وجهة النظر فی روایات الأصوات العربیة نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
وإزاء هذه الخصوصية النوعية لرواية الأصوات (اللاتجانس) تصبح النقدات الباحثة عن حدود الانسجام القسري لإبراز وجهة نظر واحدة تصبح نقدات غير مقيدة وغير مقدرة لخصوصية البناء الفني لرواية الأصوات الذي يحفل باللاتجانس. ومن ثم لو استعنا بالتحليل الأيديولوجي سيقودنا إلى أدلجة الرؤى أو اختصارها واعتصارها في رؤية أحادية. ولو استعنا بالتحليل النفسي سيقودنا لتحليل قد يبعدنا عن الموضوعية المعبر عنها. وسيضعنا أمام مساحات واسعة تستوعب التأويل والإسقاط. أما الاستعانة بوجهة النظر بدلالتها الفكرية والفنية، ستمكننا من رواية الأصوات وستقدر خصوصية اللاتجانس التي تتمتع بها رواية الأصوات، والتي تتمايز بها عن غيرها من الروايات التقليدية الأخرى. في رواية (أصوات) لسليمان فياض يقرر (حامد البحيري) العودة إلى الوطن مع زوجته الفرنسية (سيمون)، وعندما وصل قابله المأمور والعمدة واحتفت بهما البلدة، ثم حركت الغيرة نساء القرية (زينب / نفيسة القابلة/ أم أحمد) وقمن بختان (سيمون) عنفة فماتت غرقاً في دمائها. إن اختصار المعطيات والأصوات كلها في هذه الرواية في معنى واحد فقط هو لقاء الشرق بالغرب لأمر فيه إجهاض لمعطيات هذه الرواية، وفيه ظلم شديد لـ (اللاتجانس) للأصوات في هذه الرواية، لأن (سيمون) صوت تحركت حولـه وجهات النظر (المأمور) صوت السلطة في بعدها الإنساني المثقف، و(أحمد) صوت للغيرة والحقد الدفين، و(العمدة) ممثل للدهشة والإعجاب المنقطع النظير، و(زينب ونفيسة) صوتان لغيرة المرأة.. و(سيمون) نفسها صوت يعبر عن انفتاح الشهية والرغبة في الاستطلاع.. بالإضافة إلى أصوات أخر.. فهل يمكن أن نتغافل معطيات هذه الأصوات لنكتفي فقط بفكرة لقاء الشرق بالغرب.. هل يمكن أن نتجاوز هذه الأصوات المتباينة لنجمعها قسراً تحت وجهة نظر أحادية..؟ إن المسلك النقدي الذي لا يقدر (اللاتجانس) في رواية الأصوات لا بد أنه سيقع في تجاوزات علمية في تقييمه لمعطيات أي رواية أصوات. إن الأمر يختلف مع رواية الأصوات عنه مع الرواية التقليدية، فمثلاً (عصفور من الشرق) للحكيم رواية تقليدية، وفكرة لقاء الشرق بالغرب من خلال منظور ذاتي أمر واقعي وإقراره إقرار لكل المعطيات الفكرية في هذه الرواية، لأن الذي لم يستطع أن يظهره الحكيم في هذا اللقاء الحضاري بينه وبين محبوبته (فتاة شباك المسرح) استطاع أن يستكمله بشكل مباشر في حواره مع صديقه الروسي المغرم بالشرق. إن الأمر هنا يختلف فليست هنا أصوات، وليست هنا رؤى متباينة وإنما رؤية واحدة تتحرك نحوها الأحداث الروائية، وهو الأمر نفسه في رواية (أديب) لطه حسين، و(قنديل أم هاشم) ليحيى حقي، و(الحي اللاتيني) لسهيل أدريس، و(موسم الهجرة إلى الشمال) للطيب صالح. كلها روايات تناولت موضوع الشرق والغرب بوجهة نظر أحادية تبرز التباين بين حضارتين (الشرقية بدفئها وأبخرتها ورومانسيتها، والغربية بماديتها وصلابتها وبرودتها). أما رواية سليمان فياض (أصوات) فالأمر جد مختلف، لتمتع الأصوات الروائية بوجهات نظر متباينة، فالعمدة يختلف عن أحمد، وحامد البحيري يختلف عن سيمون، وسيمون تختلف عن زينب.. ومن هذا التباين ولدت رواية أصوات تعبر عن وجهات نظر متباينة..