تحليل لكارثة التحكيم
إنّ هناك أسئلة تطرح نفسها ونحن نجيب عنهامستندين إلى متون الروايات الواردة حولها:الأوّل: لماذا اغتر المحكّمة بظواهرالأمر وزعموا أنّ رفع المصاحف على رؤوسالأسنّة لأجل اللجوء إلى القرآن، واجراءحكمه بين الطرفين، مع أنّ عليّاً وكثيراًمن أصحابه نبّههم على أنّ ذلك خدعة ومكيدة.والجواب: انّ الذي حملهم على قبول التحكيمفي بادىء ذي بدء أمران:
1 ـ إنّ الخسارة البشرية الفادحة التيألحقتها الحرب بالعراقيين (مع أنّ خسائرالشاميين كانت أكثر) كانت عاملا نفسيّاًمهمّاً لقبول التحكيم ودافعاً لهم إليهوفي كلام الإمام علي (عليه السَّلام) اشارةإلى ذلك:
قال ابن مزاحم: ذكروا أنّ الناس ماجواوقالوا: أكلتنا الحرب وقتلت الرجال، وقالقوم: نقاتل القوم على ما قاتلنا هم عليهأمس، ولم يقل هذا إلاّ قليل من الناس، ثمرجعوا عن قولهم مع الجماعة وثارت الجماعةبالموادعة فقام علي أميرالمؤمنين فقال:«إنّه لم يزل أمري معكم على ما أحبّ إلى أنأخذت منكم الحرب، لقد والله أخذت منكموتركت، وأخذت من عدوّكم فلم تترك، وانّهافيكم أنكى وأنهك....وقد أحببتم البقاء وليسلي أن أحملكم على ما تكرهون»(1).
ولعل النجاشي يشير إلى ذلك العامل فيقصيدته إذ يقول:
غشيناهم يومَ الهرير بِعُصبة
فأصبح أهل الشام قد رفعوا القنا
عليهاكتاب الله خير قرآن
يمانيّةكالسيل سيل عِرانِ
عليهاكتاب الله خير قرآن
عليهاكتاب الله خير قرآن
1. نصر بن مزاحم: وقعة صفّين 553 ـ 554.