وجهة النظر فی روایات الأصوات العربیة نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
ثم يأتي (فلوبير) برؤيته الخاصة في إخفاء (الكاتب/ الروائي) تنظيريا، ثم محاولته التنفيذية في (مسرحة الأحداث) واحدة من المحاولات التي مهدت بقوة لرواية الأصوات من بعده، لأن رواية الأصوات تعتمد في نجاحها على التواري المقصود من الروائي وعلى فكرة الحوار أو مسرحة الأحداث - بطريقة خاصة سنتوقف معها - على الرغم من أن (ديستوفيسكي) كان الأجدر بالتنفيذ النموذجي للأصوات. وأعتقد أن (رواية الرسائل) تعد هي الأخرى من إرهاصات (رواية الأصوات) لأنها تعتمد على شخصيات مستقلة ومتحاورة، والتمتع بالاستقلال وبالحوار جاء بشكل أكثر تطوراً في رواية الأصوات حتى أننا نعده من أهم الخصوصيات المميزة لتكنيك رواية الأصوات، وتعد رواية (ماجدولين) أو (تحت أشجار الزيزفون) للكاتب الفرنسي صورة متطورة وجيدة لرواية الرسائل التي استقرت على عدد محدود من الشخصيات وتحلقوا جميعاً حول قضايا واحدة، وكان الحوار عبر الرسائل المتبادلة ثم إن الحدث الواحد يتم عرضه مرات عديدة عبر الرسائل المتبادلة بين الشخصيات، ومن هنا اعتقد بوجود مشابهة -إلى حد ما- بين رواية الأصوات ورواية الرسائل. وبالنسبة لأدبنا العربي الحديث نجد محاولة روائية متواضعة اعتمدت في بنائها على الرسائل المتبادلة بين شخصيات ثلاث (إبريسم /رجاء/ سداد) وكانت رواية (إبريسم) أو (غرام حائر) للروائي محمد عبد الحليم عبد الله، وقد كتبها في شبابه وبدايات عهده بالرواية سنة 1935/1936. أما المحاولات غير الناضجة تنفيذياً وكان لها السبق قبل (ديستوفسكي) فهي محاولة (ن. غ تشير نيشيفسكى) حيث وقع على تنظير جيد وهو يبحث عن تصميم موضوعي Construction لموقع المؤلف الحيادي. وكان معاصراً لـ ديستوفسكي، ولكنه سبق ديستوفسكي في روايته (درة التكوين) التي سعى فيها لتخطي الحدود السائدة لشكل الرواية المنولوجية، ويبدو أن هذه المحاولة لم ترتفع إلى مستوى محاولات (ديستوفسكي) ولذلك لم يكتب لها الانتشار على الرغم من السبق. إلا أن تنظيراته كانت الأقوى في هذا المجال لأنه ركز على نقطتين مهمتين لرواية الأصوات، أما الأولى فهي موقع الروائي ودعا إلى أن يكون الروائي حيادياً بارداً كالجليد، والأخرى هي الحرص على التباين بين شخوصه الروائية تبايناً يشبه ألوان قوس قزح -على حد تعبيره- وقال يعبر عن حيادية المؤلف: "كل شخصية تقول دفاعاً عن نفسها (الحق معي) لكم أن تحكموا على هذه الشخصيات الروائية التي تتبادل المديح فيما بينها، وتتبادل الذم فيما بينها أما أنا فلا شأن لي بذلك. والتنظير الذي قال به (ن. غ. تشير نيشيفسكى) رائع فيما يخص حرصه على التباين بين شخوصه الروائية وهي فكرة (اللاتجانس) التي تمثل قاعدة الإبداع الأساسية لرواية الأصوات. وأما فيما يخص حيادية الكاتب التي تصل حد البرود فإنني أضم صوتي إلى النقاد الذين عابوا عليه هذه المبالغة الحيادية والحيادية مطلوبة في رواية الأصوات ولكن وصولها إلى هذه الدرجة فيه قدر كبير من المعاناة للروائي.. وصعوبة أخرى لإقناع المروي له أو المروي عليه بذلك.