في الشريعةأيها الدكتور فهذا الإله الكامل على الإطلاق العالم بالخفيات والمحيط بحقائق المصالح والمفاسد وأسرارها إله الرحمة والرأفة والصلاح والاصلاح هل يليق بجلاله وكماله وقدسه ورحمته أن يهمل الانسان المدني الطبع ويتركه بلا تعليم يكمله ولا شريعة تنظم اجتماعه وتهذب مدنيته وتحفظ الحقوق وتقوم بالاصلاح جارية على حقيقة الحكمة في مصلحة النوع والفرد تكافح فلتات الجهل بحقائق المصلحة النوعية وتقاوم الشهوانيات الشخصية والعصبيات القومية والعوائد الاستبدادية؟أم هل يليق بجلاله وقدسه وكماله ورحمته أن يهمل الانسان من تعليمه بالأخلاق الفاضلة لكي يتجمل بفضيلتها وينتظم بها أمر الاجتماع وتشابك المدنية.وينبهه على الأخلاق الردية لكي يصد بذلك مخادعة الأهواء ومخالسة الشهوانيات ومغالطة العوائد فيصون العمران والمدنية والاجتماع وشرف الانسانية وسعادة مستقبلها من وباء الأخلاق الردية وعواصفها المدمرة. ذلك الوباء وتلك العواصف التي نراها في أرقى العصور بزعم الزاعمين قد تركت الانسانية في جميع العالم ترزح وتئن تحت أثفالها الباهضة ونير العناء وتلاعب الأيدي المبرقعة. أم هل يليق بجلاله وقدسه ورحمته وكماله أن يترك نوع الانسان ألعوبة لجهله وأهوائه في جهات العبادة لإلهه وأسباب شكره والتقرب له وطلب الوسيلة إليه ومعرفة المستقبل وكشف الغطاء عن الحقيقة وأسباب نيل السعادة فيه.فيترك الانسان يخبط في هذه الشؤون في أدواره وأجياله ذلك الخبط المدهش. قد لعبت بالانسان أيدي الجهل والأهواء ما شاءت. تارة يعبد الأوثان من الأخشاب والمعادن والأحجار يجهد نفسه بالمشقات الكبيرة والرياضات الشاقة في عبادتها. وتارة يعبد باللهو واللعب والرقص والمعارف. وتارة ينذر نفسه للزنا واللواط به في سبيل عبادة الأصنام ويسمي نفسه إذ ذاك (قديس) وتارة يذبح لها بنيه وبناته ويحرقهم بالنار. وتارة يقدم مئاتا وألوفا من الذبائح البشرية في أوهام الخيرات للموتى.