهزة.

2ـ تقديم الخيال على العقل، والهروب من الواقع، والالتجاء إلى الحلم، وطلب الانعتاق، والرحيل عبر الزمان بالارتداد إلى القرون الغابرة.

3ـ العودة إلى الأساطير والتمسك بالدين والمعتقدات الشعبية، والميل إلى الغوامض والخوارق، ورؤية الطبيعة ملاذاً ورفيقاً.

كان الهدف من وراء هذه الثورة الأدبية تجاوز الأشكال الجاهزة والعزوف عن اللغة المتحجرة، والدعوة إلى الاهتمام بالآداب الشعبية والحياة البدائية، وكل ما من شأنه إثارة الإحساس بالجمال الطبيعي والعفوية والبساطة. لقد ((صاغت الرومنطيقية... مفهوم الفلكلور والفن الشعبي الذي يشكل عنصراً من أهم عناصرها.. ففي بحثها عن الوحدة الضائعة وعن تأليف الشخصية والجماعة، وفي احتجاجها ضد الاستلاب الرأسمالي، اكتشفت الرومنطيقية الأغاني الشعبية، والفن الشعبي، والفولكلور، ونادت بها بلا مواربة، إنجيلاً (للشعب) باعتبارها وحدة متجانسة ومتطورة عضوياً)).

هكذا قدمت الرومانسية الفن الشعبي بوصفه مقابلاً لجميع أشكال الفن الأخرى، وبوصفه أيضاً ظاهرة تستحق الاهتمام والتشجيع، بل أصبحت وظيفة الأسطورة ومفهومها مثل مفهوم الشعر، لا تتنافس والحقيقة العلمية أو التاريخية، بل إحدى روافدها الأساسية.

وقد استطاعت الفنون الشعبية بعامة والأسطورة بصفة خاصة أن تأخذ مكانتها الهامة من خلال النقد الأسطوري الذي أرسى دعائمه نورثروب فراي، كما كان لنظرية إرنست كاسيرر (1874ـ 1954) في الترميز التي عرضها في كتابه (فلسفة الصور الرمزية) أثر كبير في تعزيز موقع الأسطورة في الأدب والنقد. فقد رأى نورثروب فراي ((أن استلهام الأسطورة وتحويلها إلى إطار فكري يضم الأدب، يحوّل النقد الأدبي إلى دراسة منهجية، فيكتشف الناقد الدلالة الكبرى التي يحملها تكرار صيغ معينة في آداب الشعوب المختلفة عبر الزمن، وهي أن هذه الصيغ رموز تهجع في اللاوعي الإنساني تعبر عن ذاتها في الحلم على مستوى الفرد، والأسطورة على مستوى الجماعة، وتسمى النماذج الأصلية)). ومن ثم فإن اكتشاف هذه النماذج سيساعد الناقد الأدبي على أن ينظر إلى الأدب في امتداده المكاني والزماني بوصفه كياناً حيّاً يمكن أن يدرس دراسة دقيقة.

إن أهمية تشريح النقد عند فراي لا تنحصر في دعوته إلى تحويل النقد الأدبي إلى دراسة منهجية وعلمية فحسب، ولكن في استلهام النماذج الأصلية من حيث هي أسس وقواعد يرتكز عليها النقد الأدبي في تحليل النصوص وإرجاعها إلى أصولها الأسطورية، ذلك أن الأدب من وجهة نظره هو أسطورة قد أزيحت من مكانها، وأفضل طريقة لفهمه هو العودة به إلى نصه الأسطوري الصحيح، وهنا يتخطى الأدب الحدود المحلية والآنية ويغدو تعبيراً رمزياً عن حقائق إنسانية شاملة.

ولئن كانت الرومانسية قد حررت الشعر من قيود الكلاسيكية وضوابطها الصارمة وأكسبته قدرة على خلق أشكال فنية جديدة مستقاة من الثقافات الشعبية، فإن الفضل يعود إلى العلماء الذين أسسوا لعلم النفس والأناسة والفلكلور وغيرها من العلوم المهتمة بالثقافات القديمة كالأنثروبولوجية، التي فتحت المجال واسعاً أمام الشعراء والمبدعين على هذه الناحية الغنية بالأشكال والمعارف والخبرات.

/ 62