لأنّا كما نعلم أنّ من يجوز كونه فاعلاً لكبيرة متقدّمة قد تاب منها وأقلع عنها ولم يبق معه شيء من
استحقاق عقابها وذمّها، لا يكون سكوننا إليه كسكوننا إلى من لا يجوز ذلك عليه، فكذلك نعلم أنّ من
نجوّز عليه
الصغائر من الأنبياء ـ عليهم السَّلام ـ أن يكون مقدماً على القبائح مرتكباً للمعاصي في حال نبوّته
أو قبلها وإن وقعت مكفرة لا يكون سكوننا إليه كسكوننا إلى من نأمن منه كلّ القبائح ولا نجوّز عليه
فعل شيء منها.(1)
القرآن وعصمة الأنبياء من المعصية
بعد أن ذكرنا الدليل العقلي على عصمة الأنبياء ينبغي أن نرى الموقف القرآني من تلك القضية، انّ نظرةفاحصة إلى القرآن الكريم تبيّن لنا وبوضوح أنّ القرآن ينسجم مع حكم العقل في هذه المسألة، وصحيح أنّ
القرآن الكريم لم يصرّح بعصمة الأنبياء على نحو الدلالة المطابقية كما صرّح في عصمة الملائكة، ولكن
يمكن من خلال الإمعان في آيات الذكر الحكيم العثور على آيات كثيرة يمكن الاستدلال من خلالها على
إثبات المطلوب ـ عصمة الأنبياء ـ وها نحن نشير إلى عدّة طوائف من آيات الذكر الحكيم.
الطائفة الأُولى
إنّ المتتبع للقرآن الكريم يجد هناك ثلاث آيات إذا ضممنا بعضها إلى بعض نستطيع إثبات عصمةالأنبياء، وهذه الآيات هي:1. إنّ القرآن الكريم بعد أن يذكر أسماء عدد من الأنبياء والرسل يردفه بقوله:
( أُولئِكَ الَّذينَ
هَدَى اللّهُ فَبهُديهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ
إِلاّذِكْرى لِلْعالَمينَ ) .(2)
1 . تنزيه الأنبياء:4ـ6.2 . الأنعام:90.