المزاج وأعوانهترى ما لا يحصى من الشبان والكهول ذوي المزاج الدموي الحاد القوي والراحة والقوة والعيش الرغيد وهم غير مزوجين وفي شدة الشوق والحاجة إلى مقاربة النساء وفي موقع وحرفة يكثر فيها ابتلائهم بالنساء الجميلات المتبرجات والداعيات إلى أنفسهن بمغوى الكلام السحار ومغازلة الإشارات ومخادعة الجمال الفتان وتراهم مع ذلك على جانب كبير من العفة والتقوى. تمثل له عفته وتقواه المرأة الأجنبية مثال الحجارة وتجعل سحر كلامها ومخادعة إشاراتها كالرقم على الماء يقضون على ذلك السنين والازمان وترى الكثير من المتقدمين بالسن ذوي المزاج البلغمي والقوة الساقطة وهم في غنى عن الزنا بوجود نسائهم ومع ذلك يتطلبون ويقتحمون في شناعته وخسارته ومتاعب تحصيله ورذالة تطلبه ومضار عاقبته. يتسارعون إليه سواء حصلت لهم امرأة جميلة أو قبيحة. وكم ترى بين الفريقين المذكورين من ذوي الدرجات المختلفة في العفة والزنا. أما إن الالتفات إلى ذلك يعرف الحر أن العفة والتقوى، والفساد و الزنا ليست معلولة للمزاج ولا من لوازمه الطبيعة. كم وكم ترى من ذوي المزاج العصبي من لا تستفزه الحدة والغضب ولا التجبر والكبرياء ولا نخوة الغيرة ولا تبعثه على ما يمنع عنه الشرف والفضيلة والعقل والشرع. بل تراه يكون في جنب ذلك ألين ما يكون جانبا وأحسن ما يكون حلما وهدوا وصلاحا. وكم ترى من لا يكون مزاجه عصبانيا وهو منغمس بالأعمال التي يضطهد بها النواميس العقلية والشرعية وتشمئز منها الانسانية والصلاح والفضيلة. وكم ترى بين الفريقين من ذوي الدرجات المختلفة في الأحوال والأعمال. وكم ترى صاحب المزاج الخاص ينقلب في أعماله وأخلاقه إلى ضدها من دون تغير في مزاجه وطبيعياته.
السحنة ودلالتها الطبيعية
السحنة ودلالتها الطبيعيةأنظر إلى صنف من الأصناف التي نعدها كما ذكروها. أنظر إلى قصار القامة. وإلى ذوي الأنوف الطويلة والعيون الزرق. وإلى ذوي العيون السود اللامعة مع الاستدارة والرطوبة، والأنوف والشفاه السمكية والأفواه الواسعة. وإلى ذوي الوجوه المنقبضة والعيون المجوفة والحواجب السمكية المتنافرة والشفاه الرقيقة والأصوات الخشنة. وإلى ذوي الأجسام السمينة الضخمة.. وإلى طوال القامة ونحاف الأبدان ومتوسطيها. وإلى الذين تخالف سحنتهم هذه الأوصاف المذكورة أنظر إلى هذه الأصناف وتتبعها فإنك تجد في كل صنف منها بكثرة من هو خداع فتان أو ماكر أو فاسق أو ردي قاس أو صالح ممتاز بالأخلاق الفاضلة أو متوسط في أعماله وأحواله. وتجد في كل صنف كثيرا ممن هو ليس بخداع ولا فتان ولا ماكر ولا فاسق ولا ردي قاس ولا صالح حليم. لا تجد لما يزعمونه من آثار السحنة أثرا مطردا ولو في الغالب بل الكل منقوض بالشطر الوافر والأوفر بحيث يتضح لك أن أعمال الناس وأخلاقهم وملكاتهم ليست معلولة لأحوال أو أوضاع جسدية وأمور طبيعية في الجسد، لا تعتمد على ذلك في شخص إلا وتراه منقوضا في شخص آخر بل إنك كثيرا ما ترى الشخص الواحد يكون على أعماله وأخلاقه مدة ثم ينقلب إلى غيرها أو ضدها من غير تغيير في سحنته.