وجهة النظر فی روایات الأصوات العربیة نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
أما صوت الشعب فمثله (سعيد الجهيني) وهو صوت لطالب أزهري، تحمس للزيني بركات وأحب وتعلق بالشيخ (أبو السعود) إلا أنه اكتشف خداع (الزيني بركات) في وقت باكر عندما عرف أن (الزيني بركات) أبقى على (زكريا بن راضي) كرئيس للبصاصين، لكن ضعف الشعب(الجهيني) لم يمكنه من التغيير بل جعله عرضة للتعذيب والقهر، فقبض عليه واعتقل وعذب، وأبعد عن محبوبته (سماح) فعبر عن استسلامه الضعيف أمام التجبر السلطوي قال الجهيني "آه، أعطبوني، وهدموا حصوني...". وهو يعبر عن استسلامه فلم يقو حتى على الوصول إلى شيخه لأن البصاصين يتابعونه في كل مكان.. فهو يعيش القلق المتصاعد بفعل الإرهاب السلطوي الذي سلب الشعب (الجهيني) سبيل المقومات الأساسية لإنسانية الإنسان وحريته. إن استعراض القوى عن طريق الأصوات قد أوجد بدوره تعدد الرؤى الذي ينعدم -تقريباً- في غير رواية الأصوات على هذا النحو القوي الذي أسهم في استجلاء رؤية موضوعية لحدث تاريخي يوثق به حقيقة أن الهزيمة حتمية تاريخية، لأن الحاضر نتاج الماضي فنكسة 1967 هي نتيجة متوقعة.. وهي امتداد لهزيمة 922هـ، إذ أن تجسيد القمع والتخلف الحضاري الذي لم ينته كان لابد له أن يؤدي إلى نتيجة واحدة. في رواية الأصوات هنا قل الوصف وكثر الإخبار وكثر الجدل والحوار وتعددت الرؤى ووجهات النظر، ومع التعددية الصوتية وجدت التبادلات السردية بين القوى المتصارعة، فتميز العرض والطرح للقضايا في رواية الأصوات بكل هذه المؤهلات الفنية الحيوية التي أذابت البطولة الفردية ووجهة النظر الأحادية لتحتل الأصوات بوجهات النظر مكانها فترسم الواقع المعاد بطرح يشرح مقدمات نكسة 1967م بشكل فني جيد زاوج بين المرجعية التاريخية والفنية في تكنيك الأصوات. أما رواية (الكهف السحري) فهي تعرض بطريقة أخرى للموضوع نفسه القمع السلطوي والاستسلام الشعبي للسلطة الغاشمة، ويأتي صوت (إبراهيم) ليعبر عن هذا المعنى بشكل أساسي، وأصبحت الأصوات الأخرى مناصرة لإبراهيم أو متعاطفة معه، لكن هذه الأصوات (الأم/ الأب/ عبير/ الأخت/ الجيران/..) قد مثلت مع (إبراهيم) صوت الشعب الضعيف فلم يغيروا من الأمر شيئاً وظهورهم لم يزد عن توزيع نبرات الحزن والأسى على فئات الشعب. لقد اعتقل (إبراهيم) بدون ذنب أو بغير سبب يعرفه، وجاءت الأصوات حولـه مجرد انفعال لأنماط الوعي والقيم المتخيلة في البنية الاجتماعية لاسيما (الأب/ الأم).. وكان (إبراهيم) في المعتقل ثابتاً على مبادئه العصامية التي استقاها من أبيه في جو أسري لأسرة متوسطة الحال، وعلى الرغم من وجود إبراهيم مع الشيوعيين والإخوان المسلمين إلا أنه ظل محايداً، وكان ذلك بمثابة صراع آخر هو صراع الاختيار بين الإمكانات الإدراكية والمعرفية المتوفرة في المعتقل (شيوعية/ إخوان) أنه يذكرنا بأبطال (ديستوفسكي) الذين بحثوا عن أصواتهم وسط الأصوات الأخرى، وعلى الرغم من هذا الثبات إلا أن صوت إبراهيم مقهور بالفعل السلطوي. إن معاناة (إبراهيم) مع السلطة أقل من معاناة (الجهيني) في (الزيني بركات) لأن معاناة (إبراهيم) في المعتقل تمثل واحدة من اختبارين تعرض لهما في الرواية، وكان الاختبار الثاني هو اختبار (الحب لكريمة) الذي أظهر ضعفاً آخر لإبراهيم. ولذلك فطرح الصراع مع السلطة هنا كان طرحاً غير مكتمل، لأن صوت (إبراهيم) المركزي قد توزع بين المعتقل والحب بعد المعتقل، ثم إن سيطرة الراوي قللت من فاعلية الأصوات وحريتها، والأصوات نفسها لم تحظ باللاتجانس والقوة المطلوبة، ثم إن السلطة لم تمثل بصوت أو بأصوات، ولذلك اقترب الطرح هنا من الروايات التقليدية على الرغم من وجود أصوات، و(طه وادي) يذكرنا هنا بطرح (عبد الرحمن منيف) للقضية نفسها في روايته