ادباء مکرمون نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
ويمكننا أن نلمح نواحي الجدة والأصالة في هذا العمل، في أبعاد التناول، سواء أكان ذلك من ناحية الأسلوب وطريقة التعبير، أم من جهة المحتوى والموضوعات التي تناولها، أم من ناحية الخيال والصورة الفنية، فهو ذو جاذبية خاصة في تناوله، والحق أن هذه الملحمة هي امتداد للبحث في مسألة الحياة والموت، فقد تغلغلت هذه الرؤية في الآداب القديمة وأظهرتها ملاحم معروفة كملحمة "جلجامش" (1) البابلية التي تعدّ أول الآثار الأدبية في العالم (2)، ونجدها في المآثر اليونانية القديمة، وكذلك فقد احتوت الآداب العربية والأخبار التي تعالج هذه الفكرة في البقاء والخلود (3).
ولكن هذا المفهوم الملحمي، لم يتأصل في الأدب العربي، كما في ملاحم اليونان والرومان، وآداب أوربا في القديم والحديث، كالكوميديا المقدسة لدانتي، والفردوس المفقود لجون ملتون، وملحمة أورلاندو التي تصور معارك المسيحية والوثنية إبّان انتشار المسيحية في أوربا، فضلاً عن الشاهنامة التي صوّرت عبقرية الفردوسي (4).
وإذا أخذنا بهذه الرؤية للفهم الملحمي، فمن الطبيعي أن لا يستقيم البحث الذي نحن بصدده، إذ ليس لملحمة القيامة هذا المضمون التصوري في الأحداث والوقائع، فضلاً عن مخالفتها لأصول الخرافة والأساطير، فهل نحن -إذن -نضرب بالماء ونجترئ بأنّ هذه الملحمة يستغرقها مفهوم الملاحم وتتضمنها حقائق فنية وموضوعية تؤهلها لأن تأخذ مكانها في العمل الملحمي؟.
فإذا ما وجدنا في ملحمة القيامة المسرحية ما يفيد بالحرية في التصرّف في البناء الفني الملحمي، وجب علينا أن نفهم الظروف التي أحاطت بهذا العمل ومدلولـه الحقّ، فالشاعر لم يوسع على نفسه في الملحمة، بحيث يمنحها حق الاختراع، لأنه يتصل بعمل عقدي يقوم على قواعد واضحة من الدين القويم، فلم يبح ولم يتّسع، وإنما التزم بوجوب القواعد الأساسية في هذا المجال، وليس معنى ذلك إهمال الاتجاهات والالتفاتات الملحمية جميعاً، بل لقد استعار الشاعر، أو تابع أنحاء من الفن الملحمي في مذهبه وطرق إجادته.