ادباء مکرمون نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
فعلى الرغم من أن هذه الشخصيات تمتلئ بهذه الحيوية المعبرة، فهي تعمد أحياناً إلى أن تلغز، وتؤثر الرمز والإيحاء، عندما تتماشى مع الأحداث، فتحاول أن توجد صلات متينة بين واقع الحياة الدنيا التي تعيش فيها، وتتأثر بدقائقها، وبين المصير النهائي في يوم القيامة.
فالشيخ نراه يرمز إلى البعد الروحي الخير الذي يبسط ظله على الملحمة ويوجهها، فإن لفظة "الشيخ" تحمل هذه المعاني من السيادة والترفع والقوة الإيحائية، في تلمس حقائق الأشياء نحو حتمية المصير ونهايته، فإنه العراف المتنبئ بأبعاد الحقائق. فقد ارتسمت شخصيته وقورة ذات تجربة ومراس، لها من بعد النظر ما هيأ لها نفاذاً إلى الحقائق، فإنه يبدو في كثير من الأحيان تجاوز إلى ظاهر الغيب، حتى كأن الملحمة بنيت على ما كان يستشرفه.
ومن هنا، فالشيخ والفتاة يجسدان فلسفة الملحمة ورؤاها، فإذا حاولنا أن نستكنه حقائقهما ودورهما في هذه الملحمة، فإنه يعز علينا أن نتعرف إليهما بكل المعاني والأحوال، فهما اللذان يشكلان القضية الأساسية في هذا العمل الذي يجسد حقيقة الوجود وأبعاده، إلى جانب الحقيقة العلوية التي ينشدها أهل الإيمان في عالم "الغيب والشهادة" وهذان الأمران:
الدنيوي والأخروي لا يستطيعهما الإنسان على الشكل الصحيح المراد، إذ أن أحدهما منوط بالآخر، وأمام هذه الثنائية المادية والروحانية، فإننا لا نقوى على إضفاء حقيقة واحدة بعينها على الشيخ أو الفتاة، لأن الأدوار تتفاوت بينهما في بعض الأحيان، والغايات تتشابك عند كليهما، بحيث لا نتمثل مجال الفصل بينهما بكل وضوح، إذ هما يؤديان دوراً متكاملاً ذا امتداد واحد، فهما بمثابة الشيخ ومريده الروحي عند المتصوفة، وهما بمثابة الرمز إلى رؤية الشرع وفلسفة العقل، ولعلهما بعد ذلك كله، يرمزان إلى آدم وحواء عليهما السلام، فيعطيان بذلك حقيقة الوجود نفسه، فإنهما يؤكدان هاتين الحقيقتين في كثير من مشاهد هذا الأثر الملحمي، ولعل هذا الاستنتاج فيما يرمزان إليه، يرجع إلى تصور الشاعر في محاولة التأليف بين مادية الإنسان وروحانيته، فالشيخ يحمل تعبيرات قوية تستلهم الشفافية الروحانية، والفتاة تجسد الحياة وتخصبها بمعاني الخير.