وجهة النظر فی روایات الأصوات العربیة نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
وتأتي رواية (السنيورة) براويها المتحكم أقرب إلى (المسافات) فبالإضافة إلى سلطة الراوي- المحدودة هنا- التي أضعفت بالتبعية سلطة الأصوات، كان اختيار الأصوات لا يساعد على استقلاليتها ولا يعلن إلا التجانس المتحقق بفعل الأصوات التي تنتمي جميعاً لأسرة واحدة في مرحلة سنية واحدة ليحكوا عن شيء واحد، فالصوت الأول (للولد مختار) والصوت الثاني للولد (طلبة) والصوت السابع للطفلة (وسيلة) وبين هذه الأصوات جاءت أصوات (مسطحة)- إن صح التعبير- لتعلن عن تبعيتها واستسلامها مثل (شيخ البلد/ سيدنا/ حفناوي/ ثم معاطي). ويبدو أن موضوع الرواية قد فرض على الأصوات نوعاً من التجانس النسبي لأنهم أميون وقرويون، ولذلك لم يعبر أي صوت عن وجهة نظر مستقلة له لأن الأصوات غير ناضجة هنا والمكان الذي أنشأهم واحد فالتفكير والعادات بل والآمال متشابهة فالرجال جميعهم يطمعون في شرف الفوز بـ (سايس بغلة التفتيش) لأنهم فهموا أن هذه الوظيفة اسمية فقط وأن الفعل الحقيقي هو إرواء شبقية السنيورة) الجميلة ولذلك تسابق رجال القرية للإعلان عن الفحولة والقوة التي تحقق لهم ذاك القرب. ولذلك نستطيع أن نقول -كما نقول في الروايات التقليدية- بأن مجموع الأصوات أدى إلى تنامي الحدث الروائي وإتمامه لإعلان وجهة نظر عامة ابتلعت وجهات النظر الأخرى الضعيفة ضعف الأصوات المتجانسة -نسبياً-. ونستطيع القول إذن أن هذا التجانس قد ساعد الأصوات جميعها لرسم صورة مصغرة للدنيا وغرورها ومظهرها الجميل وخباياها المزعجة، وجعل من (السنيورة) رمزاً لهذه الدنيا، ولم نجد من بين هذه الأصوات إلا صوت (سيدنا) الذي استطاع بقراءته المتعثرة (ثقافة/ تعلم) أن يكتشف السر... وعبثاً حاول إعلانه وإفشاء الحقيقة المرة عن منصب (سايس بغلة التفتيش)، لكن طبول الآمال وغناء الجموع قد علت على صوته فلم تصل الحقيقة لأحد. إذن فاللاتجانس لم يتحقق هنا، ومن ثم لم نقع على وجهات نظر داخلية، وإنما وجدنا وجهة نظر أحادية ساعدت الأصوات المتجانسة على تبليغها لاسيما وأن أصوات الأطفال (مختار-طلبة- وسيلة) كانت تعبيراً عن الفطرة بطريقة تلقائية فكانت الأعمق تأثيراً لأنها أصوات لا تحمل أي درجة سلطوية في الإبلاغ وهو مصدر قوتها. أما رواية (الكهف السحري) فلم تخلص الأصوات للتبليغ بشكل مباشر، لأن الراوي فرض نفسه على الأصوات لاسيما في فصل الصفر الإبداعي مع (إبراهيم) فكان شاهد عيان يصف ما يراه من إبراهيم وما يراه في بيت إبراهيم.. . ثم تدخل الراوي مرة أخرى ليتم شيئاً لم تتمكن الأصوات من تبليغه وهو سبب اعتقال (إبراهيم). واعتقد أن أسلوب الراوي إعلان عن ماض تقريري أضعف حالات الترهين السردي التي أوجدتها الأصوات في هذه الرواية. أما البنية النصية لهذه الرواية فاستمدت قوامها من (الواقع الاجتماعي والسياسي) وهو أمر سابق على النص الروائي، ومن ثم جاءت الأصوات مع الراوي لإنتاج بنية تمثل امتداداً لواقع وليست خلقاً له...، وليست محاولة لاكتشافه، وكان الصراع قد اختصر أولاً بين القيم والمثل (إبراهيم) بثوابتها الأخلاقية، وبين حركية الواقع السياسية، وإذا بصوت (إبراهيم) يمثل مركزية تحلقت حولها الأصوات الأخر في الرواية، وقد أضعف هذا الأصوات (الأب/ الأم/ عبير..) ولم تمثل درجة من القوة تعلن بها وجهة نظر، ولأن الممارسات القمعية لمتغيرات السياسة وعنفها مع الثوابت الأخلاقية (إبراهيم) قد تردد صداها داخل المجتمع فتحولت الأصوات الأخر إلى أصوات تدليل على سوء التحولات السياسية من خلال انفعالها وتعاطفها مع الثوابت القيمية التي أنتجتها البيئة الاجتماعية، وهو أمر حول الأصوات الروائية إلى توابع لإبراهيم لأنها إما مشفقة عليه أو ترثي له أو تعلن عن حبها، فأصبحت الأصوات (وحدة متجانسة) تعلن بأصواتها عن إعادة توزيع نبرات الرفض الجماعي لسياسة الاعتقالات والقمع.