وجهة النظر فی روایات الأصوات العربیة نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
لكن منطوق الأصوات من خلال الروائي لم يحفل بمفارقات أسلوبية أولاً لتمكن الرواي وسيطرته وأخراً لتقارب المستوى الثقافي بين الأصوات الروائية، ومن ثم كانت التعددية اللغوية هنا خارج منطوق الأصوات وسكنت الوسائل التصويرية المحيطة بالأصوات الروائية. أما الروايات التي لم تحفل بالتعددية اللغوية، واكتفت بالتعددية الصوتية فهي كثيرة في رواياتنا التطبيقية في هذا المجال، ويعود السبب في تصوري إلى وجود ثلاثة أوضاع من العرض قد تسببت في غيبة التعددية اللغوية. الوضعية الأولى تتمثل في بروز الراوي أو الروائي المسيطر سيطرة كاملة حتى أن الأصوات قدمت بـ (هو)، ومن ثم وجد هذا الراوي مبرراً ليصيغ صوغه بأسلوبه هو دون الصوت الروائي، ومن هذه الروايات نؤمثل برواية (المسافات) لإبراهيم عبد المجيد فهو يحدثنا عن الأصوات ويجعل أصواته بضمير الغائب غالباً ومن ثم لم يعط الصوت فرصة التعبير المباشر عن نفسه وكان من الطبيعي أن تترجم هذه السيطرة إلى توحد الصياغة اللغوية بحيث لا نستطيع أن نجد فروقاً جوهرية بين صوت وآخر (سعاد/ ليلى/ علي/ جابر/ أم جابر..). وإن كنا نجد عذراً لأصوات (المسافات) يتمثل في تقارب المستوى الاجتماعي والثقافي، فإننا لا نجد هذا العذر في رواية القعيد (يحدث في مصر الآن)، لأن شخوصه متبانية أشد التباين فنحن مع الفلاح الأجير الفقير الجاهل (الدبيش عرايس) وأمام صوت الإقطاعي، وصوت لطبيب وآخر لضابط وتومرجي.. وجاء الأسلوب بصوغ واحد متجاهلاً بذلك تلك الفروق الاجتماعية والوظيفية والثقافية بين الأصوات، وهو توحد سلبي هنا في رواية الأصوات، لأنه يهدم اللاتجانس الذي يبرز وجهة النظر والذي يبرر تكنيك رؤية الأصوات وصوغها على هذا النحو الترهيني. في رواية (يحدث في مصر الآن) عمد مؤلفها القعيد إلى شكل تصور أنه يفتق به شرنقة الصوغ والشكل التقليدي إلا أنه كراو شاهد على الأحداث فرض صوغاً أسلوبياً واحداً لم يميز بين الضابط والطبيب والفلاح الجاهل وحتى (الدبيش عرايس) لم يأت بلزمات تعبيرية تمهر انتماءه الطبقي، وأصبحت المسميات الوظيفية وردود الأفعال فقط هي المشيرة على اللاتجانس على مستوى العقل ورد الفعل للأصوات بينما غاب الدعم الصياغي للتعدد اللغوي على الرغم من احتفال الرواية بالترهين السردي المعزز للوعي الحواري: إلا أن الكاتب لم يستثمره. والوضعية الثانية التي تبرز أسباب اختفاء الأسلبة والتعدد اللغوي في بعض روايات الأصوات العربية في مصر وجود تقارب ثقافي وطبقي بين الأصوات مما ساعد على إسقاط التعدد اللغوي بالتبعية، وتلاحظ ذلك في أصوات روايات نحو (تحريك القلب لعبده جبير/ ميرامار لنجيب محفوظ/ الكهف السحري لطه وادي). وفي رواية (الكهف السحري) تحتكر شخصية (إبراهيم وكريمة) الأحداث الروائية، واستأثر بأكبر قدر من الحوارات.. وكان تقارب الصوغ الأسلوبي مع كل صوت ومع حواراتهما مبرراً بتقارب المستوى الثقافي والبيئي فكلاهما عمل مدرساً للغة الإنجليزية.. وانحسرت الفروق إلى حدود ضيقة كان يمكن إبرازها كاللزمات التعبيرية- مثلاً- ولكننا لم نقع حتى على هذه اللزمات، وصبغ الروائي المسيطر الأصوات بأسلوبه فذابت التعددية اللغوية وأثر ذلك في حجم التباين المفترض في التعددية الصوتية.