ج ـ أسطورة بروميثيوس (الثورة والتمرد) - اثر التراث الشعبی فی تشکیل القصیدة العربیة المعاصرة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

اثر التراث الشعبی فی تشکیل القصیدة العربیة المعاصرة - نسخه متنی

کاملی بلحاج

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

ج ـ أسطورة بروميثيوس (الثورة والتمرد)

تعد أسطورة برميثيوس من الأساطير التي استهوت الشاعر العربي المعاصر في بحثه عن نموذج قوي يستطيع أن يجسد من خلاله رغبته في الانتصار والتحرر من القيود والحواجز، والتطلع إلى المعرفة بهدف تخليص الإنسان من التبعية الإلهية وجعله سيداً حراً يصنع حياته ويقرر مصيره بنفسه.

وقد صارت أسطورة برميثيوس، منذ قديم الزمان، معيناً لا ينضب اغترف منها الشعراء والفنانون فتحدث عنه هيزيودوس في قصيدته (الأعمال والأيام) على أنه الرحيم الذي يرى الناس ويعطف عليهم، ورأى فيه أفلاطون في (فيتاغورس) أباً لكل الأجناس البشرية. كما أشار إليه الشاعر اليوناني أسخيلوس وجعله بطلاً لمسرحيته (برميثيوس في القيد) و(برميثيوس الطليق) حيث نجد هذا الأخير يفخر بما فعله من خير في سبيل إسعاد البشر، وحملهم على كسر القيود بواسطة المعرفة وحمل مشعل النار رمز الحركة والحياة.

ولعل من أشهر الأدباء الذين وظفوا هذا الشخصية في أعمالهم الأدبية في العصر الحديث "جوته" في مسرحيته (بروميثيوس) 1873، والشاعر الرومانتيكي الإنجليزي "شيلي" في مسرحيته المترجمة إلى العربية تحت عنوان (بروميثيوس الطليق) التي وظف فيها بروميثيوس رمزاً لمن يضحي في سبيل مستقبل الإنسانية وفجرها الجديد. وقد كان "شيلي" يحلم بهذا الفجر الذي يحمل لواءه الحكماء والشعراء والمضحون في سبيل الإنسانية، لأن كل واحد من هؤلاء إنما هو بروميثيوس جديد.

وقبل الحديث عن هذه الأسطورة في الشعر العربي المعاصر وما ترمز إليه من دلالات وأبعاد أغنت النص وأضفت عليه طابعاً إنسانياً وشمولياً عاماً، نشير إلى أن هذه الأسطورة تشبه في أكثر من نقطة القصة الشعبية التي نسجت حول صلب المسيح عليه السلام، فكلاهما قدم نفسه فداء لتخليص البشرية من العناء والقهر، وكلاهما حاول أن يجسد حكائياً فكرة الاستشهاد من أجل الآخرين، فأصبحا رمزين من رموز الفداء والتضحية، وبهذه الرمزية أو الدلالة يوظفان في أغلب القصائد الشعرية، حتى وإن لم يذكر اسميهما، لأن ما يهم الشاعر هو سريان هذه الروح ـ روح التضحية والاستشهاد أو الروح البروميثيوسية إن صح هذا التعبير ـ في القصيدة ولا يهم سواء ذكر بروميثيوس أو غيره يقول محمد جميل شلش:

سارق النار، رفيقي في المصير،

لم يزل يحلم بالفجر الكبير،

كبداً، أقوى من الآلام..

والأحزان..

والصمت المرير

كبداً منصدعة،

ينهش النسر بقاياها..

وتترو..

..........

سارقاً ما زال فينا،

يحمل المشعل في الأعماق ديناً،

ويغني لعبير الشمس..

في أعماق ليل "العاشرة"*

يا عدو الفجر، إن الفجر آت،

وعلى البلاغي تدور الدائرة.

يستلهم محمد شلش في هذا المقطع عذاب بروميثيوس ليعبر من خلاله عن عذابه وآلامه وهو داخل الزنزانة يستصرخ ويحلم بفجر جديد. إن توحد الشاعر بسارق النار ـ كما فضل هو التعبير عنه ـ أكسب عذابه غنى ومدلولاً، وأضفى عليه بعداً إنسانياً وأسطورياً، وجعل وقعه في الملتقى حياً متدفقاً. فالشاعر المتّحد ببروميثيوس يرفض الاستسلام ويأبى الخضوع والانسياق ويحلم بالانتصار على الرغم من العذاب الشديد، ما دام هناك بقايا حياة في كبده:

يا عدو الفجر... يا نسل النسور الفاجرة،

لم تزل بقايا حياة

في دمي، في فلذة من كبدي المنصدعة،

لم يزل يخفق قلبي للفصول الأربعة،

لم أزل أؤمن بالإنسان

في وهران

إن المعنى الأولي الذي يوحي به هذا المقطع، بالإضافة إلى روح التضحية والاستشهاد، هو هذا العنصر الجديد المتمثل في القدرة على الانبعاث والتعاقب (لم يزل يخفق قلبي للفصول الأربعة)، وفي توحد الذات المبدعة (الشاعر) بالزمان، إشارة إلى عمق المعاناة والرغبة في التمسك بخيط اللحظة الأبدية، وهو إلى جانب هذا المعنى يكشف إصرار الشاعر وإيمانه بطريق الاستشهاد والتضحية الذي لا يمكن أن يؤدي إلى مسلك آخر غير مسلك الخلود والبقاء.

غير أن الإنسان المعاصر كما يرى عبد الوهاب البياتي قد خان بطولة بروميثيوس لأنه يسعى إلى الطعام أكثر من سعيه إلى الحرية التي منحه إياها هذا البطل. ولو أن بروميثيوس عاد إلى الأرض كما يقول ألبير كاموا (1960-1913) لوقف الناس منه الآن مثلما وقف الأرباب منه بالأمس، سيربطونه إلى الصخرة باسم الإنسانية، مع أنه أقدم رمز لها وقد تجلت هذه الصورة واضحة عند البياتي حيث ظهر بروميثيوس وقد بلغ حداً من اليأس والبكاء والضعف:

داروا مع الشمس فانهارت عزائهم

وعاد أوّلهم ينعي على الثاني

وسارق النار لم يبرح كعادته

يسابق الريح من حان إلى حان

ولم تزل لعنة الآباء تتبعه

وتحجب الأرض عن مصباحه القاني

ولم تزل في السجون السود رائحة

وفي الملاجئ من تاريخه العاني

مشاعل كلما الطاغوت أطفأها،

عادت تضيء على أشلاء إنسان

عصر البطلات وقد ولّى، وها أنذا

أعوذ من عالم الموتى بخذلان

وحدي احترقت! أنا وحدي! وكم عبرت

بي الشموس ولم تحفل بأحزاني

إني غفرت لهم

إني رثيت لهم!

إني تركت لهم

يا ربّ أكفاني!

/ 62