غرضهم معرضين عن خطر التقحم في لجة البحث عن حقيقتها بحدودها تمسكا بفضيلة معرفتهم بحدود إدراك النوع البشري وصدا لجماح الجهل المركب من أن يتقحم في هذا الغمر الهائل. كالطبيعي الذي يعرف القوة الكهربائية ببعض أعمالها حيادا عن التقحم في البحث عن حقيقتها التي اعتركت فيها الآراء. ولأجل سهولة التعبير قالوا في تعريفها ما ذكرته. قالوا ذلك إشعارا بمحل بحثهم في أثرها وأعمالها في الهيكل الانساني متغاضين عما يعترضهم من المزاعم وعن دعوى أن النفس لا يستقل وجودها عن المادة ولا يكون لها عمل وأثر بغير المادة. وإن أردت بيان مقصودهم في خصائص النفس فإنهم يقولون إنا إذا نظرنا إلى النوع الانساني نظر بصيرة وتحقيق وجدتا لنفسه من الخصائص قسمين ممتازين. أما القسم الأول: فهي خصائص وأعمال آلية تستخدم بها الجسد التي هي مرتبطة به هذا الارتباط الأكيد المشاهد.وليكن منها الاحساس والتكفير والوجدان فهذه الخصائص من حيث المصدر هي خصائص النفس لأنها تدور حول النفس وارتباطها بالجسد ويقف ظهورها نحوا ما باحتجابها بالنوم أو الإغماء فضلا عن الموت. نعم بما أن هذه الخصائص آلية فإن ظهور آثارها للوجود يتوقف على استعمال الآلة وصلاحيتها كتوقف عمل النجار على آلاته الصالحة. أنظر إذا بطلت أعمال النجار عند حصول الخلل في الله وانقطاع رابطته بها فهل يقول مستقيم إن صناعة النجارة ومزيتها وإرادتها هي للآلة وليس للنجار مزية ولا خاصة أو يقول هي مشتركة بينها وبين النجار بحيث يقول: إن النجار يفقد مزية الصناعة وملكتها إذا لم يظهر مفعولها عند اختلال الآلة! لا تحسب أنا نريد الاقناع فيما مضى وههنا بالتمثيل بل إنا يكفينا من الأدلة ما يأتي.