وجد علي محمود طه في التراث الشعبي الإغريقي وقصص التوراة مادة خصبة ومجالاً رحباً لبسط أفكاره وتأملاته الشعرية، فكتب قصيدته الطويلة (أرواح وأشباح) مستمداً شخصياتها من الأساطير الإغريقية والإفريقية والعربية، كشخصية (هرميس) و(ثاييس) و(سافو) و(أورفيوس)، و(ماتا) و(السامري) صانع العجل الذهبي الذي فتن به بنو إسرائيل وعبدوه حين توجه موسى إلى ربه. غير أن بعض هذه الشخصيات كانت مجردة من ماضيها التاريخي والأسطوري، فهي تترك بتأثير من الشاعر وميوله، لذا بدت جاهزة، مخالفة في كثير من سماتها وحقائقها لنسجها الأسطوري القديم على حد تعبير شوقي ضيف.ومهما قيل عن هؤلاء الشعراء فإن الشيء الثابت لديهم أنهم أخذوا الأساطير بوصفها ميراثاً ثقافياً عن الأولين، فاستعملوها استعمالاً قصصياً حيناً، وأشاروا إليها حيناً آخر دون مراعاة شروط التوظيف وآلياته، بل دون مراعاة المحتوى الوجداني أحياناً الكامن في هذه الأساطير.إن التراث الشعبي بوصفه معطى حضارياً وشكلاً فنياً في بناء العملية الشعرية، لم يعرفه الشاعر العربي إلا بعد الخمسينيات من هذا القرن بظهور جيل جديد احتك بالثقافة الغربية وتأثر بها تأثراً قوياً وعميقاً.