ادباء مکرمون نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
وعنصر الشخصية في الملحمة ليس دائماً هو الإنسان، فإنه يكون الحيوان كالحشرات والذباب الأزرق "حيوانات الظلمة"، والدابة التي تنهي كل شيء (1)، وأحياناً يكون أجساماً خفية، وفي بعض الأحيان، يتعانق بالأشلاء الآدمية، كالأعين والأقدام والآذان والجلد (2)، ومرات كثيرة يتعلق بالرسل فيسميهم كآدم ونوح وإبراهيم وعيسى وموسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام (3)، وعلى العموم، فإن الشخصية وعنصرها، واضحان جليان، فليس ثمة تصور إلا وقد استلهمته الملحمة في تأدية دور بعينه كالمهدي المنتطر(4)، وقوم يأجوج، والدجال الأعور(5)، وفرعون وجماعة الشرك وأهل النفاق(6)، كل أولئك قد كان لهم تحركهم في أدوارهم، فهذه العناصر الشخصية، تجعلنا حين نتأملها، نرجّح بأنها ليست المرادة لذواتها، وإنما هي بمثابة الحقائق التي يمكن تطبيقها على أبعاد الكفر والإيمان.
وإلى جانب شخصيتي الشيخ والفتاة، فقد اجتمع لـه فيها أشخاص كثيرون، حتى ليخيل للقارئ أن أهل الدنيا بنماذجهم واختلاف مشاربهم، قد أخذوا أدوارهم فيها، وهذا طبيعي في مثل هذا العمل الذي يتمثل الدارين، الأولى والآخرة.
غير أن أسلوب التحاور الشخصي، ليس هو المسيطر في جل الملحمة، بل نجد الشاعر يميل إلى التقسيمات والتفريعات، فيوجد المواقف والموضوعات التي تخفف من حدة التحاور والتجادل، ومع ذلك، فإنه ما ينفك يتمثل بالأشخاص الطغاة والعتاة الجبارين من أهل الدنيا، وتتضح صورة ذلك في المطهر حيث يعذب العاصون بالعذاب(7)، وكذلك في حيز النار وأبواب جهنم السبعة، فإن للشاعر في هذه المواقف اجتهادات جيدة، يتيح لك تأملها، ويكون ذلك في النار السوداء المتمثلة بالبركان الأعمى(8)، وشجرة الزقوم(9)، وغيرها من مواقف، حيث تختتم صورة النار ومشاهدها، ضمن تصور العقل البشري.
ومن هنا، فإنه يتحقق في هذا العمل شخصيتان رئيسيتان، هما: الشيخ والفتاة، بحيث نلمح فيهما العنصر النسوي أداة فاعلة وشخصية أساسية، على نحو شخصية "بياتريس" ملهمة دانتي ومرشدته بعد فرجيل في الفردوس في الكوميديا الإلهية.