خلاصة البحث
قد يحدد لنا ما يلي عصر نشاط سيف : .
ا ـ رواية ابي مخنف المتوفى سنة 157ه عنه فانها تدل على تقدم نشاط سيف على هذا التاريخ .
ب ـ اسـتهتاره بالتغني بامجاد الامويين والدفاع عنهم , وخلواحاديثه من ذكر العباسيين يدل على ان تلك الاحاديث وضعت قبل .
اوائل العصر العباسي عصر التقتيل الجمعي للامويين والتنكيل باشياعهم .
ج ـ وقوفه في تحديد عمر الامة الاسلامية عند العشرين بعدالمائة في حديث المؤتمر الذي عقده بين اللّه والنبي وكسرى يدل على ان الحديث وضع قبل هذا التاريخ والا لما وقف سيف عنده ((8)) .
يـدلـنـا مجموع ما ذكرنا على ان عصر نشاط سيف الادبي ووضعه للاساطير التاريخية كان اوائل القرن الثاني الهجري , ولا ينافيه ما. تـفـرد المزي بقوله انه توفي بعد عام 170ه , وما ذكره الذهبي من انه توفي في عهد الرشيد, وان صـح ما ذكرا فانه يدل على ان سيفا عاش بعد تاليفه اربعين عاما او خمسين .
عصر سيف
واذا عـرفـنا ان عصر نشاط سيف الادبي كان في الربع الاول من القرن الثاني الهجري وعرفنا انه كـان مـن تـمـيـم احـدى قبائل مضر,وانه كان يسكن الكوفة وموطنه العراق , تيسرت لنا دراسة بيئته لتحليل شخصيته ومعرفة ميوله ودوافعه في وضع كل تلك الاساطير. عمت في عصر سيف العصبية القبلية جميع البلاد الاسلامية كماسياتي ذكره , وانتشرت بالاضافة الـيـها الزندقة بخاصة في وطنه (العراق ) ولا بد لنا من دراستهما اذا اردنا ان ندرس بيئته الفكرية والاجـتـمـاعـية ونبدا بدراسة الزندقة في الفصل الاتي لانه بالاضافة الى شيوعها في بلده وجدنا العلماء ينعتونه بها, وكان هذا الخامس مما اهمنا في ما ذكروا بترجمته , ثم ندرس العصبية بعد ذلك ان شاء اللّه تعالى .
2- بحوث تمهيدية
ت الزندقة المانوية .
ت من هو ماني .
ت افكاره .
ت رايه في الانبياء. ت شريعته .
ت نهاية ماني ودينه .
ت نشاط الزنادقة في عصر سيف .
ت ثلاثة من الزنادقة .
ت تشابه نشاط سيف ونشاطهم .
1 ـ الزندقة والزنادقة
الزنديق كلمة فارسية الاصل قال المسعودي في مروجه : سمي زرادشت كتابه (اوستا) چژژحسآ 659 ذحخب ((9))
وكتب له تفسيرا سمـاه بالزند, ومن ثم سمى الفرس كل من اتى في شريعتهم شيئا مخالفالكتابهم المنزل او عدل الى التاويل بـ (زندي ) اي المنحرف من ظاهر الكتاب الى التاويل الـمـخـالـف للتنزيل , ولهذا نعتوا ماني الذي ظهر في ايام بهرام الملك الفارسي (240 ـ 277م ) مع جـمـاعته بـ (زندي ) اي المنحرف ثم اخذت العرب هذه الكلمة وعربتهاوقالت (زنديق ) وصارت عندهم اسما للمانوية وقيل لاتباع ماني (زنادقة ) ((10)) .
ويـرى بـعـض الـمـسـتشرقين : ان كلمة زنديق قد يكون اصلها:((صديق )) بتشديد الدال , واحد ((الصديقين )) ((11)) , فصارت بالفارسية ((زنديك )) ثم عربت على ((زنديق )) ((12)) .
كـان هـذا مـا اخـترناه من راي الباحثين في اصل الكلمة بالفارسية ,وفي العربية اطلقت ابتداء على جـماعة ماني القائلين بان للعالم اصلين ازليين هما: النور والظلمة , ولذلك قيل لهم ايضا: (الثنوية )ثم اطـلـقـت على الدهرية منكري وجود اللّه والنبوات والكتب المنزلة , والقائلين بقدم العالم , وانكار الـحـياة الاخرة وما فيها, ثم اطلق على كل منكر لاصل من اصول العقيدة او على كل راي يؤدي الى ذلـك , وانـتهى الامر اخيرا الى ان يطلق على كل من يكون مذهبه مخالفا لمذهب اهل السنة , ثم اطلق على كل من يحياحياة المجون من الشعراء والكتاب ومن شاكلهم ((13)) ((14)) .
2 ـ الزندقة والزنادقة في مصادر رسمية
لـعل اقدم نص رسمي اسلامي في تعريف الزندقة هي وصية الخليفة المهدي لابنه موسى ولي عهده من بعده حين قال له ـ وقدقدم اليه زنديق فاستتابه فابى ان يتوب , فضرب عنقه وامربصلبه .
((يـا بني فرقة تدعو الناس الى ظاهر حسن كاجتناب الفواحش والزهد في الدنيا والعمل للاخرة ,ثم تخرجها الـى تـحـريـم اللحم ومس الماء الطهور, وترك قتل الهوام تحرجا وتحوبا, ثم تخرجها من هذه الى عـبـادة اثـنين : احدهماالنور, والاخر الظلمة , ثم تبيح بعد هذا نكاح الاخوات والبنات ,والاغتسال بـالبول , وسرقة الاطفال من الطرق , لتنقذهم من ضلال الظلمة الى هداية النور فارفع فيها الخشب , وجـرد فـيـهـا السيف ,وتقرب بامرها الى اللّه لاشريك له , فاني رايت جدك العباس في المنام قلدني بسيفين , وامرني بقتل اصحاب الاثنين ) ((15)) .
فـلـمـا ولـي موسى الخلافة بعد ابيه قال بعد مضي عشرة اشهر من خلافته : ((اما واللّه لئن عشت لاقتلن هذه الفرقة كلها, لا اترك منها عينا تطرف )). ويقال : انه امر ان يهيا له الف جذع ليصلبهم عليها في وقت حدده لذلك , ولكنه توفي قبل ذلك ((16)) .
ووصـية اخرى له يرويها الطبري , قال : لما جي ء اليه بابن داودبن علي العباسي , ويعقوب بن الفضل الحارثي من آل الحارث بن .
عـبدالمطلب فاقرا له بالزندقة , اما يعقوب فقال له : اقر بها بيني وبينك , فاما ان اظهر ذلك عند الناس فلا افعل ولو قرضتني بالمقاريض , فقال له : ويلك حـقـيقا ان تعصب لمحمد, ولولا محمد (ص ) من كنت ؟ هل كنت الا انسانا من الناس ؟ اما واللّه لولا انـي كنت جعلت للّه علي عهدا اذ ولاني هذا الامر الا اقتل هاشميا لما ناظرتك ولقتلتك , ثم التفت الى مـوسـى الـهـادي فـقال : يا موسى , اقسمت عليك بحقي ان وليت هذا الامر بعدي الاتناظرهما ساعة واحدة ,فمات ابن داود في الحبس , وبقي يعقوب حتى مات المهدي ,فارسل الهادي الى يعقوب من القى عليه فراشا, واقعدت الرجال عليه حتى مات .
واقـرت زوجـته وبنت له بالزندقة , ووجدت البنت حبلى فاقرت انها حامل من ابيها, ثم ضرب على راسيهما بشي ء فزعتا منه فماتتا ((17)) .
ولـما انتهى المهدي عام 163ه عند مسيره الى دابق , من نواحي الموصل , لحرب الروم في الصائفة , بعث عبدالجبار المحتسب لجلب من بتلك الناحية من الزنادقة , فقتل جماعة منهم وصلبهم ,واتى بكتب من كتبهم فقطعت بالسكاكين ((18))
, ونجد بعد هذاعند الطبري في ذكر حوادث عام 168 قوله : وفـيـهـا مـات عـمرالكلواذي صاحب الزنادقة , وولي مكانه حمدويه وهو محمد بن عيسى من اهل ميسان , وفيها قتل المهدي الزنادقة ببغداد ((19)) .
وحـدث الـمسعودي في مروجه عن عصر المامون وقال : بلغ المامون خبر زنادقة من اهل البصرة , فامر بحملهم اليه , فلماجمعوا, نظر اليهم طفيلي وحسبهم دعوا الى وليمة , فدخل في وسطهم حتى اذا سار بهم الموكلون الى زورق في النهر قال الطفيلي : نزهة لاشك فيها, وركب معم الزورق , فما كان اسرع ماجي ء بالقيود, فقيد القوم وقيد الطفيلي معهم , فقال : بلغت من تطفلي الى القيود, وسال القوم : مـن انـتـم ؟ فـقـالوا: ومن انت ؟ امن اخواننا؟ قال : واللّه لا ادري غير اني رجل طفيلي , وخرجت من منزلي اليوم فلقيتكم , فقلت : اجتمعوا لوليمة , فدخلت في وسطكم حتى صرتم الى الزورق , فقلت : نـزهـة يـمـضـون الـيـهـا والى بعض البساتين , ان هذا اليوم يوم مبارك , فابتهجت سرورا, اذ جاء هـذاالـمـوكـل بـكـم فقيدني معكم , فاخبروني ما الخبر؟ فضحكوا منه وقالوا: الان قد دخلت في الاحـصـاء واوثـقـت في الحديد, واما نحن فمانية غمز بنا الى المامون , وسندخل اليه ويسائلنا عن احـوالناويستكشفنا عن مذهبنا ويدعونا الى التوبة والرجوع عنه بامتحاننابضروب من المحن , منها اظهار صورة ماني لنا, ويامرنا ان نتفل عليها ونتبرا منها, ويامرنا بذبح طائر ماء الدرج ((20))
فمن اجابه الى ذلك نجا, ومن تخلف عنه قتل , فاذا دعيت وامتحنت فاخبر عن نفسك واعتقادك يخل عنك , وزعـمت انك طفيلي , والطفيلي يكون معه اخبار حسان , فاقطع سفرنا هذا بشي ءمن الحديث واخبار الناس , فلما وصلوا الى بغداد وادخلوا على المامون جعل يدعوهم باسمائهم رجلا رجلا, فيساله عن مـذهبه ,فيخبره بالاسلام , فيمتحنه ويدعوه الى البراءة من ماني , ويظهر له صورته ويامره ان يتفل عـلـيها, والبراءة منها وغير ذلك فيابون ,فيمرهم على السيف حتى بلغ الى الطفيلي بعد ان استوعب عـدة الـقوم , فسال المامون الموكلين عنه , فقالوا: ما ندري غير اناوجدناه مع القوم فجئنا به , فقال له المامون : ما خبرك ؟ قال : ياامير المؤمنين امراتي طالق ان كنت اعرف من اقوالهم شيئا,وانما انا رجل طفيلي , وقص عليه خبره , فضحك المامون ثم اظهر له صورة ماني فلعنها وتبرا منها, وقال : ((21))
؟.
ما ماني ايهودياكان ام مسلما يـثـبـت بـوضوح ـ مما استعرضنا الى هنا ـ ان المقصود من الزنادقة هم اتباع , ماني , وان استعملت الكلمة احيانا شذوذاوتجوزا في غيرهم , اذن فمن هو ماني ؟ وما هو دينه ؟.
ماني ودينه
1 ـ ولد ماني ((22)) في مدينة الرها من بابل ((23))
عام216 م , وكان ابوه (بتك ) وثنيا, ثم دان بـالديصانية ((24)) ونشاماني عليها, ولما اتم الرابعة والعشرين ادعى ((25))
النبوة واستخرج ديـنـه من الزرادشتية والماندائية (صابئة ميسان ) ومن الهلينية ((الفلسفة الاشراقية اليونانية بعد الاسكندر)) والغنوصية ((26))
واخذ شيئا من البوذية , وصب جميعها في قالب واحد,واستخرج مـنها دينا عجيبا واحدا, يجد فيه كل انسان ما يطلبه من زهد واعتراف بالذنوب , وعبادات كالصلاة والـصـوم والادعية , كمايجد السائل فيه جوابا لجميع المسائل الغامضة التي يبحث عنهاالانسان من عـلـم الـفـلك والجغرافيا والفسلجة والفيزياء والحيوان والنبات والانسان , من كيفية بدء خلق هذه وغـيرها من الملائكة والعفاريت وجميع العالم , ومدة بقائها ونهايتها كل ذلك باسلوب خرافي عجيب بالنسبة لنا في هذا العصر.
خلاصة دينه
ان للعالم اصلين : النور والظـلمة , وثلاثة ادوار: الماضي والحال والمستقبل , في الماضي كان كل من النور والظلمة منفصلا عن الاخر مجاورا له , النور في الاعلى والظلام في الاسفل , وكل منهما ممتد الى جهاته الثلاث .
يهيمن في عالم النور كل الحسنات من النظم والسعادة والاستقرار, وفي عالم الظلام كل السيئات من الاقذار والتشويش والحروب والافات , يحكم عالم النور ابو العظمة , وعالم الظلام ملك الظلام ـ ما يقابل الشيطان بالعربية واهرمن بالفارسية ـ. يتكون الظلام من خمس طبقات بعضها فوق بعض : الضباب ,النار الملتهمة , والريح المدمرة , والسيان , والـظـلـمات يدير عوالم الظلمات الخمسة اراكنة رؤساء في صورة عفريت واسد وعقاب وللظلمة عـناصر خمسة : الذهب الصفر وخمسة اطعمة : المالح والحريف في كل طبقة صنف من الموجودات الشريرة من عفاريت ذوات الرجلين ودواب ذوات الاربع .
وللنور خمسة اماكن تحوي اعضاء اللّه الخمسة : الذكاء والفكروهي مظاهر للّه وكان النور كملك مـقـيـم فـي قصره الملكي ,والظلام كخنزير يتمرغ في الاقذار تسره الاوساخ يسود عالم الظلام جـدال وخـصومة وحروب مستمرة وهجمات العفاريت المتوالية بعضها على بعض وتمزيق والتهام بعضها الاخر, ودوام الشهوة البهيمية وغليانها. وكـان شـجرة النور ـ عالم النور ـ يخفي نفسه عن شجرة الظلمة لئلا يهيجها, غير ان شعب عالم الـطبيعة صعدوا في مشاجراتهم حتى انتهوا الى عالم النور فهالهم ما راوا, واشتهوا ان يهاجمواهذا العالم بجيش من عفاريتهم ليحتلوه ويلتهموه ويدخلوه في كيانهم , ولما كان ابو العظمة دون اي سلاح لـلحرب , ولم يرغب في ان يبعث احد اعوانه الالهة لمقابلة عالم الظلام , فقد تهيا للدفاع بنفسه فخلق الوجود الاول ((انه )) ام الحياة , وهي بدورها انجبت وجودا علويا وهو الانسان القديم او الانسان الازلـي , فـهبط الانسان الازلي مع بنية العناصر الخمسة الهواء والماء والضياء وامامه الملك نخشب , فنازلوا الظلام , وغلب الانسان الاول , ومزقت العفاريت اولاده , وابتلعتهم .
وهنا بدا الاختلاط بين النور والظلام , وبدا دور الحاضر من الازمنة الثلاثة وهو بذاته بدء عملية الـنجاة , وهو ـ ايضا ـالتضحية من اللّه وابنه في سبيل الخلاص , ومن هنا بدات المعركة بين النور الـذي يريد انقاذ اجزائه , والظلام الذي يريد ابقاءهم سجناء داخله , فخلق اللّه آلهة اخرى فجاءوا الـى الانسان الازلي ,واستطاعوا ان ينقذوه , غير ان اولاده (اي اجزاء النور) بقيت سجينة في عالم الـظـلام , وفي سبيل انقاذهم خلق عالم النور هذاالعالم , كما ان عالم الظلام ايضا قام بسلسلة اعمال لابـقاء اجزاءالنور سجينة في كيانها, فتناكح عفريتان من الاراكنة الذين ابتلعوااجزاء النور فتولد مـنـهـما آدم , وسجن في وجوده جزء كبير من النور, ثم تناكحا ثانية فولدت حواء, وفيها قليل من الـنـور, فـارسـل اللّه عيسى ومعه احد الالهة الى آدم هذا لانقاذه , فافهمه ((الغنوص )) ليبتعد عن الـمراة حواء, غير ان العفريت الذكر احدالاراكنة نكح ابنته حواء فولدت قابيل , ثم نكح قابيل امه حـواءفولدت هابيل , ثم نكحها ثانية فولدت جاريتين , وفي كل ذلك يشتدالسجن على الجزء الالهي , ويـنـتـقـل مـن سـجـن الى سجن , وينتشرفي هذه السجون ليبقى خالدا على ما يريده عالم الظلام مازال التناسل موجودا.
وهـكـذا فـي سـلـسلة طويلة من الخيال الخرافي يصور ماني كيفية خلق الجبال والنبات والحيوان والانـسـان , ومـن هـذا الخيال ان اللّه خلق القمر زورقا لنقل ارواح المؤمنين الى الشمس التي تعلو بـهـم الى اصلهم العالم العلوي , ففي الخمسة عشر يوما من اول الشهريتدرج هذا الزورق ـ القمر ـ بـالامـتـلاء مـن ارواح الـمـؤمـنـيـن ,وفي الخمسة عشر يوما من آخر الشهر يتدرج في تفريغ شحنات النور الى الشمس لتعالى بهم الى عالم النور, وهكذا يتدرج الهلال الى ان يصير بدرا ثم يعود هلالا.
وكـان ارسـال عـيسى لانقاذ آدم في البدء مثالا لارسال ماني الفارقليط لانقاذ بني الانسان لخلاص اجـزاء الـنـور الـمـنـبـثـة بـواسـطة التناسل في وجود الانسان وفي سائر اجزاء هذا العالم من نـبـات وحيوان , وان ماني ارسل لينهي هذا الازدواج بين الظلام والنورومدة هذا الامتزاج 12 الف عـام , وكـان قـد مـضـى عليه الى عام271 ه احد عشر الف عام وسبعمائة عام ((27))
وبقي منه 300عـام لـينتهي دور الحال في عام 531ه بتعليمات ماني , ثم ياتي دور المستقبل او زمان الانحلال ورجـوع كل شي ء الى اصله ,فعالم جنان النور الى الاعلى يصعد اليه كل الخير ويتجمع فيه ,وتتنعم فـيـه ارواح المؤمنين والملائكة والالهة , وعالم الظلام السفلي تبقى فيه الشرور والاثام والافات وتتجمع فيه العفاريت والشياطين وارواح البشر الشريرة ليتعذبوا فيه مخلدين ((28)) .
هذه خلاصة ما في دين ماني من اسرار التكوين لخصناها بايجازوفي ما يلي راي ماني في الانبياء.
راي ماني في الانبياء
كـان مـانـي لا يـؤمـن بموسى وتوراته , ويقول ان بوذا وزرادشت بعثا في الشرق , وعيسى ـ غير المولود من الام ـ بعث الى الغرب , اما هو فانه الفارقليط الذي بشر به عيسى , وقد بعث في قلب العالم بـابـل ليؤلف الظهورات السابقة , ويجمع بعضها الى بعض ويكملها ويبلغها بجميع الالسنة ((29))
, وبما انه مبعوث الى جميع الناس , وان دينه سيحل محل جميع الاديان , فقد سعى هو وخلفاؤه لترجمة
افـكـاره لـكـل امة بلغتها, واستعاروا مصطلحات اهل كل دين في ما ينشرون له , استعاروا للشهور
الـمـانوية اسماءشهور الامة التي ينشرون لها, وللالهة التي جاء ذكرها عندهم آلهة اولئك ومن هنا جاءت مصطلحات زرادشتية واسماء وابطال اساطير الفرس في ما ترجموا للفرس ومسيحية في ما ترجمواللمسيحيين , ويونانية لليونانيين , وبوذائية للصينيين , وكان بعض الالهة تسحب زملاءها معها عـنـدمـا تـدخـل فـي الـمـانـويـة , ولذلك تنامي عدد الالهة عندهم في القرون الاخيرة , وكثرت الـعزائم والسحر لدفع الشياطين , وهذا مضافا الى مافي اصل دين ماني من مخالفة للفطرة في دعوتها لقطع النسل لفناء العالم , كان سببالزوال دينهم بعد الف عام من الانتشار ((30)) .
شريعة ماني
في شريعة ماني صلاة وصوم وغناء ـ تراتيل ـ ولهم عيدسنوي وكنيسة تنقسم الى خمسة صالونات وكيفية الدخول في دينه : ان يمتحن الانسان نفسه على قمع الشهوة وترك اكل اللحوم وشرب الخمر والـنـكاح , فان اجابته نفسه , دخل في الدين , والا فان احب الدين ولم يستطع ترك جميع ذلك , يجعل لنفسه وقتا للتجردللعبادة , ويغتنم حفظ الدين والصديقين وهؤلاء هم السماعون عامة المؤمنين بماني وشـرع لـهـؤلاء صياما وصلاة , وفوقهم الصديقون , وشرع لهم عبادة وحرم عليهم اقتناء اي شي ء خـلاقـوت يـوم واحـد من الاطعمة النباتية , ولباس سنة واحدة , وادامة التطوف للدعوة والارشاد وفـوقـهـم الـقسيسون وعددهم 360شخصا, وفوقهم الاساقفة وعددهم 72, وفوقهم المعلم , ثم خليفة ماني ((31)) .
نهاية ماني ودينه
جـول مـانـي البلاد اربعين سنة ((32))
, دعا خلالها الهند والصين واهل خراسان , وخلف في كل نـاحية صاحبا له , وحظي بتاييداباطرة ايران وحكامها مدة 31 عاما مما يسر له نشر دينه في اقطار مـن الارض , وتـرسـيخه بين امم كثيرة من الناس , كانت منيته على يد بهرام بن هرمز, بعد ان بقي مستترا مدة حكمه ثلاث سنوات , واخيرا نجح بهرام في جلبه الى بلاطه ومحاكمته ,فقال له : انت لا تـشـارك فـي الحرب والصيد ولا تتمكن من علاج المرضى , فماذا تنفع ؟ فاجابه :
انقذت كثيرا من خـدمـك مـن الـشياطين والسحر, وابرات كثيرا من المرضى , واحييت كثيرا بعدان اشرفوا على الهلاك .
وفـي روايـة قـال له : انت تدعو الى خراب العالم فلنخرب بدنك قبل ان تنجح , وامر به الى السجن والقيد, فقيد بقيود تزن 25 كيلوغراما, وقضى في السجن 26 ليلة ثم مات من اثر القيد, عام277 م بعد ان عمر 60 عاما, ثم قطع راسه وصلب جسده بباب البلد ((33)) .
انتشار المانوية
انـتـشـرت الـمـانـوية في البلاد المسيحية منذ القرن الرابع الميلادي في اسبانيا وجنوب فرنسا وايـطـالـيـا وبـلـغـاريـا وارمينية ـ روسيا,ويقيت حتى القرن 15 م وانتشرت في شرقي ايران الى طخارستان ومرو وبلخ , وفي القرن الثامن استقر احد خلفاء ماني في طخارستان . وانتشرت المانوية في الصين في القرن السابع الميلادي , ومنحواحرية العمل فيها, ودان بالمانوية امبراطور الاقليم الشرقي منها,اواخر القرن الثامن , ثم ضيق عليهم في القرن التاسع , وبقيت المانوية في الصين حتى القرن الرابع عشر الميلادي ((34)) .
وروى المسعودي في مروج الذهب وقال : (كان اقوى دولة لدى الاتراك وانظمها في عام (332ه ـ 943م ) كوشان وهم مانويون ).
هكذا انتشرت المانوية لدى غير المسلمين .
وفي البلاد الاسلامية مال اليهم من الخلفاء الوليد الثاني الاموي (125 ـ 126) ه ((35))
ومروان بن محمد الجعدي (ت :132ه).
ولـقـب بـالجعدي نسبة الى استاذه الجعد بن درهم الذي يقال انه ادخله في الزندقة , وتعقبهم الخلفاء الـعـباسيون بالقتل مما سنشيراليه في ما ياتي , فهاجروا من العراق وايران الى شرق ايران وشمالها والـى تـركستان قال النديم : كنت اعرف منهم في عهدمعز الدولة 300 شخص ولم يبق منهم ـ زمن تاليف الفهرست ـ الا خمسة اشخاص , وهاجروا الى حوالي صغد وبيجيك وسمرقند ((36))
. بعد ايراد ما سبق عن الزندقة والزنادقة , نستعرض بايجاز شيئامن وجوه نشاطهم في عصر سيف , لتتم لنا به الدراسة عن شتى .
نواحي الزندقة يومذاك .
4 ـ نشاط الزنادقة
روى المسعودي في اخبار القاهر من مروجه ((37))
وقال عن المهدي العباسي : ((وامعن في قتل الـمـلـحـدين والذاهبين عن الدين لظهورهم في ايامه واعلانهم باعتقاداتهم في خلافته , لما انتشر مـن كـتـب مـانـي وابن ديصان ومرقيون , مما نقله عبداللّه بن المقفع وغيره , وترجمت من الفارسية والـفـهـلـويـة الـى الـعـربية , وما صنفه في ذلك الوقت ابن ابي العوجاء وحماد عجرد ويحيى بن زيادومطيع بن اياس تاييدا لمذاهب المانية والديصانية والمرقيونية ,فكثر بذلك الزنادقة , وظهرت آراؤهم في الناس )) الحديث .
نشاط الزنادقة
نستعرض فيما يلي بايجاز نشاط بعض من رمي بالزندقة :
1 ـ عبداللّه بن المقفع
الـمولود 106 ـ 142ه, ترجم للمنصور كتب ارسطو طاليس وغيره في المنطق , وكان ابن المقفع اول من ترجمها في الاسلام ,وترجم الى الفارسية كليلة ودمنة وكتبا اخرى , وانشا رسائل بليغة منها الادب الـصغير والادب الكبير واليتيمة , اتهم بالزندقة , وكان المهدي يقول : ما وجدت كتاب زندقة الا واصـلـه ابـن المقفع ((38))
هكذا ذكروا, بينما لم نجد في آثار ابن المقفع ما يدل على زندقته الاما ورد في باب برزويه من كليلة , والذي ثبت عندالمحققين انه من انشاء ابن المقفع نفسه حيث قال فيه على لسان برزويه :