وجهة النظر فی روایات الأصوات العربیة نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
ولأن البناء على هذا النحو الذي استأثر به إبراهيم حتى في علاقته مع (كريمة) ظهر صوت كريمة في الصوت (العاشر/ الثاني عشر/ الثالث عشر) مما لم يعط فرصة للتبادلات السردية التي كانت ستزكي الصراع. ولأن هذا البناء أقرب إلى البناء التقليدي فإن الشخصيات الأخر بالنسبة لإبراهيم كأنها شخصيات ثانوية (إذ استثنينا كريمة) وهو أمر قد أثر على غيبة وجهات النظر الداخلية مع التعددية الصوتية. وهذا البناء لم يؤثر فيه الراوي تأثيراً كبيراً هنا لأنه أتاح لأصواته حرية التعبير بـ (الأنا) مما زاد من الحوارات والمنولوجات التي كثرت في هذه الرواية بخاصة أكثر من أي رواية أصوات أخرى بفعل المد الرومانسي في التناول للعلاقة بين (كريمة وإبراهيم). وفي رواية (الزيني بركات) نلتقي بشكل روائي آخر بسبب تعدد الرواة، فليسوا هم الأصوات المشاركة فقط، وليس هو الراوي المسيطر على الأصوات كما رأينا في (المسافات/ الكهف السحري).. وإنما تعدد الرواة في هذه الرواية لايجعل الأحداث تنبسط في خط طولي مثل رواية (الكهف السحري)، ولا في شكل خطوط رئيسية ممتدة كما في ميرامار، وإنما نجد الرواية قد جاءت في شكل دوائر متداخلة نتصورها على هذا النحو من خلال تعدد الرواة: 1-الراوي الأول هو الرحالة الإيطالي (فياسكونتي جانتي) وموقعه خارجي على المحيط الخارجي لدائرة الأحداث فهو الراوي من الخارج. 2-الراوي الداخلي وهو المتحكم في المسيرة التنفيذية للأحداث فقام بدور الواصف والمقدم، بل وتولى تقديم أكثر الأصوات من خلاله فجعل يحدثنا عن الأصوات بضمير (هو) بدلاً من أن يمنح الأصوات منطوقاً ذاتياً بـ (أنا) وهو أمر تسبب في قلة المنولوج وقلة الحوارات أيضاً، لأن البعد الإدراكي الخارجي للراوي -هنا- طغى على النزعة الذاتية للأصوات التي جاءت من خلال الراوي الثاني الداخلي. 3-الأصوات وتمثل البعد الثالث هنا. وهو وضع جديد على الأصوات في رواية الأصوات حيث تعودنا أن نجدها أولاً في غيبة الراوي أو ثانياً في حضور الراوي لكننا هنا نجدها ثالثة بسبب التشكيل الدائري المتداخل تبعاً لتعدد الرواة. وعلى الرغم من أن الأصوات جاءت محجمة بفعل الراوي الداخلي، وكان من المتوقع أن تذوب وجهات النظر بفعله وهيمنته (كما وجدنا ذلك في: المسافات/ الكهف السحري) إلا أن الأصوات احتفظت بوجهة النظر على المستوى الفكري والدلالي للأحداث الروائية، على الرغم من الهيمنة الشكلية للراوي الثاني الداخلي. وأعتقد أن السبب في هذا يعود بالدرجة الأولى إلى قوة الأصوات من ناحية ولاتجانسها من ناحية أخرى مما أوجد صراعاً وأوجد بالتبعية وجهات نظر متباينة، لأن الأصوات عبرت عن وضع وظيفي ووضع طبقي ومن هنا اكتسبت خاصية التميز (فالزيني بركات) نموذج للحاكم المتسلق المراوغ المتقلب. وهو يختلف عن (سعد الجهيني) لأنه صوت يمثل الشعب وهو طالب أزهري من أعماق الصعيد، وهما يختلفان عن (الشيخ أبو السعود) الذي يمثل السلطة الدينية التي تستمد قوتها الحقيقية من تمسك الناس بالدين.. إذن فالأصوات ناضجة متنافرة، وكان من الطبيعي أن تخلق بدورها وجهات النظر الداخلية (التبئير الداخلي المتعدد). وباتت السرادقات لعبة من فعل الروائي، أما النداءات والقرارات والرسائل والأغاني فكانت امتداداً ينتسب للراوي الأول أو الراوي الثاني اللذان تناوبا الظهور عبر السرادقات على الرغم من احتلال الراوي الأول (الرحالة الإيطالي) موقعه المفضل خارج هذه السرادقات، ولاسيما في بداية الرواية ونهايتها، ليتمكن من إعلان البعد التوثيقي. لكن هذا التوثيق لم يربط الأحداث بعصرها.. وإنما وجدنا وجهات النظر والصراع ونجاح الأحداث الروائية قد نقل الرواية نقلاً دلالياً رامزاً يتسع لأزمنة متعددة وأمكنة متعددة لاتتقيد حتى بإسقاطات محددة على سبعينيات مصر وستينياتها.