دعوة المسيحيا والدي ألا ترى أن دعوة المسيح في بني إسرائيل لم يكن فيها ما يبهضهم في أصول ديانتهم وعباداتهم وناموس شريعتهم. بل كان أساس دعوته هو الحث على لزوم التوحيد وحق العمل بالشريعة وحفظ وصايا التوراة، والتعليم بمكارم الأخلاق وحسن العدل. وهذا مما يرتاح له نوع بني إسرائيل، ولم يكن في دعوة المسيح إلا أنها كانت تتعرض لرياء الكهنة والكتبة وجبروتهم في الرياسة الدينية، وأكلهم الدنيا باسم الدين وهذا أيضا مما ترتاح إليه نفوس العامة. ولكن لمحض ذلك قامت قيامة الكهنة والكتبة وأنصارهم، وجرى من أعمالهم مع المسيح والمؤمنين به ما تسمعه من التاريخ والأناجيل من أنواع الاضطهاد مع أن قدرتهم كانت محدودة بالسياسة الرومانية لا يستطيعون أن يعملوا شيئا إلا بالمحاكمة والتطبيق على قوانين السياسة بالاستعانة بالكذب وشهادة الزور وبذلك صالوا على المسيح والذين من بعده من أصحابه. فكيف حال الدعوة الإسلامية التي سمعت حالها مع العرب والوثنيين المتوحشين الذين شرحنا لك حالهم. فهل يمكن في العادة أن تستقيم بدون دفاع؟ وهل يصح في حكمة الاصلاح الديني والاجتماعي أن لا تعتز هذه الدعوة بالدفاع؟ وهل يجوز أن تسلم أمرها بالوهن إلى التلاشي بعدوان أضدادها.
إستعداد المسيح للدفاع بالسيف
إستعداد المسيح للدفاع بالسيفيا سيدي إن الأناجيل قد ذكرت وهن التلاميذ وضعفهم عن الصبر على الشدائد. وتفرقهم عن المسيح عند هجوم اليهود عليه كما أخبرهم به المسيح قبل ذلك. وقد أحصى هذا كله من الأناجيل في الجزء الأول من كتاب الهدى صحيفة 30 و 31 فراجعه فإنك تعرف أن ألوفا من أمثالهم لا يقومون مقام واحد من أصحاب (محمد) في الصبر والثبات على الإيمان والتفادي في سبيله. ومع ذلك فإنجيل لوقا يذكر في العدد السادس والثلاثين من الفصل الثاني والعشرين أن المسيح أراد من تلاميذه الاستعداد للدفاع بالسيف وقال لهم: (من ليس له فليبع ثوبه ويشتر سيفا) ولكن يا للأسف لم يحيوا أمره المؤكد لهم جميعا بالسمع والطاعة. بل قالوا قول المتثاقل المتشبث بالمعاذير (ههنا سيفان) فلم ير المسيح في جواب تثاقلهم إلا أن يقول: (يكفي) وظاهره أن جوابكم يكفي في بيان وهنكم. يا والدي إن اليهود والنصارى يعتقدون أن التوراة الموجودة هو كتاب الله جاء بشريعة الله في كلام الله لموسى رسوله. وقد كثر في هذه التوراة الأمر بالمهاجمات الحربية الابتدائية في الحروب القاسية الآمرة بذبح الأطفال والنساء. والتوراة وكتاب يشوع (يوشع) يذكر أن موسى الرسول ويشوع مختار الله قد عملا بهذا الأمر القاسي على أقسى وجوهه كما مر في الجزء الأول في صحيفة 69 مع أن التوراة وكتاب يشوع لم يذكرا أن ذلك كان لأجل الدعوة إلى التوحيد والإيمان والاصلاح. بل لم تذكر التوراة غاية لهذه الحروب القاسية إلا انتهاب الأرض من سكانها المطمئنين بها وإعطائها لشعب بني إسرائيل الذين لم يستقروا على التوحيد والشريعة والطاعة جيلا واحدا. يا والدي فهل من الصواب وشرف الانصاف أن نغض الطرف عن هذا كله ونعترض على الاسلام دين التوحيد الحقيقي والاصلاح والمدنية حيث اضطرته الأحوال إلى أن يدافع عن صلاحه عدوان الوثنية وفساد الوحشية.يا والدي إنك إذا تأملت في فلسفة الاصلاح الديني الاجتماعي بل وعواطف الاجتماع رأيتها بوجدانك تسوغ لمحمد في عصره المظلم بالظلمات المتراكمة أن يبتدئ بالمهاجمة في سبيل إصلاحه. فكيف نعترض عليه إذا سلك أرقى مسلك في الاصلاح. ألا. وهو الدفاع الجميل الذي تقوم به الحجة، ويحدده الصلاح وعواطف الرحمة بأكرم الحدود وأشرفها.