ادباء مکرمون نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
فلم يُعَرِّ شعره من القوافي بتاتاً ولكنه إن سلك ذلك، فلطبيعة الموضوع وروح المحاورة، (إذ لا تزال للقافية سيطرة هامة، بل إن بعض الشعراء يركبون من أجلها، في بعض الأحيان، نهايات قلقة في سطور قصائدهم) (1).
فلهذين الاعتبارين -طبيعة الموضوع، وروح المحاورة -، أخذت الملحمة بالوزن الشعري القائم على التفعيلات المعروفة، من غير أن تلتزم بالتقفية، لأن التقفية في البيت الشعري أو في الشطرة منه قائمة بنفسها، لا يراعى فيها التماثل في الأغلب. وليس معنى هذه، أننا نفتقر إلى التقفية فيها، بل على العكس، فإن القافية تتلاحم في كثير من الأجزاء لأهميتها الإيقاعية في هذه الصناعة، كقوله على لسان المهدي يخطب في الجموع: (2)
"لقد طال انتظار الناس في بوابة الآتي
وآن لثورة الإسلام أن تأتي
لتعلو فوق فكر الشّرك والطغيان
تعلن في ظلام الجور والأوثان
.. فجر عدالة الإسلام..
سيرجع ذلك الظبي الطريد إلى ظلال الكعبة المعطاء
وطير من كوى التاريخ يرجع حاملاً نبأ من الصحراء
وفي حرم النبوة يسجد الملك العظيم
وترقص الأضواء"
فالمقاطع، لا تقوم على التشابه ولا التماثل، سواء في التقفية أو طول تفعيلات المقطع الواحد أو قصرها، بل تأخذ بالتنويع حسب المقتضى الفني أو الموضوعي، فتهيأ بذلك الشاعر بناء في متوازن عندما لم يخضع للأشطار الشعرية المتساوية في البيت الواحد، ولذلك كان لـه تعمّقه الخاص به في الفكر والشعور معاً، لأن المادة القرآنية كانت المصدر الأساسي في الإلهام عنده -كما ذكرنا -، وهي مادة تتفرد بجميع نواحي الإعجاز الفني والموضوعي والحجاج المنطقي، إضافة إلى استلهام منهج أهل التصوف في فكرهم وتخيّلاتهم، حتى بلوغ الذروة من العشق الإلهي، فإن الشاعر لـه تجاوب وحضور ذهني واضح في هذه المعاني.