3ـ الإرهاصات الأولى لتوظيف التراث الشعبي - اثر التراث الشعبی فی تشکیل القصیدة العربیة المعاصرة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

اثر التراث الشعبی فی تشکیل القصیدة العربیة المعاصرة - نسخه متنی

کاملی بلحاج

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

3ـ الإرهاصات الأولى لتوظيف التراث الشعبي

قبل الحديث عن عوامل توظيف التراث الشعبي في الشعر العربي الحديث، نرى أنه لا بد من الإشارة إلى حقيقة جوهرية، وهي أن الشعر المعاصر لم يشكل السابقة الشعرية الأولى في توظيفه لهذا التراث، فقد كان هناك رعيل أول سبقه في هذا الميدان، مهد الطريق وذلل الصعوبات، فشكّل بحضوره أثراً في تجربة الشعراء اللاحقين. وكانت أسبقية الشعر المعاصر في كيفية تناول هذا التراث وآليات توظيفه واختيار رموزه التي تضفي على التجربة الشعرية بعدها الفني والإنساني.

ومن ثمّ لا مفرّ من الوقوف عند إرهاصات هذا التوظيف وبخاصة عند أولئك الذين كان الشاعر المعاصر يقرأ لهم ويتأثر بهم أمثال شوقي، المازني، العقاد، إلياس أبو شبكة، أحمد زكي أبو شادي، علي محمود طه، جبران خليل جبران، وآخرين.

على أن اختيار هؤلاء للحديث عنهم لم يكن اعتباطاً وإنما لتأثيرهم في حركة الشعر المعاصر وتأثرهم بألوان من التراث الشعبي بالإضافة إلى وضوح الرؤيا الأسطورية في أشعارهم، وانتسابهم إلى حركات شعرية كانت تنادي بالتغيير والتجديد والانفتاح على الثقافات والفنون الشعبية المختلفة. وحتى لا نقع في تكرار بعض ما ذكرناه سلفاً، سنشير إلى أبرز عوامل توظيف التراث الشعبي في الشعر المعاصر، محاولين تقييم تلك التجارب أو الإرهاصات من خلال منظار موضوعي فني، آخذين بعين الاعتبار كل محاولة على انفراد.

أ- تأثير حركة النقل والترجمة:

كانت حركتا النقل والترجمة عند العرب منذ القديم بوابة الانفتاح وعلى الفكر الإنساني وتصوراته، من خلالها تمّ التعرّف على حضارات الشعوب وعاداتها وآدابها وطرائق تفكيرها. وقد ازداد الاهتمام بهما في بداية النهضة الحديثة لما رآه العرب من تقدم وازدهار عند الغرب في شتى العلوم والفنون، فانعكف بعض الكتّاب والشعراء ممن ذكرنا سابقاً ـ في ظل حركة الاتصال والبعثات العلمية التي عرفتها مصر ولبنان ـ على الترجمة ينهلون من معين الآداب الغربية وفنونها.

وسرعان ما تجلت آثار هذه الحركة في أدب جيل ما بعد الحرب العالمية الأولى. فقد ((انتقل هذا الجيل بالترجمة نقلة دانت حد الكمال بما أوتي من قدرة لغوية وأدبية)) كبيرة، ويأتي على رأسهم طه حسين بدعوته إلى ضرورة انفتاح الثقافة العربية الحديثة على الثقافة اليونانية العريقة التي تعدّ من الأسس الهامة للثقافة المعاصرة في العالم كله. ففي كتابيه (من الأدب التمثيلي اليوناني) عن مآسي سوفوكليس و(أوديب وثيسيوس من أبطال الأساطير اليونانية) الذي ترجمه عن أندره جيد، دعوة صريحة للرجوع إلى الأدب اليوناني القديم ممثلاً في روائع المسرح التراجيدي المليء بالأساطير والأجواء الساحرة. يقول طه حسين في هذا الصدد ((ولست أدري أمخطئ أنا أم مصيب، ولكني أعتقد أن هاتين القصتين: قصة سوفوكل وقصة أندره جيد هما وحدهما اللتان تشهدان بأن محنة أوديب خليقة حقاً بأن تكون موضوعاً للتفكير الذي يغذو العقل، والفن الذي يغذو القلب، وبأن تكون من أجل ذلك صالحة لتفكير الفلاسفة وابتكار الأدباء على مر العصور واختلاف الأجيال)).

ويمكننا أن ندرج ضمن هذا العامل أيضاً ما قام به البستاني في أوائل هذا القرن (1904) بترجمته لإلياذة هوميروس في صورة شعرية رائعة وذلك بعد أن تجشّم الكثير من العناء في سبيل نقلها عن اليونانية، وتطويع الشعر العربي للمواقف والأحداث. وقد قدم لها ببحث أسباب انحراف العرب عن ترجمة الشعر اليوناني وتذوقه جاعلاً خرافات الآلهة وأساطيرها أحد هذه الأسباب. فكان لهذه الترجمة أثر عظيم في نفوس الشعراء والأدباء بحيث تلقوها بحفاوة كبيرة ونوهوا بفضل مترجمها، بل أن جمال الدين الأفغاني تمنى لو أن الأدباء الذين جمعهم المأمون بادروا إلى نقل الإلياذة، حتى وإن أدى ذلك بهم إلى إهمال نقل الفلسفة اليونانية برمتها، لأن الفائدة التي كان سيجنيها منها أكبر بكثير من الفائدة التي جناها من الفلسفة المنقولة عن اليونانية.

ولا بد أن ننوّه في هذا السياق أيضاً بالجهد الذي قام به دريني خشبة بترجماته العديدة حين أراد أن يقدم الأدب اليوناني إلى القراءة في أحسن ثوب وأجمل صورة، فترجم الإلياذة ثم الأوديسة، وكتب عن أساطير الحب والجمال عند الإغريق: ((كان يحزنني ألا يعرفها قراءة العربية، على طول ما سمعوا بها، وعلى كثرة ما داعبت خيالهم وغازلت أحلامهم فأنا أقدمها إليهم اليوم، بالطريقة التي آثرت أن أروي بها هذه الأساطير)). وهذا يعني أن دريني خشبة قد تصرّف في الأصل واتبع طريقة جورج تشابمان وهي إعادة كتابة ملحمة هوميروس بالأسلوب والبناء اللذين يعتقد أنهما أصلح لعصره وأكثر ملاءمة للغته. غير أن هذه الطريقة ـ في رأينا ـ جعلت الملحمتين بعيدتين بعض الشيء عن أصلهما الفني الذي أراده لهما هوميروس.

لقد كانت هذه الترجمات وغيرها مما سوف نذكره لاحقاً، إحدى روافد الشعر العربي المعاصر وعاملاً من عوامل انفتاحه على الثقافات العالمية وفي مقدمتها الثقافة اليونانية بتراثها وأساطيرها المتنوعة. ومن هذه الترجمات نذكر جهود أحمد شوقي والمازني والعقاد:

ـ أحمد شوقي: كانت الترجمة والمحاكاة عاملين فاعلين في اهتمام شوقي بالتراث الشعبي وتوظيفه، فقد أعجب بخرافات لافونتين وأسلوبه وهذا ما جعله يقول: ((جربت خاطري في نظم الحكايات على أسلوب لافونتين الشهير، فكنت إذا فرغت من وضع أسطورتين أو ثلاث اجتمع بأحداث المصريين، وأقرأ عليهم شيئاً منها فيفهمونه لأول وهلة، ويأنسون إليه ويضحكون من أكثره، وأنا أستبشر لذلك، وأتمنى لو وفقني الله لأجعل لأطفال المصريين مثلما جعل الشعراء للأطفال في البلاد المتمدنة، منظومات قريبة المتناول، يأخذون الحكمة والأدب من خلالها على قدر عقولهم)).

ويناشد شوقي أدباء عصره أن يسهموا في هذه المهمة، ويخص بالذكر منهم الشاعر خليل مطران فيقول: ((وهنا لا يسعني إلا الثناء على صديقي خليل مطران، صاحب المنن على الأدب والمؤلف بين أسلوب الإفرنج في نظم الشعر وبين منهج العرب. والمأمول أن نتعاون على إيجاد شعر للأطفال، وأن يساعدنا سائر الأدباء والشعراء على إدراك هذه الأمنية)).

يتضح من هذا الكلام أن الهدف الرئيس وراء اهتمام شوقي بالتراث الشعبي، وبالخصوص قصص الحيوان منه، إنما هو الرغبة في إيجاد أدب للأطفال، وتتأكد هذه الرغبة إذا علمنا بأن تاريخ حياة هذا الشاعر وجزءاً كبيراً من شعره يؤكدان حبه للأطفال بعامة وأبنائه بخاصة، وحرصه على تثقيفهم لا فيما يقدمه من خرافات وأساطير فحسب، وإنما في قصائد ومقطوعات من شعره.

يبدو أن هذه الرغبة كانت صادقة إلى حد بعيد، بل لعلها أكثر صدقاً مما كتبه لافونتين نفسه، إذ يرى بعض الدارسين أن لافونتين في حياته الخاصة كان بعيداً عن حبه للأطفال والعناية بهم.

إن اهتمام شوقي بهذا النوع من التراث يذكرنا بما قام به الأخوان جريم حينما أرادا أن يقدما كتاباً حقيقياً للبيت الألماني وأطفاله، بإصدار أول جزء منه تحت عنوان ((حكايات الأطفال والبيوت)) سنة (1812). غير أن شوقي يختلف عنهما في كونه لم يهتم بلغة التراث الشعبي أي العامية لظروف معينة وأسباب دينية واجتماعية، واكتفى بتوظيف التراث بوصفه قيماً حضارية وتاريخية ينبغي أن تعيش، وقد ازداد اهتمامه به بعد أن جرب بنفسه تأثيره على النفوس كما أشرنا سابقاً.

اهتم شوقي إلى جانب هذا، بتاريخ مصر الشعبي فنظم فرعونياته المشهورة في أبي الهول والنيل وتوت عنخ آمون، كما أنه ربط شعره بينابيع التراث العربي ورموزه، فاستقى منه مسرحيات وقصائد عديدة مثل (مجنون ليلى) التي تحدث في الفصل الرابع منها عن رواسب المعتقدات الجاهلية حول الجن وصلتها بالإنس، وقيامها بالإلهام للشعراء، وما يشيع عنها في التراث الشعبي من بنائها للمعابد والمدن الكبيرة، كبنائها لهيكل سليمان، ومدينة تدمر...

إن الدارس لشعر شوقي يلاحظ بيسر أنه قد استفاد كثيراً من التراث الشعبي العربي والعالمي، كما استفاد من لافونتين وابن المقفع فجاء توظيفه لهذا التراث ((على طريقة من الاستطراد وعدم الدقة الفنية في استخدام الحيوانات كأقنعة للأفكار وكرموز للحياة الإنسانية.. حيث ينسى الحاكي أنه يتقمص شخصية حيوان، فيتحدث عن الإنسان مباشرة، وبذلك يخرج عن حدوده الحيوانية المفروضة فنياً، إلى الحدود الإنسانية التي كان من المفروض أن يومئ إليها دون أن يصرح)).

وإذا كان أنس داود لا يرى فضلاً لأحمد شوقي كونه اكتفى بصياغة بعض الحكايات وترتيبها في مقطوعات شعرية غنائية بالإضافة إلى انعدام الرؤية المعاصرة التي تعمد إلى تفجير التراث واستغلال طاقاته الحية، لإنارة بعض جوانب حياتنا، فإننا نعتقد أن ما فعله شوقي كان يمثل مرحلة أولى لا بد منها وخطوة حاسمة في مجال تطويع الشعر العربي للموضوعات الشعبية والأحداث الدرامية والمسرحية، ومن ثمّ فإن لـه فضل المبتدئ الذي مهد الطريق وأنار السبيل وألفت الانتباه إلى هذا التراث.

ـ المازني والعقاد: قام كل من المازني والعقاد إلى جانب طه حسين وشوقي بترجمة بعض القصائد الشعرية بشيء من التصرف والتعديل الذي تقتضيه الظروف والأحوال الاجتماعية. فقد ترجم المازني قصيدة (الراعي المعبود) إلا أنه لم يهتم بأصلها الميثولوجي الذي يبدو أنه لم يكن يعرف عنه شيئاً، فهو لا يشير مثلاً إلى أن هذا الراعي هو أورفيوس وأن قصته الشجية ترمز إلى المحبة والجمال وسحر الصوت، لأنه لم يذكر شيئاً من ذلك واكتفى بالإشارة إلى قوة عزف هذا الراعي وحسن غنائه. ولعل أهم شيء يمكن استنتاجه بعد قراءة هذه القصيدة هو إعجاب الشاعر بها وعدم إفادته من عناصر هذه الأسطورة وأبعادها الإيحائية والدلالية. وكما أسلفنا القول فإن عملية النقل والترجمة كانتا عاملين أساسيين في إقحام التراث الشعبي في النصوص الشعرية العربية الحديثة.

ومن القصائد التي تؤكد هذا الاتجاه أيضاً قصيدة العقاد (فينوس على جثة أدونيس) التي ترجمها عن شكسبير. غير أن العقاد أحس بأهمية تعريف هذه الأسطورة للمتلقي، فأشار في الهامش إلى قصة حب فينوس لأدونيس، وكيف أنه كان ولوعاً بالصيد لدرجة أنه أبى نصيحة عشيقته بالإقلال منه، وبقي على حاله حتى قتله خنزير بري، فوقفت على جثته تبكي وتذرف دموع الحزن والأسى.

يبدو أن العقاد بفعل ثقافته الواسعة واطلاعه على الآداب الغربية، كان على وعي بما يقدمه التراث الشعبي للشعر من أجواء خيالية رحبة ورموز متجددة، فما لبث أن استخدمه في شعره، فكانت النتيجة أن تراوح استخدامه لـه بين الإشارة العابرة، والتشبيه، ونظم القصة الشعبية.

لم يكن العقاد منفرداً في طريقة هذا الاستخدام، بل كان ظاهرة عامة عند معظم شعراء العصر الحديث الذين لم يتمكنوا من توظيف التراث توظيفاً فنياً يسمح لهم بطرح البديل في عالم التجربة الشعرية الحديثة. ولا نعتقد أن السبب في ذلك يعود إلى أن هؤلاء الشعراء لم يكونوا من أصحاب الخيال المجنح أو الخلاق والعاطفة العميقة المتغلغلة في مظاهر الوجود كما يرى ذلك أنس داود، بقدر ما يعود إلى أسباب فنية، وتقاليد شعرية راسخة، كانت تحول بينهم وبين التجديد الكامل والتغيير الشامل.

إن ما قام به الرعيل الأول من شعراء حركة التجديد يعد خطوة هامة في تاريخ الشعر العربي الحديث بالنظر إلى تلك الصراعات الفكرية والحضارية التي شهدها العصر، والتي ما كان لأحد أن يتمرد عليها أو يخرج عن دائرتها، بحيث كان النظر إلى ((كل محاولة لإدخال فن من الفنون الشعبية في مجال الاحتراف محاولة مشبوهة ومتحمسة، لا تستند على أساس من الدراسة الصحيحة والثقافة الجادة والنظر الموضوعية)).

ب- التأثير الرومانسي والرمزي:

كان من أهداف الرومانسية، كما سبقت الإشارة، تحرير الأدب من القيود وكسر الحواجز التي وقفت دون تطوره وفي مقدمتها تلك الأشكال والقوالب الفنية الجاهزة التي ورثها الشعراء عن أسلافهم، والتي أصبحت لا تعبر عن مضامين التجربة الشعرية الحديثة بحرارة وصدق.

أما الحاجز الثاني فيتمثل في اللغة إذ يرى أقطاب المذهب الرمزي أن اللغة العادية عاجزة عن احتواء التجربة الشعرية، وإخراج ما في اللاشعور، وتوليد الأفكار في ذهن المتلقي. لكن الرمز يمنحها القدرة على نقل هذه التجربة، واجتياز عالم النفس الخفية، لأن الرمز يتضمن قدرة فنية عالية تساعد على التكثيف والإيحاء والتخيل. وبما أن موطن الرمز الأصلي، هو الأسطورة والشعر بوصفهما أرقى صور التعبير الرمزي المنحدرة عن التفكير السحري والمجازي، فإن العودة إليه أصبحت أمراً ضرورياً لتجاوز مرحلة التقليد.

حاول بعض الشعراء العرب من هاتين المدرستين (الرومانسية والرمزية) أن يتخذوا من الأساطير مادة للتلميح والإيحاء، وإغناء العمل الأدبي بطاقات رمزية جديدة، كاستخدام جبران خليل جبران لأسطورة أدونيس وعشتروت في لقاء دمعة وابتسامة (1914)، واستخدام زكي أبو شادي لأسطورة أورفيوس ويورديس، وعلي محمود طه في (أرواح وأشباح) التي عمد فيها إلى استخدام بعض الأساطير الإغريقية كأسطورة (هرميس) و(تاييس) و(سافو) و(أورفيوس)، وسعيد عقل في مسرحيتيه الشعريتين (بنت يفتاح 1935) مستمداً موضوعها من التوراة، و(قدموس 1944) التي تروي قصة حب بين زوس وأوروب ابنة ملك صور.

ومن هؤلاء أيضاً نجد إلياس أبو شبكة (1904ـ 1947) الذي حاول من خلال لمحاته الأسطورية المستوحاة من الكتاب المقدس (العهد القديم) بثّ بعض آرائه وأفكاره كتلك التي تحدث فيها عن شرور جمال المرأة وما يجره من ويلات للرجال من خلال قصيدته (شمشون) مستخدماً أسطورة دليلة للتعبير عن فجور المرأة وخداعها للرجل من خلال إثارة شهوته. وقد حاول إلياس أبو شبكة بطريقة ذكية أن يجمع في هذه القصيدة بين أسطورتين متقاربتين في الدلالة، فربط بين خيانة دليلة لشمشون وخيانة ديانيرة لهرقل، فقال:




  • ملقيه بحسنك المأجور
    إن في الحسن، يا دليلة، أفعى
    أسكرت خدعة الجمال هرقلا
    والبصير البصير يخدع بالحسن
    وينقاد كالضرير الضرير



  • وادفعيه للانتقام الكبير
    كم سمعنا فحيحها في سرير
    قبل شمشون بالهوى الشرير
    وينقاد كالضرير الضرير
    وينقاد كالضرير الضرير



يرى أنس داود أن إلياس أبا شبكة قد حرص على صياغة الأسطورة كما وردت في الأصل دون تحليلها أو اكتشاف أسرار الحياة الإنسانية الخالدة من خلالها، أو إضافة عناصر فنية أخرى إليها، مما جعلها خطابية الطابع كالأحكام المجردة التي لا يستخلص منها القارئ أي بعد من أبعادها الإنسانية.

إلا أن أبا شبكة لم يكن ـ في نظرنا ـ بصدد تحليل أسطورة شمشون ودليلة بقدر ما كان يهدف إلى نقل موقف معين وتجربة معينة. فالأسطورة ليست غاية وإنما وسيلة فنية لجأ إليها الشاعر ليؤكد موقفاً معيناً، علماً أن هذه الوسيلة ـ كما يرى ذلك خليل حاوي ـ كانت تفتقر في بعض أجزائها للتوهج الشعري، كما كانت عادة تنتهي إلى عبرة أخلاقية خارجة عن طبيعة الشعر. لكن على الرغم من كل هذا فقد استطاع هذا الشاعر أن يتقدم خطوة إلى الأمام في استخدامه للتراث الشعبي مقارنة مع شعراء عصره، لأنه حاول أن يوحد بين الأسطورة والتجربة في لحمة شعرية واحدة، وإن كان ينقصه التوهج الشعري في بعض الأحيان كما أشار إلى ذلك خليل حاوي.

/ 62