حصيلة الحديث : ا - حديث فيه نص على ان عاصما كان من اصحاب النبي . مع المثنى وابي عبيد: روي الـطـبري عن سيف في خبر ((النمارق )) ان المسلمين قاتلواالفرس قتالا شديدا, فهزم اللّه الـفـرس ولـحـق الـمـنهزمون بكسكر,وروى في خبر ((سقاطية كسكر)) وقال : كانت كسكر قـطـيـعـة لنرسي ابن خالة ملك الفرس , وحمى له , وبها تمر نرسيان لاياكله الا ملك الفرس او من اكـرمـوه بـشـي ء مـنـه , وقـال : امر ابوعبيد قسما من جيشه ان يتبع الجيش الفارسي , ويبيده بين النمارق الى بارق ودرتا, ثم قال : وقال عاصم بن عمرو في ذلك : لعمري وما عمري علي بهين . لقد صبحت بالخزي اهل النمارق . بايدي رجال هاجروا نحو ربهم . يجوسونهم ما بين درتا وبارق . قتلناهم ما بين مرج مسلح . وبين الهوافي من طريق البذارق ((238)) . وقال : فالتقى بهم ابو عبيد في السقاطية اسف كسكر, فاقتتلوا قتالاشديدا ثم انهزمت فارس , وهرب نـرسـي , وغـلـب الـمسلمون على عسكره وارضه , وجمعوا غنائم كثيرة واطعمة وافرة , وفيها تـمرالنرسيان , فاطعمها الاعراب والفلاحين , وبعث عاصما الى نهرجور او جوبر فاخرب وسبى روي الطبري عن سيف هذاالحديث , ومن الطبري اخذ ابن الاثير بايجاز. وروي الـطـبري عن سيف في قصته بعد الحرب , ان الدهاقين -وكان منهم ابن فروخ - جاءوا الى ابـي عـبـيـد بانواع الاطعمة ,ولعاصم بن عمرو مثله , فارسل ابو عبيد يدعو عاصما ومن معه على طعامه ويخبرهم بما عنده , فقال في ذلك عاصم ابن عمرو: فان تك ذا قرو ونجم وجوزل . فعند ابن فروخ شواء وخردل . وقرو رقاق كالصحائف طويت . على مزع فيها بقول وجوزل ((239)) . وقال ايضا: صبحنا بالبقايس رهط كسرى . صبوحا ليس من خمر السواد ((240)) . صبحناهم بكل فتى كمي . واجرد سابح من خيل عاد. انتهى . ولـمـا جـاءت فـي هـذه الـروايـة اسماء ((سقاطية كسكر)),((ونرسيان )) و((مرج مسلح )) و((الهوافي )) اعتمد عليها الحموي وقال بترجمة ((السقاطية )): ناحية بكسكر من ارض واسط, وقع عندها ابو عبيد بالنرسي ((241))
صاحب جيوش الفرس فهزمه شر هزيمة , وقال في ترجمة ((نرسيان )) ناحية بالعراق بين الكوفة وواسط, لها ذكر في الفتوح , ولعلها النرسي او غيرها,واللّه العالم , وقال عاصم بن عمرو ((242))
: ضربنا حماة النرسيان بكسكر. غداة لقيناهم ببيض بواتر. وفزنا على الايام والحرب لاقح . بجرد حسان او ببزل غوابر. وضلت بلاد النرسيان وتمره . مباحا لمن بين الدبا والاصافر. ابحنا حمى قوم وكان حماهم . حراما على من رامه بالعساكر ((243)) . وقـال فـي تـرجمة ((مسلح )): مرج مسلح بالعراق ذكره عاصم بن عمرو التميمي في شعر له ايام الـفـتـوح , فـقـال يـذكـر نكاية المسلمين بالفرس : لعمري وماعمري علي بهين وذكر الابيات الى قوله :قتلناهم ما بين مرج مسلح الخ . وقـال في ترجمة ((الهوافي )): موضع بارض السواد ذكره عاصم بن عمرو التميمي , وكان فارسا مع جيش ابي عبيد الثقفي فقال : قتلناهم ما بين مرج مسلح . وبين ((الهوافي )) من طريق البذارق . اعتمد الحموي على رواية سيف في هذه التراجم , دونما اشارة الى مصدره . هـذا واكـثـر من هذا, كله من نتاج خيال سيف الخصيب , اما غيره فقد روى البلاذري عن فتوح ابي عبيد في العراق وقال : اتى ((درتى )) وبها جمع للعجم , فهزمهم الى كسكر وسار الى الجالينوس , بباروسيما, فصالحه ابن الانـدرزغـر عن كل راس اربعة دراهم , ووجه المثنى الى زندرود فحاربهم فظفر وسبى ,ووجه عـروة بن زيد الخيل الطائي الى الزوابي فصالح دهقانهاعلى مثل صلح باروسيما, هذا كل ما ذكروا عن حروب ابي عبيدوالمثنى قبل واقعة الجسر في العراق . نتيجة المقارنة وحصيلة الحديث . حـمـى نرسي بكسكر ونرسيان وتمر نرسيان , والهوافي وسقاطية كسكر, ومرج مسلح والوقائع فيها, وعاصم واراجيزه كلها مماتفرد. بروايتها سيف ((244)) .
في واقعة الجسر
روي الـطبري عن سيف في واقعة الجسر, جسر ابي عبيد, حيث اصيب المسلمون وقتل ابو عبيد, ان عاصم بن عمرو مع المثنى ورجاله حموا الانسحاب حتى عقدوا جسرا عبر عليه الجيش ,وذكر خليفة بن خياط هذه الرواية بحذف سلسلة السند, بينما روى الدينوري ان المثنى قال لعروة بن زيد الخيل الطائي : انطلق الى الجسر فوقف بين العجم وبينه وجعل المثنى يقاتل من وراء الناس ويحميهم حتى عبروا. وروي الـطـبـري عـن سيف في خبر ((اليس الصغرى )) ان المثنى استخلف على الناس عاصم بن عمرو, وذهب في جريدة خيل يعترض الفرس . وقـال في وقعة البويب : عينه على المجردة , والمجردة خيل الطليعة , وذكر انه استاذن المثنى بعد الواقعة ان يغيروا فاغارواحتى بلغوا ساباط ((245)) . هذه رواية سيف , اما غيره فقد ذكر البلاذري واقعة الجسربتفصيلها في فتوح البلدان , والدينوري في الاخبار الطوال , وليس فيهما ذكر للبطل الاسطوري عاصم ((246)) . مناقشة السند: مـمن يروي سيف عنهم مواقف عاصم مع المثنى وابي عبيد,محمد وطلحة وزياد والنضر ممن سبق ذكرهم من مختلقاته من الرواة . ومـنهم ((حمزة بن علي بن محفز عن رجل من بكر بن وائل ))ولم نجد لحمزة هذا ذكرا في كتب التاريخ والانساب عدا حديثين لسيف عند الطبري فاعتبرناه من مختلقاته من الرواة , ومن هو(رجل من بكر بن وائل ) لنبحث عنه ؟
مع سعد بن ابي وقاص
وروي الـطبري عن سيف في حوادث السنة الرابعة عشرة ان سعدبن ابي وقاص القائد العام لجيش المسلمين في حرب الفرس , لمارتب مناصب الجيش , عين عاصم بن عمرو قائدا للساقة وان سعد بن ابـي وقـاص لـمـا نـزل الـقـادسـية بعث عاصم بن عمرو الى اسفل الفرات , فسار حتى اتى ميسان ((247))
فـطـلـب غـنـمـا او بـقـرافلم يقدر عليها, وتحصن منه في الافدان والاجام , فاصاب عاصم رجلا بجانب اجمة , فساله عن البقر والغنم , فحلف له وقال : لااعلم , واذا هو راعي ما في تلك الاجـمـة , فـصـاح مـنـهـا ثـور: ((كذب واللّه وها نحن اولاء)) فدخل فاستاق الثيران , واتى بها العسكر,فقسم ذلك سعد على الناس فاخصبوا اياما وبلغ ذلك الحجاج في زمانه , فارسل الى نفر ممن شهدها, فقالوا:نحن سمعنا ذلك وشهدناه واستقناها, فقال : كذبتم قالوا: آية تبشير يستدل بها على رضا اللّه وفتح عدونا, فقال :واللّه لا يكون ذلك الا والجمع ابرار اتـقـياء بغضا لها الحديث الى قوله : وكان هذا اليوم ((يوم الاباقر)) هذا ما رواه الطبري عن سيف واخذ منه ابن الاثير. وقـال الدينوري والبلاذي : كان المسلمون اذا احتاجوا الى العلف والطعام , اخرجوا خيولا الى البر فـاغارت على اسفل الفرات ,واضاف البلاذري الى ذلك وقال : وكان عمر يبعث اليهم من المدينة الغنم والجزر. وروى الطبري عن سيف : ان الخليفة عمر امر سعد بن ابي وقاص ان يبعث الى ملك الفرس رجالا من اهـل الـمناظرة والراي والجلد, يدعونه , فارسل وفدا فيهم عاصم بن عمرو, فذهبوا الى كسرى , واشـتـد غـضـب كسرى منهم , فامر ان ياتوه بوقر من تراب وان يحملوه على اشرفهم , ثم سال من اشـرفهم ؟ فسكت القوم , فقال عاصم بن عمرو - وافتات لياخذ التراب - انا اشرفهم فحملنيه فـحـمـلـه عـليها, ثم انجذب الى سعد وسبقهم عاصم , وبشر سعدا بالظفر, وقال : قد واللّه اعطانا اللّه مـقـالـيـد مـلـكهم , ولما سمع بذلك قائد الفرس رستم تطير من ذلك اليعقوبي في ما ذكر بتاريخه . امـا الـبلاذري فقد روى (ان عمر كتب الى سعد يامره بان يبعث الى عظيم الفرس قوما يدعونه الى الاسـلام , فـوجـه عـمرو بن معدي كرب الزبيدي , والاشعث بن قيس الكندي , في جماعة ,فمروا بـرستم فاتى بهم , فقال : اين تريدون ؟ قالوا: صاحبكم قـد وعدنا ان نغلب على ارضكم , فدعا بزبيل من تراب فقال : هذا لكم من ارضنا كـرب مـبـادرا, فبسط رداءه واخذ من ذلك التراب فيه وانصرف , فقيل له : ما دعاك الى ما صنعت ؟ قال :تفاءلت بان ارضهم تصير الينا ونغلب عليها ) الحديث . وروى الـطـبـري عـن سـيف ان القائد العام سعد بن ابي وقاص , بعث سرية ليغيروا على النهرين , فـتـوغلت , وقابلتهم من الجيش الفارسي كتيبة , فارسل اليهم سعد عاصم بن عمرو, فلما راته الفرس ولـت مـنهزمة , وقال في يوم المقدمة - فقال : - ان هذه بلاد قد احل اللّه لكم اهلها وانتم تنالون منهم مـنـذ ثـلاث سـنـين مالاينالون منكم , وانتم الاعلون , واللّه معكم ان صبرتم وصدقتموهم الضرب والطعن , فلكم . امـوالهم ونساؤهم وابناؤهم وبلادهم , وان خسرتم وفشلتم - واللّه لكم من ذلك جار وحافظ - لم يـبق هذا الجمع منكم باقية مخافة ان تعودوا عليهم بعائدة هلاك اللّه اللّه اللّه فيها, الا ترون ان الارض وراءكم بسابس قفار ليس فيها خمرولا. وزر يعقل اليه ولا يمتنع به وروي ان سعدا ارسل الى الناس اهل النجدة والفضل منهم , فكان منهم عاصم بن عمرو فقال : يا معاشر العرب , انكم اعيان العرب وقـد صمدتم لاعيان من العجم , وانما تخاطرون بالجنة ويخاطرون بالدنيا, فلا يكونن على دنياهم احوط منكم على آخرتكم , لا تحدثوااليوم امرا تكونون به شيئا على العرب غدا. ولما نشب القتال بين الفريقين خرج عاصم بن عمرو وهو يقول : قد علمت بيضاء صفراء اللبب . مثل اللجين اذ تغشاه الذهب ((248)) . اني امرؤ لا من تعيبه السبب . مثل على مثلك يغريه العتب . فـطـارد رجلا من اهل فارس , فهرب منه واتبعه حتى اذا خالطصفهم التقى بفارس معه بغلة , فترك الفارس البغل واعتصم باصحابه فحموه , واستاق عاصم البغل والرجل حتى افضى به الى الصف , فاذا هـو خـبـاز الـملك , واذا الذي معه لطف الملك : الاخبصة والعسل المعقود, فاتى به سعدا ورجع الى مـوقـفـه , فـلما نظر فيه سعد قال : انطلقوا به الى اهل موقفه , وقال : ان الامير قد نفلكم هذافكلوه , فنفلهم اياه .
يوم ارماث
وقـال في يوم ارماث : حملت فيلة الفرس ودارت رحى الحرب على بني اسد, واحجمت الخيول عن الـفـيلة , فارسل سعد الى عاصم بن عمرو فقال : يا معشر بني تميم عـندكم لهذه الفيلة من حيلة ؟ ثقافة - واهل الثقافة هم اهل الحذق والخفة في الطعن بالرمح - فقال لهم : يا معشرالرماة ذبوا ركبان الـفـيـلـة عـنهم بالنبل , وقال : يا معشر اهل الثقافة ,استدبروا الفيلة فقطعوا وضنها, وخرج عاصم يحميهم والرحى تدور على اسد, وقد جالت الميمنة والميسرة غير بعيد, واقبل اصحاب عاصم على الـفـيـلة فاخذوا باذنابها وذباذب توابيتها,فقطعوا وضنها وارتفع عواؤها فما بقي لهم فيل يومئذ الا اعري وقتل اصحابها, ونفس عن اسد وردوا فارسا عنهم , وكان عاصم عادية الناس وحاميتهم , وهذا يومها الاول وهو يوم ارماث قال سيف : ولما رات سلمى امراة سعد بن ابي وقاص - وكانت قبله تحت الـمـثـنى - ما تفعله الفرس , نادت : وامثنياه فلطم وجهها وقال : اين المثنى من هذه الكتيبة التي تدور عليها, يعني اسدا, وعاصماوخيله . هـذا ما رواه الطبري اما الحموي فقد قال في ترجمة ارماث : كانه جمع رمث , اسم نبت بالبادية , كان اول يـوم مـن ايـام الـقادسية يسمونه ارماث ولا ادري : اهو موضع ام ارادوا النبت المذكور؟ - الى قوله :- وقال عاصم بن عمرو: حمينا يوم ارماث حمانا. وبعض القوم اولى بالجمال ((249)) .
يوم اغواث
وروي الـطبري في يوم اغواث انه قدم رسول لعمر باربعة اسياف واربعة افراس , ليقسمها في اهل البلاء ان لقوا حربا, فاعطى الاسياف ثلاثة من بني اسد, والرابع لعاصم بن عمرو, واعطى الافراس لثلاثة من بني تميم احدهم القعقاع , واسدي واحد.
يوم عماس
((250)). وقال في يوم عماس : سرب القعقاع اصحابه ليلا الى مكانهم بالامس ليقدموا المعركة نهارا مائة مائة , فجيددوا رجاء المسلمين ,وكذلك فعل عاصم باصحابه , وقويت بذلك نفوس المسلمين , وفي هذا اليوم عـادت الفيلة تفرق بين الكتائب كيوم ارماث , فارسل سعدالى القعقاع وعاصم ابني عمرو يقول لهما: اكـفـياني الفيل الابيض ,وكانت الفيلة تالفه , فاخذا رمحين اصمين لينين , ودبا في خيل ورجل , فقالا: اكتنفوه لتحيروه , ثم حملا, فوضعا رمحيهما معا في عيني الفيل الابيض , فقبع ونفض راسه وطرح سائسه ودلى مشفره , فضربه القعقاع بسيفه فقطعه . وذكـر سـيف لعاصم في ليلة الهرير وقبلها وبعدها باسا وشوكة ,وقال : ثبت بعد هزيمة المشركين جـماعة من ابطالهم , فقابلهم ابطال المسلمين , وكان منهم عاصم وبازائه زاذ بن بهيش , فقضى على من بازائه ((251)) . هـذه رواية سيف عن القادسية في ما يخص عاصما عند الطبري ,ومنه اخذ ابن الاثير وابن خلدون دونما ذكر لسندهما, وابن كثيروذكر مصدره سيفا احدى عشرة مرة في هذا الخبر. نتيجة المقارنة : تفرد سيف برواية مخاطبة الثور لعاصم في ميسان , وعززهابثانية : وهي تحقيق الحجاج عن القصة , وشهادة الشهود لديه بصحتها, بينما. قال غيره : كانوا اذا احتاجوا الى العلف والطعام اغاروا على اسفل الفرات - قسم من السواد - وهذا ما يناسب حالة الجيش المحارب يومذاك . وروي ان كـسـرى اراد ان يحمل التراب على راس اشرف الرسل اليه , فبادر عاصم بحمله وذهب الـى سـعـد تـفاؤلا بذلك , وقال غيره :ان رستم هو الذي فعل ذلك , والذي حمل التراب بردائه هو عمروبن معد يكرب . وتفرد ايضا بذكر مواقف البطل عاصم في غاراته , وخطبه ,ورجزه . وبـطـولاته في ايام القادسية : ارماث واغواث وعماس وما بعدها,تفرد بذكر ذلك خلافا: لما ذكره الدينوري والبلاذري , واعرضناعن ايراد ما ذكراه حذرا من التطويل . حصيلة الحديث : ا - منقبة لبطل تميم عاصم في تكليم البقر اياه بلسان عربي فصيح . ب - حضور بديهته في مقابلة كسرى بحمل التراب على عنقه تفاؤلا به . ج - بطولات فذة تشرف تميما ثم نزارا, والبركة في احاديث سيف . مناقشة السند: في سند الحديث عن يوم الاباقر: عبد اللّه بن مسلم العكلي وكرب بن ابي كرب العكلي ولم نجد لهما في غير حديث سيف هذا ذكرافي ما بحثنا من مصادر. وفـي اسناد ما يليه من حديث جاء اسم النضر بن السري في ثلاث روايات , وابن الرفيل , وحميد بن ابي شجار في واحدة , وتكررذكر اسم محمد وزياد, وسبق قولنا فيهم جميعا انهم من مختلقات سيف من الرواة .
يوم الجراثيم
1 - روي الطبري عن سيف اقامة سعد بن ابي وقاص بعدالقادسية امام نهر دجلة حائرا, وقد فاضت , وكـانت السنة كثيرة المدود ودجلة تقذف بالزبد, فراى رؤيا ان خيول المسلمين اقتحمتها فعبرتها, فعزم سعد لتاويل رؤياه , فجمع الناس فحمد اللّه واثنى عليه , ثم قال : ((ان عدوكم قد اعتصم منكم بهذا البحر فلاتخلصون اليه معه وهم يخلصون اليكم اذا شاءوا في سفنهم فيناوشونكم - الى قوله - اني قد عزمت على قطع هذا البحراليهم )) فقالوا جميعا: ((عزم اللّه لنا ولك على الرشد فافعل )) فـنـدب الناس الى العبور وقال من يبدا فيحمي لنا الفراض حتى تتلاحق به الناس لكي لا يمنعوهم من الـعـبـور؟ فـانتدب له عاصم بن عمروذو الباس , وانتدب بعده ستمائة من اهل النجدات , فاستعمل عـلـيـهـم عـاصـما, فسار بهم حتى وقف على شاطئ دجلة , وقال : من ينتدب معي لنمنع الفراض من عـدوكم , ولنحميكم حتى تعبروا الينا؟فانتدب له ستون , فجعلهم نصفين على خيول اناث وذكورة , لـكـيـون اسلس لعوم الخيل , ثم اقتحموا دجلة , فلما رآهم الاعاجم وماصنعوا, اخرجوا للخيل التي تـقـدمـت مـثـلـهـا, فـلـقـوا عـاصما وقد دنامن الفراض , فقال عاصم : الرماح , الرماح وتـوخواالعيون , فالتقوا, وتوخى المسلمون عيونهم , فولوا ولحقهم المسلمون , فتقلوا عامتهم , ونجا مـن نجا منهم عورانا, وتلاحق الستمائة بالستين غير متعبين , فلما راى سعد عاصما على الفراض قد مـنعها, اذن للناس في الاقتحام وقال : قولوا: ((نستعين باللّه ونتوكل عليه , حسبنا اللّه ونعم الوكيل , لا حـول ولا قـوة الابـاللّه العلي العظيم )) وتلاحق معظم الجند, فركبوا اللجة , وان دجلة لترمي بـالـزبـد, وانها لمسودة , وان الناس يتحدثون في عومهم وقداقترنوا ما يكترثون كما يتحدثون في مـسـيـرهـم على الارض ,ففجاوا اهل فارس بامر لم يكن في حسابهم , فاجهضوهم واعجلوهم عن جمهور اموالهم , ودخلها المسلمون في صفر سنة عشر الحديث . 2 - وروي فـي حـديـث آخر مثله عن رجل عن ابي عثمان النهدي قال : طبقنا دجلة خيلا ورجلا ودواب , حـتـى ما يرى الماء من الشاطئ احد فخرجت بنا خيلنا اليهم تنفض اعرافها, لها صهيل ,فلما راى القوم ذلك انطلقوا لا يلوون على شي ء الحديث . 3 - وروى فـي حـديـث آخر له : قال سعد وهو واقف قبل ان يقحم الجمهور وهو ينظر الى حماة الـنـاس وهـم يقاتلون على الفراض ,((واللّه لو كانت الخرساء - يعني الكتيبة التي كان فيها القعقاع بن عمرو - فقاتلوا قتال هؤلاء القوم لكانت قد اجزات واغنت )). وكـتـيـبـة عاصم هي كتيبة الاهوال , فشبه كتيبة الاهوال لما راى منهم في الماء والفراض بكتيبة الـخـرسـاء - الـى قـولـه -: فلمااستووا على الفراض هم وجميع افراد كتيبة الاهوال باسرهم اقـحـم سـعـد الناس وكان الذي يساير سعدا في الماء سلمان الفارسي ,فعامت بهم الخيل وسعد يقول : ((حـسـبنا اللّه ونعم الوكيل , واللّه لينصرن وليه , وليظهرن اللّه دينه , وليهزمن اللّه عدوه , ان لم يـكـن فـي الـجيش بغي او ذنوب تغلب الحسنات )) فقال له سلمان :((الاسلام جديد, ذللت لهم واللّه الـبـحـور كـمـا ذلـل لـهـم الـبـر, امـاوالـذي نفس سلمان بيده ليخرجن منه افواجا كما دخلوه افواجا)) ((252))
فطبقوا الماء حتى ما يرى الماء من الشاطئ وانهم فيه اكثر حديثا منهم في البر لو كانوا فيه , فخرجوا منه - كما قال سلمان - ((لم يفقدوا شيئا ولم يغرق منهم احد)). 4 - وفي حديث آخر وسند آخر قال : انهم سلموا من عند آخرهم الارجلا من بارق يسمى غرقدة , زال عـن ظهر فرس له شقراء,كاني انظر اليها تنفض اعرافها عريا والغريق طاف , فثنى القعقاع بن عمرو عنان فرسه اليه , فاخذ بيده فجره حتى عبر, فقال البارقي - وكان من اشد الناس - عجزت الاخوات ان يلدن مثلك يا قعقاع , وكان للقعقاع فيهم خؤولة . 5 - وقـال فـي حـديـث آخر بسند آخر: فما ذهب لهم يومئذ الا قدح كانت علاقته رثة فانقطعت , فـذهـب به الماء, فقال الرجل الذي كان يعاوم صاحب القدح معيرا له : اصابة القدر فطاح , فقال : واللّه اني لعلى جديله ((253))
ما كان ليسلبني اللّه قدحي من بين اهل العسكر, فلما عبروا اذا رجل ممن كان يحمي الفراض قد سفل حتى طلع عليه اوائل الناس , وقد ضربته الرياح والامواج حتى وقع الى الـشـاطئ فتناوله برمحه , فجاء به الى العسكر, فعرفه فاخذه صاحبه , وكان حليفا لقريش من عنز يدعي مالك بن عامر,فقال للذي يعاومه . ويدعى عامر بن مالك : الم اقل لك ؟ 6 - وقـال فـي حديث آخر بسند آخر: لما اقتحم سعد الناس في دجلة اقترنوا, فكان سلمان قرين سعد الى جانبه يسايره في الماء,وقال سعد: ((ذلك تقدير العزيز العليم )) والماء يطمو بهم , ومازال فرس يستوي قائما اذا اعيا ينشر له تلعة فيستريح عليها كانه على الارض , فلم يكن في المدائن امر اعجب من ذلك , وذلك ((يوم الماء)) وكان يدعى ((يوم الجراثيم )) 7 - وفـي حـديـث آخـر لـه , روى عـن عدة رواة انهم قالوا: كان يوم ركوب دجلة يدعى ((يوم الجراثيم )) لا يعيا احد الا انشزت له جرثومة يريح عليها 8 - وفـي حـديث آخر بسند آخر قال الراوي : خضنا دجلة وهي تطفح , فلما كنا في اكثرها ماء لم يزل فارس واقف ما يبلغ الماحزامه . 9 - وفـي حـديث آخر بسند آخر قال الراوي : ((لما عبر المسلمون يوم المدائن دجلة , فنظروا اليهم يعبرون , جعلوا يقولون بالفارسية : ((ديوان آمد)) وقال بعضهم لبعض : واللّه ما تقاتلون الانس وماتقاتلون الا الجن , فانهزموا واخـرج هـذه الرواية الطبري عن سيف , واخذ من الطبري من جاءبعده من المؤرخين دونما ذكر لسندهم , واخرج بعضها ابو نعيم في دلائل النبوة بسنده الى سيف . وامـا غـير سيف فقد ذكر الحموي في ترجمة الكوفة بعد اشارته الى وقعة رستم بالقادسية : وكان الـدهـاقـيـن قد ناصحوا المسلمين ودلوهم على عورات فارس , واهدوا لهم واقاموا لهم الاسواق , ثم توجه سعد نحو المدائن الى يزد جرد - الى قوله -: فلم يجدمعابر, فدلوه على مخاضة عند قرية الصيادين اسفل المدائن ,فاخاضوها الخيل حتى عبروها. وقال الخطيب - بترجمة هاشم من تاريخه -: فلما هزم اللّه العدوورجعوا الى المدائن , اتبعهم سعد والمسلمون , فدل علج من اهل المدائن سعدا على مخاضة بقطربل فخاضها المسلمون الحديث . وذكـر تـفـصـيـله الطبري عن ابن اسحاق وقال : فلما وضعوا على دجلة العسكر والاثقال , طلبوا الـمـخـاضـة فلم يهتدوا لها حتى اتى سعدا علج من اهل المدائن , فقال : ادلكم على طريق تدركونهم قـبـل ان يمعنوا في السير, فخرج بهم على مخاضة بقطربل , فكان اول من خاض المخاضة هاشم بن عـتـبـة فـي رجـالـه , فلمـا جاز اتبعته خيله , ثم اجاز خالد بن عرفطة بخيله , ثم اجاز عياض بن غنم بخيله , ثم تابع الناس الحديث . وقـال ابـن حـزم فـي الجمهرة : ومن بني سنبس السليل بن زيد بن مالك المعلى الذي غرق يوم جاز المسلمون دجلة الى المدائن ولم يغرق من المسلمين يومئذ احد غيره ((254)) . نتيجة المقارنة : كان عبور الجيش يوم المدائن من مخاضة يعرفها علوج المنطقة دلوا سعدا عليها, فخاضها اولا هاشم في رجاله ثم خاضها خالد ثم عياض , وسيف يحكي في اسطورته حيرة سعد اولا, ثم كشف الحجب له في رؤياه عن اقتحام البحر, ثم انتدابه الجيش للعبوروقول الجميع له - بلسان واحد - عزم اللّه لنا ولـك عـلى الرشد,وانتداب عاصم التميمي ذي الباس ليحمي الفراض , وتوليته على ستمائة من اهل الـنـجدات , وخوضه دجلة في ستين منهم , ومحاربته الاعداء في الماء, وظفره عليهم , وتشبيه سعد كـتـيـبـته المسماة بالاهوال بكتيبة اخيه الخرساء, ويصف سيف كيف اقتحم الماءبعده سائر الجيش وطـبقوه حتى لا يرى الماء من الشاطى ء,وانصرافهم الى الحديث في عومهم - وهم لا يكترثون - اكثرمما يتحدثون على الارض , ويحكي انه اذا اعيا الفرس انتشزت له تلعة يستريح عليها كانه على الارض ولا يـعيا احد الا انشزت له جرثومة يريح عليها, ولذلك سمي اليوم يوم الجراثيم , ويحكي انـه لـم يـغرق الا غرقدة وكان من شد الرجال ومن خؤولة القعقاع زال عن ظهر فرسه وطفا على الـمـاء, فـانتشله القعقاع , وجره حتى عبر به , فقال غرقدة : عجزت الاخوات ان يلدن مثلك , وحكى انـه انـقطعت علاقة قدح كانت رثة فذهب به الماء وضربته الامواج والرياح حتى القته الى الشاطئ فرفعه حامي اسفل الفرات على رمحه , وجاء به الى الجيش , فعرفه صاحبه واسترجعه هكذا يروي سيف هذه الاسطورة شـاء القدر ان يصنع من ذلك مكرمة لبطل تميم القعقاع فاغرقه , ام ماذا؟ وربما كان التجانس بين لفظ الغرقدة والغريق والغرق - ايضا - ملحوظا لدى سيف الاديب .