ادباء مکرمون نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
"فالأصيل لا يمكنه إلاَّ أن يكون معاصراً ولا يمكننا أن نتصوره منفصلاً عن المعاصرة" (1).. ولا يمكن للأصالة أن تحتوي المعاصرة أو العكس، ولا يمكننا أن نتصور أيضاً أن اندماجاً كاملاً بينهما، بل هناك ترابط عضوي منفعي متبادل بينهما. ويؤكد الدكتور حسن حنفي هذا الترابط فيقول ".. إنما تعني الأصالة والمعاصرة وحدة باطنية وعضوية بينهما." (2).. وهو يقصد بذلك أن يتم تحقيق وحدة متكاملة ذات طبيعة عضوية في حياة الفرد والمجتمعات، وهي هنا تكاد أن تقترب من حالة الاندماج. فالأصالة تعني: إعادة قراءة التراث قراءة متأنية وفق رؤية معاصرة، لأننا حين نتعامل مع التراث فإننا نتعامل معه خارج إطار عملية السكون إلى جانب الحركي (الديناميكي) فيه وهذا تحول. بمعنى أننا لا نتعامل معه من وجهة نظر سكونية (مادة خام) مصدرها الماضي الذي انتهت وظيفته، وإنما نتعامل معه من موقف حركي فاعل ومستمر يساهم في تطور حركة التاريخ وتغيّره.
فالفكر الإنساني هو خليط من موروثات تراثية منتجة ومنتخبة والتي فرضت وجودها انطلاقاً من جدلية (التأثر والتأثير) وعلى هذا الأساس كان كل تراثٍ لا يؤكد وجوده وقدرته على الاستمرارية ومواكبته لحركة التاريخ المستمرة هو عاق ولا يعتبر أصيلاً ".. لأنَّ الارتباط وثيق بين الماضي والحاضر والمستقبل في علاقة جدلية حتمية، تجعل الماضي منعكساً على الحاضر ومؤثراً في المستقبل، وتجعل ذلك حركة التاريخ كلية لا تتجزأ"(3).. إنَّ مادة التراث كانت ولا زالت المصدر الرئيسي والهامّ من مصادر الأدب العربي والإسلامي منذ بداية عصر النهضة وبداية ظهور عوامل تفتح الوعي القومي والسياسي للواقع العربي الراهن المعاش، وقد أدى ذلك إلى بروز دعوة إحياء القديم والتمسك به، وربطه بالحديث.
مهما اختلفت المذاهب بين القديم والحديث، أو بين المعاصرة والأصالة، اعتدالاً أو تطرفاً فإنَّ الأدب بفنونه الموروثة والمستحدثة حرص في كل الأحوال على أن ينتخب مادته الأولية بكل أبعادها من التراث الذي اجتمعت ملامحه لدى كتابنا، ومن مصادره المختلفة /التاريخ الإنساني المدون والأساطير والقصص والسير والحكايات الشعبية ومن الذاكرة الجمعية الشفوية، وما أضيف عليه فيما بعد وأصبح أصيلاً.