إذا كانت اللغة الشعرية مشدودة نحو مركزية مبدعها فتظهر بمستوى أحادي، فإن اللغة الروائية بصفة عامة والأصوات بصفة خاصة تتحرك تحركاً عكسياً، فلا تتجه نحو المركزية، وإنما ترغب في التحرك على محيط الدائرة الإبداعية للأحداث الروائية بكل تنويعاتها، وتعبر عن مستويات الأصوات (بكل فئاتها) ومن ثم فقوة اللغة الروائية تكمن في تجاوزها للقيد المعجمي المحدود وفي ارتباطها بالواقع التاريخي والأيديولوجي. ولما كانت اللغة الروائية تجسيداً لا يجادل، لأن الصياغة واحدة للمعنى.. فرصدت اللغة للرواية نشاطها الإبداعي.. ولما تفككت قيود السلطة الكنسية في أوربا وقيود الطبقة الأرستقراطية، انفتحت اللغة الروائية على مستويات الوعي المختلفة للطبقة البرجوازية، وساعدت اللغة الروائية المتنوعة على ازدهار الرواية، ومن ثم كان التعدد اللغوي داخل الرواية مكسباً فنياً لم تتنازل عنه الرواية إلا في فترة محددة مع (رواية السفسطائيين)، ثم عادت بفعل الواقعية ومع رواية الأصوات التي تشحذ إدراكنا للفروق الاجتماعية اللسانية بشكل توثيقي، لأن دور الروائي ليس العمل على صهر الفروق اللغوية للأصوات الروائية، وإنما العمل على عدم انتهاك إرادتها الواقعية والفنية، لأن تجسيد الفروق اللغوية والصياغية للأصوات هي رغبة في إبراز خصوصية الفروق الاجتماعية والثقافية، ومن ثم فالتعدد اللغوي مساعد على الإقناع بأحداث رواية الأصوات بخاصة لأنها قائمة على قاعدة (اللاتجانس). والكلمة في رواية الأصوات ذات أنماط ثلاثة: النمط الأول: كلمة المؤلف النمط الثاني: كلمة الراوي النمط الثالث: الحوار الخارجي والداخلي (الصوت) ومن المفترض مع رواية الأصوات أن يختفي النمط الأول أو يضعف تحت ضغط وقوة النمط الثالث المعبر عن الأصوات، وهو الذي يفرض التعدد اللغوي هنا تبعاً لمساحة الحرية المعطاة للأصوات، ومساحة الحرية الكبيرة الممنوحة للأصوات لا بد أن يتبعها تقلص في مساحة ظهور النمطين الأول والثاني بالتبعية، وهذا هو الوضع الطبيعي لرواية الأصوات، لأن التعددية الصوتية نوع من التجانس الطبيعي مع اللاتجانس للأصوات الروائية بوجهات نظرها المتباينة ومستوياتها الاجتماعية والثقافية المختلفة.