(وقـد وجـدت آراء الـنـاس مختلفة , واهواءهم متباينة , وكل على كل راد وله عدو مغتاب , ولقوله مـخالف , فلما رايت ذلك لم اجد الى متابعة احد منهم سبيلا الى قوله : عدت الى طلب الاديان والتماس الـعـدل منها, فلم اجد عند احد ممن كلمته جوابا فيما سالته عنه فيما, ولم ارد فيما كلموني به شيئا يـحـق لي في عقلي ان اصدق به , ولا ان اتبعه , فقلت : الزم دين آبائي فلم تقبل نفسي ذلك , بل وجدتها تـريـد ان تتفرغ للبحث عن الاديان والمسالة عنها,فخطر على بالي قرب الاجل , ففكرت في ذلك , فـلـمـا خفت من التردد والتحول , رايت الا اتعرض لما اتخوف منه المكروه , وان اقتصر على عمل تشهد النفس انه يوافق كل الاديان , فكففت يدي عن القتل والضرب ـ الى قوله ـ واضمرت في نفسي الا ابغي على احد, ولا اكذب بالبعث ولا القيامة , ولا الثواب ولا العقاب ,وزايلت الاشرار بقلبي ـ الى قـولـه ـ فـحينئذ صار امري الى الرضا بحالي , واصلاح ما استطعت اصلاحه من عملي لعلي اصادف بـاقـي ايـامي زمانا اصيب فيه دليلا على هداي وسلطاناعلى نفسي وقواما لامري , فاقمت على هذه الحال وانتسخت كتباكثيرة ). يـوضـح مـا اوردنـا سير ابن المقفع الفكري : شك ((في الدين ,وترديد)) في قبول احد الاديان مع تـحول من الزرادشتية الى الاسلام في الظاهر, ثم القيام بما يوافق كل الاديان : من كف اليدعن القتل والضرب , وانتساخ كتب كثيرة وفي قوله هذا دليل على صحة ما نسبوا اليه , من نشره كتب الزندقة ولعله انتهى الامر به اخيرا الى دين ماني الذي يجد السائل فيه جوابا ما لاسئلته عن فلسفة التكوين مع ـ الغنوص ـ الزهد في الدنيا والمعرفة كماسبق ذكره , وكل ذلك يتناسب وطبيعة ابن المقفع من حب للعلم واحترام للزهد وبذلك بلغ ما تمناه في قوله : ((لعلي اصادف باقي ايامي زمانا اصيب فيه دليلا على هداي )).
2 ـ عبدالكريم بن ابي العوجاء
خال معن بن زائدة الشيباني ((39)), كان في البصرة من المشهورين بالزندقة والتهاون بامر الدين ((40)) , وجاء ذكرمناظراته في الدين في كثير من كتب التاريخ والحديث , منها: مـا جـاء فـي الـبحار ((41))
انه كان من تلامذة الحسن البصري ,فانحرف عن التوحيد وقدم مكة تـمـردا وانـكـارا عـلـى من يحج ,وكانت العلماء تكره مجالسته لخبث لسانه وفساد ضميره , فاتى ابـاعـبداللّه ـ جعفر الصادق ـ فجلس اليه في جماعة من نظرائه ,فاستاذنه في الكلام على ان تكون المجالس بالامانات , فلما اذن له قال : الى كم تدوسون هذا البيدر, وتلوذون بهذا الحجر, وتعبدون هذا البيت المرفوع بالطوب والمدر, وتهرولون حوله هرولة البعيراذا نفر, ان هذا اسسه غير حكيم , ولا ذي نظر, فقل فانك راس هذا الامر وابوك اسسه . فـقال ابو عبداللّه : ان من اضله اللّه واعمى قلبه , استوخم الحق ولم يستعذبه , وصار الشيطان وليه , يـورده مـنـاهـل الـهـلكة ثم لا يصدره ,وهذا بيت استعبد اللّه به عباده ليختبر طاعتهم في اتيانه , فـحثهم على تعظيمه وزيارته وجعله محل انبيائه وقبلة للمصلين له , فهوشعبة من رضوانه وطريق يؤدي الى غفرانه واللّه احق من اطيع فيما امر. فقال ابن ابي العوجاء: ذكرت اللّه فاحلت على غائب . فـقال ابو عبداللّه : ويلك يسمع كلامهم ويرى اشخاصهم ويعلم اسرارهم . فـقال ابن ابي العوجاء: فهو في كل مكان , فاذا كان في السماء,فيكف يكون في الارض ؟ واذا كان في الارض , فكيف يكون في . السماء؟. فـقـال ابو عبداللّه : انما وصفت المخلوق الذي اذا انتقل من مكان اشتغل به مكان وخلا منه مكان , فلا يدري في المكان الذي صاراليه ما حدث في المكان الذي كان فيه فاما اللّه العظيم الشان الملك الديان , فلا يخلو منه مكان , ولا يشتغل به مكان , ولا يكون الى مكان اقرب منه الى مكان . ومـنـهـا مـا ورد انـه سال ابا عبداللّه عن قوله تعالى : (كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب ) قال : ما ذنب الغير؟. قال : ويحك قال : فمثل لي ذلك شيئا من امر الدنيا. قال : نعم , ارايت لو ان رجلا اخذ لبنة فكسرها ثم ردها في ملبنهافهي هي وهي غيرها ((42)) . وفـي روايـة انه التقى معه في الحرم في العام القابل , فقال له : ماجاء بك الى هذا الموضع ؟ قال : عادة الجسد وسنة البلد, ولنبصرما الناس فيه من الجنون والحلق ورمي الحجارة . فقال له العالم ((43))
: انت بعد على عتوك وضلالك ياعبدالكريم , فذهب يتكلم , فقال : لا جدال في الحج ونفض رداءه من يده وقال : ان يكن الامر كما تقول ـ وليس كما تقول ـ نجونا ونجوت , وان يكن الامر كما نقول ـ وهو كما نقول ـ نجونا وهلكت . وفي رواية : ان ابن ابي العوجاء وثلاثة اتفقوا بمكة على ان يعارض كل واحد منهم ربع القرآن , فلما حـال الحول واجتمعوا في مقام ابراهيم قال احدهم : اني لما رايت قوله (يا ارض ابلعي ماءك ويا سماء اقلعي وغيض الماء) كففت عن المعارضة وقال الاخر:لما وجدت قوله (فلما استيئسوا منه خلصوا نجيا) ايست عن المعارضة , وكانوا يسرون بذلك , اذ مر عليهم الصادق وقراعليهم . (قل لئن اجتمعت الانس والجن على ان ياتوا بمثل هذا القرآن لاياتون بمثله )فبهتوا ((44))
. وروى الـمفضل بن عمر ((45))
انه سمع في مسجد الرسول صاحب ابن ابي العوجاء يقول له : ان محمدا استجاب له العقلاء,وقرن اسمه في الاذان باسم ناموسه . فـقال له ابن ابي العوجاء: دع ذكر محمد, فقد تحير فيه عقلي ,وحدثنا عن ذكر الاصل الذي جاء به الحديث . هـذا شـي ء مما جاء من مناظراته , وفي ترجمته بلسان الميزان انه كان في البصرة , وصار في آخر امـره ثـنـويـا, وكـان يـفسد الاحداث فتهدده عمرو بن عبيد, فلحق بالكوفة , فدل عليه محمد بن سليمان والي الكوفة فقتله وصلبه ((46))
وقد جاء في كيفية قتله ما رواه الطبري في حوادث عام 155ه قال : ان والـي الـكـوفة محمد بن سليمان , كان قد حبس عبد الكريم بن ابي العوجاء على الزندقة , فكثر شفعاؤه عند الخليفة المنصور,ولم . يـتـكـلـم فيه الا ظنين متهم , فكتب الى محمد بن سليمان بالكف عنه الى ان ياتيه رايه , وكان ابن ابي العوجاء قد ارسل الى محمديساله ان يؤخره ثلاثة ايام ويعطيه مائة الف , فلما ذكر لمحمد امربقتله , فلما ايقن انه مقتول قال : (امـا واللّه لئن قتلتموني , لقد وضعت اربعة آلاف حديث احرم فيه الحلال واحل فيه الحرام , واللّه لقد فطرتكم يوم صومكم ,وصومتكم في يوم فطركم ) ((47)) . لـيت شعري كـان هـذا الـزنـديـق الـواحد اعترف ساعة ياسه من الحياة بانه قد وضع اربعة آلاف حديث يحلل فيه الحرام ويحرم فيه الحلال , فكم عدد ما وضعه غيره ممن لم يشهرامره ؟
3 ـ مطيع بن اياس
ابـو سـلمى بن اياس من شعراء الدولتين : الاموية والعباسية , ولدبالكوفة , ونشا فيها شاعرا ظريفا خـلـيـعـا مـاجـنا ((48)) , وكان عاقابابيه ويهجوه ((49))اتصل بعمر ابن يزيد بن عبدالملك ومـدحه ,فاجازه بعشرة آلاف , واوصله الى اخيه الوليد فاستنشده ثلاثة ابيات له في الغزل فاطربه وشـرب عـلـيـهـا اسبوعا, ثم انقطع اليه وعاش في دولتهم ومع اوليائهم وعمالهم واقاربهم , وكان هوويحيى بن زياد الحارثي ((50)) . وابـن الـمقفع ووالبة يتنادمون ولايفترقون , ولا يستاثر احدهم على صاحبه بمال ولا ملك , وكانوا جـمـيـعـا يـرمـون بالزندقة ((51))
ذهب مطيع في آخر دولة بني امية واول ظهور بني العباس الى عبداللّه بن معاوية عند استيلائه على نواح من الجبل , ونادمه وله قصص معه ومع صاحب شرطه الذي كان دهريا ولا يؤمن باللّه ((52)) . وانـقطع في دولة بني العباس الى جعفر بن المنصور, وكان جعفر هذا يعترض على ابيه المنصور, اخـذ البيعة لاخيه المهدي بن المنصور, وفي يوم البيعة تكلمت الخطباء واكثرت الشعراء,واشترك مطيع معهم , فلما فرغ من كلامه مع الخطباء وانشاده مع . الـشـعـراء, قـال : يا امير المؤمنين , حدثنا فلان عن فلان , ان النبي (ص ) قال : ((المهدي محمد بن عـبـداللّه وامـه من غيرنا يملؤها عدلاكما ملئت جورا)) وهذا العباس بن محمد اخوك يشهد على ذلـك ثـم اقـبـل على العباس فقال : انشدك اللّه هل سمعت هذا؟ فقال : نعم ,مخافة من المنصور, فامر الـمـنـصـور الـنـاس بـالـبيعة للمهدي , ولماانقضى قال العباس : ارايتم هذا الزنديق , اذ كذب على اللّه ورسـولـه , لم يكتف حتى استشهدني على كذبه , فشهدت له خوفاوشهد كل من حضر علي باني كاذب فبلغ الخبر جعفرا فغاضه ,وكان ماجنا الحديث ((53))
. كره ابو جعفر منادمة مطيع بن اياس لابنه جعفر لما اشتهر به في الناس فدعاه وقال له : عزمت على ان تـفـسـد عـلـي ابـني وتعلمه زندقتك , فقال : انه يزعم انه يتعشق امراة من الجن , وهو مجتهدفي خطبتها, وجمع اصحاب العزائم وهم يغرونه وما فيه فضل لجد ولا هزل ولا كفر ولا ايمان , فقال له : عد الى صحبته واجتهدان تزيله عن هذا الامر ((54)) . ولمطيع هذا قصص كثيرة في المجون مع حماد عجردوصاحبته , ويحيى بن زياد وصاحبته , وجل شعره في الجواري المغنيات ((55)) . وقال في المغنية جوهر ابياتا منها: فلا واللّه ما المهدي . اولى منك بالمنبر. فان شئت ففي كفيك . خلع ابن ابي جعفر. فقال المهدي : اللّه م العنهما جميعا, ويلكم اجمعوا بين هذين قبل ان تخلعنا هذه وجعل يضحك من قول مطيع ((56)) . ولـه مـجالس كثيرة في المجون اوردها صاحب الاغاني بترجمته منها ما روى , وقال : اجتمع يحيى ومـطـيع واصحابهما فشربوااياما تباعا, فقال لهم يحيى ليلة : ويحكم حتى نصلي , فقالوا: نعم , فقال مطيع للمغنية : تقدمي فصلي بنا, فتقدمت تصلي بهم وعليها غلالة رقيقة مطيبة بلا سراويل فلما سجدت قطع صلاته ثم انشد ابياتا ماجنة . فقطعوا صلاتهم وضحكوا وعادوا الى شربهم ((57)) . وصـاحبه تاجر من اهل الكوفة فافسده , ومر عليه ذات يوم فاخبره مطيع بما عنده من اطايب الطعام والشراب وصنوف العيش ,ودعاه ان يشاركه فيها بشرط ان يشتم الملائكة , فنفر منه وكان فيه بقية من دين , وقال : قبح اللّه عشرتكم فضحتموني وهتكتموني ,فمضى ولقيه حماد فاخبره الخبر, فقال لـه حـمـاد: اساء مطيع واخطا, وعندي ضعف ما وصف وانت الشريك فيه على ان تشتم الانبياء فانهم تـعـبـدونا بكل امر متعب ولا ذنب للملائكة فنشتمهم ,فنفر التاجر وقال : انت ايضا ادخل , ومر بيحيى بن زياد ولقي منه مثل الاخرين فنفر منه ايضا, ثم ضيفوه على غيرشرط, فاكلوا وشـربـوا وصـلـى الـرجـل الظهر والعصر, فلما دب الكاس فيه قال له مطيع : تشتم الملائكة او تـنـصـرف ؟ فـشـتمهم , فقال له يحيى : تشتم الانبياء او تنصرف ؟ فشتمهم , ثم قالوا له : اتترك باقي صـلاتـك الـيـوم او تـنصرف ؟ قال : بل اتركها يا بني الزانية ولاانصرف , وفعل كل ما ارادوا منه ((58)) . وكـتب يوما الى يحيى بن زياد ((59))
يدعوه الى مجلس شرب له في الكرخ , وفي رواية : ان ذلك كان يوم عرفة , فشرب يومه وليلته واصطبح يوم الاضحى , فقال ابياتا منها: قد شربنا ليلة الاضحى . وساقينا يزيد. بعضهم ريحان بعض . فهم مسك وعود. وانتشرت هذه الابيات حتى بلغت المهدي فلم يفعل شيئا ((60)) . وكتب الى عوف بن زياد يدعوه الى مجلس شرب وعربدة في ابيات قالها: ان تشته فسادا. فعندنا فساد. الابيات ((61))
. وخرج هو ويحيى الى الحج , فلما بلغا دير زرارة قدما اثقالهماليبيتا ليلة واحدة فيه للقصف ثم يلحقا بـاثـقـالـهـما, فمكثا في الديرمنصرفين للقصف حتى انصرف الحاج من مكة , فركبا بعيريهماوحلقا رؤوسهما ((62))
ودخلا مع الحاج المنصرفين , وقال مطيع في ذلك : الم ترني ويحيى قد حججنا. وكان الحج من خير التجاره . خرجنا طالبي خيـر وبـر. فمال بنا الطريق الى زراره . فعاد الناس قد غنموا وحجوا. وابنا موقـرين من الخساره . وفي الديارات للشابشتي ايضا قال ابياتا منها: وصاحبنا بها ديـرا وقسيسا وخـمارا. وظبيا عاقـدا بين النقا والخصـر زنارا. شـرحنا لك اخبارا وادمجناك اخبارا ((63))
. وكـان مـطـيع يرمي بمرض قوم لوط, فدخل عليه قومه فلاموه على فعله , وقالوا له : انت في ادبك وشرفك وسؤددك ترمي بهذه . الفاحشة القذرة فلو اقصرت عنها؟. فـقـال : جـربوه انتم , ثم دعوا ان كنتم صادقين استقبلتنا به ((64)) .
في مرض موته
مـات بـعـد ثـلاثة اشهر من خلافة الهادي , وقال له الطبيب في مرض موته : ماذا تشتهي اليوم ؟ قال : اشتهي الا اموت ((65)). وخـلـف بـنتا واحدة اتي بها الى الرشيد في الزنادقة , فقرات كتابهم واعترفت به , وقالت : هذا دين علمنيه ابي وقد تبت منه , فقبل توبتها وردها الى اهلها ((66))
. هذا الشاعر على فسقه ومجونه وتهتكه كان من ندامى خلفاءالامويين والعباسيين وولاة عهدهم , قال الخطيب في ترجمته ((نادم المنصور ومن بعده المهدي )) ((67))
. روى صـاحـب الاغـانـي ان الـمهدي كان يشكر له قيامه في الخطباءووضعه الحديث لابيه في انه الـمـهـدي , وفـي الـرواية : ان صاحب الخبر ((68))
رفع الى المنصور بانه زنديق ويعاشر ابنه جـعـفراوجماعة من اهل بيته ويوشك ان يفسدهم , فشفع فيه المهدي ,وقال : انه ليس بزنذيق ولكنه خـبيث الدين قال : فاحضره وانهه ,فلما احضره المهدي قال له : لولا اني شهدت لك بالبراءة ممانسبت الـيـه من الزندقة لامر بضرب عنقك , وفي اخر المحاورة اجازه المهدي بـ 200 دينار, وكتب الى والي البصرة ان يوليه عملا, فولاه صدقات البصرة وعزل عنها واليها ((69)) . وعـاتبه المهدي في شي ء بلغه عنه , فقال : ان كان ما بلغك عني حقا فما تغني المعاذير, وان كان باطلا فما تضر الاباطيل , فقبل عذره وقال : فانا ندعك على جملتك ولا نكشفك ((70)) . * * *. لا تـنـاقض , بين ما ذكروا في المانوية من الغنوص ـ الزهد في الدنيا وحب المعرفة ـ وما نقرا في سـيـرة مطيع من خلاعة ومجون , اذ من الجائز ان يكون مطيع هذا من طائفة المقلاصية من المانوية الذين كانوا في عصر المنصور والذين قال عنهم النديم ((كانوا يرخصون لاهل المذهب والداخلين فيه اشياءمحظورة في الدين وكانوا يخالطون السلاطين )) ((71))
. ومـن الجائز ان مطيعا ونظائره من الماجنين من الزنادقة تجوزواما جاء في شريعة ماني ان على من اراد ان يدخل في الدين : (ان يمتحن نفسه على قمع الشهوة وترك اكل اللحوم وشرب الخمروالنكاح فـان اجابته نفسه دخل في الدين , والا فان احب الدين ولم يستطع ترك جميع ذلك يجعل لنفسه وقتا للتجرد للعبادة ويغنم حفظ الصديقين ) ((72)) . لعل هؤلاء تجاوزوا في هذا السماح حتى انتهوا الى هذا الحد من الاسراف في التحلل عن كل ضابط انساني . ونحن نجد في ترجمة مطيع دليلا قويا على زندقته : وهو ماذكروا من انه (خلف بنتا واحدة اتي بها الى الرشيد في الزنادقة ,فقرات كتابهم واعترفت به وقالت : هذا دين علمنيه ابي ) ((73)) . * * *. هذه ثلاثة نماذج من الزنادقة ترينا سيرتهم اوجه نشاط الزنادقة في عصر سيف : احدهم يترجم كتب الزنادقة وينشرها بين المسلمين . وثانيهم : ينشر التفسخ الخلقي والدعارة والمجون والتحلل من كل ضوابط الانسانية , ويجد سندا من مهدي بني العباس حين يحميه لانه وضع حديثا في شانه ورواه يوم بيعته . وثالثهم : جم النشاط كثير التنقل , فتارة في مكة يناظر الامام الصادق (ع ) في تشريع الحج وآي من القرآن , ويستهزئ بعقل الحاج , واخرى في حرم الرسول يستخف بناموس محمد ـالربوبية ـ وثالثة فـي البصرة يفسد الاحداث , هو في كل مكان ساع دؤوب نشيط في تشويش عقائد المسلمين وبلبلة افـكـارهم ,شانه في ذلك شان الاثنين الاخرين , فهم جميعا يشتركون في مايؤثرون ـ عامدين ـ في الـمجتمع الاسلامي من تخلخل وزعزعة لكيانه الفكري ونظامه الاجتماعي , واخيرا يهدد هذا في الـبصرة فيفر الى الكوفة , وهناك يشيع امره فيسجن للقتل وتكثر شفعاؤه لدى الخليفة المنصور ولا يـتـكـلـم فـيـه الاظنين حتى يخضع لهم الخليفة ويكتب لواليه على الكوفة بالكف عنه , ولكن سبق الـسـيـف امر الخليفة اليهم , وقتل قبل وصول امر الخليفة اليه , وفي ساعة قتله يخبرهم بانه وضع اربـعة آلاف حديث يحلل فيه الحرام ويحرم فيه الحلال يوم فطرهم . ولم ينحصر وضع الحديث عند الزنادقة بمن ذكرنا بل تعداهم الى غيرهم فقد نقل ابن الجوزي في كـتـابـه ((الـمـوضـوعـات )) ان الـزنـادقة قصدوا افساد الشريعة وايقاع الشك فيها في قلوب العبادوالتلاعب بالدين , ثم ذكر قصة ابن ابي العوجاء السابقة ثم روى عن المهدي ـ الخليفة العباسي ـ انـه قال : ((اقر عندي رجل من الزنادقة انه وضع اربعمائة حديث فهي تجول في ايدي الناس وقد كان في هؤلاء الزنادقة من يغفل الشيخ في كتابه فيدس فيه ماليس من حديثه فيرويه ذلك الشيخ ظنا مـنه انه من حديثه قال وقال جاد بن زيد وضعت الزنادقة اربعة آلاف حديث )) ((74))
ولايدرى الـى الـيوم اين ذهبت تلك الاحاديث , وما هي نظراؤها من احاديث وضعتها الزنادقة ودستها في كتب المسلمين غير ما وجدنامن احاديث سيف المتهم بالزندقة , فانه وضع آلافا من الاحاديث مما لايدرى عـددها, ذهبت في مصادر اسلامية منذ مئات السنين ,استطاع فيها سيف ان يحرف التاريخ الاسلامي ويبرزه على خلاف حقيقته . فـان كـان ابـن ابي العوجاء وضع اربعة آلاف حديث يحرم فيه الحلال ويحلل فيه الحرام , فان سيفا وضـع آلافـا من الاحاديث ,ابرز فيها اروع اصحاب النبي سخفاء جناة , والمغموصين في دينهم ذوي حـجـى وورع وديـن الاسـلامية واثر فيها على عقائد المسلمين وعلى راي غير المسلمين في الاسلام وفي هذايشترك سـيف مع من ذكرنا من الزنادقة في تاثيرهم على العقائدالاسلامية , وان كان سند مطيع في عمله ما وضعه من حديث في بيعة المهدي وبذلك كسب حماية المهدي له , فان سيفا ـ ايضا ـوضع جل احاديثه في تاييد السلطة القائمة والحط من مناوئيها,فكسب بذلك حماية السلطة لموضوعاته وكسب رواجها الـى يـومـنـاهذا, مضافا الى مجاراته ـ في ما وضع ـ لنفوذ العصبية القبلية في عصره وجنوحه هو بـنـفـسـه الى العصبية النزارية قبيلة السلطة القائمة مدة خلافة الراشدين والامويين والعباسيين , ولتفهم اثرالعصبية على سيف وعصره لابد لنا من دراستها, وقد عقدناالفصل الاتي لهذه الدراسة .
بحوث تمهيدية ـ 3
العصبية بين اليمانية والنزارية . ت في عصر الرسول . ت في عصر ابي بكر. ت في عصر الامويين والعباسيين . ت تعصب سيف للنزارية مصادر اخذت من سيف سبب .انتشار حديث سيف خلاصة البحوث
وقـعـت الـمـفـاخرة والمنافرة بين اليمانية (((وهم من عرب الجنوب )) ويقال لهم : قحطان وازد وسـبـائيـة ـ احـيـانـا ـ) والـعدنانية (((وهم من عرب الشمال )) ويقال لهم : مضر ونزار ومعد وقيس ((75))) في فجر الاسلام ومن بعد اجتماع افراد القبيلتين في المدينة اثر هجرة الرسول (ص ) الـيـهـا, وكانت المدينة قبل ذلك مسكنا للاوس والخزرج , وهما من نسل ثعلبة بن كهلان بن سـبااليماني القحطاني وكانت المنافرة والحروب بين الاوس والخزرج متصلة , ثم اجتمعت كلمتهم بعد هجرة الرسول (ص ) اليهم ولقبواجميعا بالانصار. وهـاجـر مـع الـرسـول جـماعات من النزارية ولقبوا بالمهاجرين ,وجمع الاسلام بين المهاجرين والانـصـار, وآخـى الـرسـول بـيـنهم فعاشوا في وئام حتى اذا كانت غزوة بني المصطلق وقعت اول منافرة بينهما عندما وردت واردة الناس على ماء المريسيع ((76)), فازدحم على الماء جهجاه بن مسعود وهو يقود فرس عمر بن الخطاب , وسنان بن وبر الجهني حليف الخزرج , فاقتتلافصرح الـجـهـني يا معشر الانصار الخزرجي رئيس المنافقين وعنده رهط من قومه فقال : اوقـد فـعـلـوها, قد نافرونا, وكاثرونا في بلادنا الاول : ((سـمـن كلبك ياكلك لـمن حضره من قومه : هذا ما فعلتم بانفسكم , احللتموهم بلادكم ,وقاسمتموهم اموالكم , اما واللّه لو امسكتم عنهم ما بايديكم لتحولواالى غير داركم .