سليم بن قيس الهلالي و أشار بعدها إلى روايات اخر دالة ايضا على كفر منكر شيء من الدين و استثنى - تبعا للاخبار الواردة - الجاهل بالحكم .ثم حمل ما دل من النصوص و الفتاوى على كفاية الشهادتين في الاسلام على حدوث الاسلام بهما ممن ينكرهما من منتحلى الاسلام اذ يكفى منه الشهادة بالوحدانية و الشهادة بالرسالة المستلزمة للالتزام بجميع ما جاء به النبي و تصديقه في ذلك اجمالا و هذا لا ينافى كون عدم التدين ببعض الشريعة أو التدين بخلافه موجبا للخروج عن الاسلام .ثم قسم عدم التدين ببعض الشريعة أو كلها الذي هو سبب في الخروج عن الدين إلى أقسام فقد يرجع إلى عدم الانقياد لله بان يعلم مجئ النبي به و يعلم صدقه في ذلك الا انه لا يتدين بذلك عصيانا بحيث لو أوجب الله عليه ذلك من واسطة لابى عنه و امتنع نظير كفر إبليس لعنه الله و قد يرجع إلى إنكار صدق النبي كمن أنكر شيئا من الدين مع علمه بان النبي جاء به ، و صرح رضوان الله عليه بعدم الاشكال في كفر هذين القسمين الا ان تكفيرنا له متوقف على علمنا بعلمه المذكور سواء نشأ علمنا من الخارج أو من جهة إقراره أو من جهة كون المنكر - بالفتح - ضروريا لا يخفى على مثل هذا الشخص الذي نشأ بين المسلمين فعلمنا من ذلك بضرورية المنكر - بالفتح - لا دخل له في كفر المنكر ، و انما له دخل في تكفيرنا إياه ، حيث انه لا سبيل لنا غالبا إلى العلم بعلم المنكر الا من جهة كون المنكر - بالفتح - مما لا يخفى على مثل المنكر ممن نشأ بين المسلمين .و قد لا يرجع إنكاره إلى شيء من العنوانين كمن أنكر شيئا من الدين بدعوى عدم مجئى النبي به أو مجيئه بخلافه ، بحيث يعلم أو يحتمل ان ذلك ليس لاجل تكذيب النبي ، كما ان كثيرا من الخوارج و النواصب و المتدينين ببعض ما هو مخالف 1 .الكافى ج 2 ص 397 باب الشرك ح 1 .
(169)
لضرورى الدين من هذا القبيل أو ظنا أو احتمالا بل ربما يعدون المخالف له خارجا عن الدين فيتقربون إلى الله ببغضه و عداوته .قال رحمه الله : فاللازم على من استند في كفر منكر الضروري إلى رجوع إنكاره إلى تكذيب النبي ان لا يحكم بكفرهم من تفرقة بين كون هذا الانكار ناشئا عن قصورهم أو عن تقصيرهم غاية الامر مؤاخذة المقصر على ترك التدين بما أنكره له كان إنكاره متعلقا بالعقائد كالمعاد و نحوه و الا فالعمليات لا عقاب فيها الا على ترك العمل فمنكر حرمة الخمر لا دليل على عقابه الا على نفس شرب الخمر لو شربها لعدم قصد الشارع إلى التدين تفصيلا بالاحكام العملية أولا و بالذات .ثم قال : لكن الانصاف ان هذا القول مخالف لظاهر كلمات الفقهاء في حكمهم بكفر منكر الضروري على الاطلاق بل مقابلته لانكار الرسالة و فى حكمهم بكفر الخوارج و النواصب معللين بإنكارهم للضروري مع ما هو المشاهد من كثير من هذا الفرق الخبيثة و انهم يتقربون إلى الله بذلك و لا يحتمل في حقهم رجوع إنكار هم لحق أمير المؤمنين و الائمة صلوات الله عليهم إلى إنكار النبي و تكذيبه مضافا إلى مخالفته لا طلاقات الاخبار المتقدمة في حصول الكفر باستحلال الحرام و تحريم الحلال . مع ما عرفت من ان عدم التدين ببعض الدين يوجب الخروج عن الدين .أقول : انه قدس سره عدل في هذه القسمة من كلامه عما ذهب اليه - من التفصيل بين موارد الانكار و أقسامه و الحكم بعدم كفر الثالث منها - و مال إلى ما حققه أولا من ان عدم التدين و لو بحكم من الاحكام يوجب الكفر إلى ان قال : و الحاصل ان المنكر للضروري الذي لا يرجع إنكاره إلى إنكار النبي اما ان يكون قاصرا و اما ان يكون مقصرا و على التقديرين فاما ان يكون الضروري الذي
(170)
أنكره اعتقادا من العقائد كالمعاد و اما ان يكون فعلا كالالقأ المصحف في بعض الامكنة و اما ان يكون قولا كسب النبي و ان كان الفاعل يعتقد كون ذلك حراما في الشريعة اذ ليس المأخوذ في الدين التدين بحكمه بل التدين بترك عمله فهذه أقسام ستة .ظاهر إطلاق النصوص و الفتاوى خصوصا إجماعهم على كفر الخوارج و النواصب مستدلين بإنكارهم للضروري حيث ان عموم كلامهم للقاصر و المقصر من هذا الفرقة الخبيثة ليس بأولى من عمومه للقسمين من اليهود و النصارى ، الحكم بكفر جميعهم . ثم رجع و عدل عما ذكره و قال : الا ان الانصاف ان في شمول الاخبار المطلقة المتقدمة الدالة على حصول الكفر بالاستحلال للقاصر نظرا ظاهرا و منع وجود القاصر في الكفار كلام آخر و اما نجاسة الخوارج و النواصب فنمنع كونها لمجرد الانكار للضروري فلعله لعنوانهما الخاص بل لا يستفاد من الاخبار الا ذلك كما في اليهود و النصارى فيكون ولاية الامير و الائمة صلوات الله عليهم بمعنى محبتهم كالرسالة في كفر منكرها من فرق بين القاصر و المقصر و لو سلم ما ذكر من الاطلاق فانما هو في العقائد الضرورية المطلوبة من المكلفين التدين بالاعتقاد بها دون الاحكام العملية الضرورية التي لا يطلب فيها الا العمل فالأَقوى التفصيل بين القاصر و غيره في الاحكام العملية الضرورية دون العقائد تمسكا في عدم كفر منكر الحكم العملي الضروري بعدم الدليل على سببيته للكفر مع فرض عدم التكليف بالتدين بذلك الحكم و لا بالعمل بمقتضاه .إلى آخر كلامه زيد في علو مقامه .و قد علمت بانه قال بان كفر الخوارج و النواصب ليس من باب إنكار الضروري بل لاجل عنوانهما الخاص و على هذا فلا يرد الاشكال على العلماء في عدم تقييد مورد التمثيل و هو الخوارج و الغلاة مثلا بعدم الشبهة لان الوصف .
(171)
العنواني موجب لترتب الحكم بالكفر مطلقا .و قد تحصل من كلامه انه فصل بالاخرة في الضروريات بين العقائد و الاحكام العملية فحكم في الاولى بان إنكارها سبب للكفر مطلقا و فى الثانية بالتفصيل بين كون الانكار عن قصور أو عن تقصير و الثاني محكوم بالكفر دون الاول .و نحن نقول : ان ما ذهب اليه و اختاره في رفع الاشكال - من كون العنوان موجبا للكفر - وجه بعيد و به يرتفع الاشكال و مع ذلك فسيجئ منا وجه في ان إطلاقهم القول بكفر منكر الضروري مناف للتقييد في كلمات بعضهم فانتظر .ثم ان من كلامه الشريف مواقع للنظر ينبغى لنا التعرض لها .فمنها انه قدس سره اصر شديدا على القول بكون الاسلام هو التدين بمجموع الدين و استشهد على ذلك بما اشرنا اليه من الاخبار و هو و ان استشكل في اثناء كلامه و مطاوى تحقيقاته في هذا الاطلاق اعنى كفر مطلق من جحد شيئا ضروريا من الدين الا انه بالاخرة اعتمد عليه و لم يستثن منه سوى منكر الحكم العملي قاصرا فكل من سواه داخل تحت الاطلاق سواء كان منكرا للعقائد قاصرا و مقصرا أو منكرا للحكم العملي تقصيرا .و الحال ان استظهار كون الدين هو مجموع الحدود الشرعية - من الاخبار - و ان إنكار اى واحد منه موجب للكفر مشكل - و سنبين ما يستظهر من الروايات انشاء الله تعالى - و الالتزام به لو سلم استفادته اشكل بل يمكن ادعاء كون ذلك مخالفا للاجماع فان لازم التمسك بهذا الاطلاق هو كفر منكر كل حكم لو كان عن تقصير و ان لم يكن ضروريا فان الروايات قد تتضمن ما لا يكون ضروريا ايضا و على هذا فمن استنبط غلطا لتقصيره في مقدمات الاستنباط مثل ان عمل
(172)
بالقياس و تمسك به أو لم يتتبع كاملا في مقام الاجتهاد يكون كافرا و هذا مما لا يمكن الالتزام به أللهم الا ان يقيد الاحكام العملية بكونها ضرورية و استنبط غلطا عن تقصير .لكن يبقى الا يراد عليه بانه ما الفرق بين الضروري و غيره فان كنتم تفرقون بينهما لان إنكار الضروري يوجب التكذيب و مستلزم له دون الضروري .ففيه انه لا تكذيب أصلا مع عدم العلم كما هو المفروض ، فمن الممكن ان هذا المنكر لو ارتفع جهله و علم بان النبي قال به لقبله و أقربه و خفض جناح الذل تجاه قول رسول الله و رسالته الخالدة .و منها انه قدس سره علل عدم كفر منكر الحكم العملي الضروري بعدم الدليل على سببيته للكفر مع فرض عدم التكليف بالتدين بذلك الحكم و لا بالعمل بمقتضاه لانه المفروض .و على هذا فلو أنكر احد ، جهلا وجوب الصلاة أو غيرها فهو مكلف بالتدين به و إذا لم يكن مكلفا فلا يعاقب بتركه لعدم التكليف به فكيف يمكن الحكم بكفره بذلك و الحال هذه ؟ فقد تمسك قدس سره بانه لا يمكن عقلا ان يكون مكلف و غير معاقب و مع ذلك يحكم عليه - لا جل هذا الحكم الذي لا يوجب عقابا - بالكفر .و فيه ان هذا بمكان من الامكان فلو دل دليل على الكفر مع عدم التكليف و العقاب فلا استبعاد عقلا بل هو واقع و محقق كما اعترف هو بنفسه في صورة إنكار الضروري الاعتقادي جهلا كمن كان قد ولد في جزيرة بعيدة و نشأ فيها بعيش بسيط انفرادى و لم ير احدا و لم يشعر بان للعالم الها و صانعا فهو معاقب لعدم التقصير مع انه كافر لعدم إقراره بالشهادتين و مجمل الكلام انه من الممكن في مفروض الكلام كونه مكلف و مع ذلك يكون كافرا ، و لا
(173)
وجه للاستبعاد فيه الا انه لم يقم عليه دليل و قد ذكرنا انه لو دل عليه دليل فهو في نفسه بعيد .ثم انك قد علمت ان الشيخ المرتضى جمع بين اخبار الشهادتين و الاخبار المطلقة الدالة على كفر منكر حكم من الاحكام : بحمل الاولى على مورد حدوث الاسلام ممن كان ينكره ، و الاخذ بإطلاق الاخبار الاخر و الحكم بان إنكار مطلق الاحكام موجب للكفر الا الحكم العملي إذا كان إنكاره عن قصور عند ما كان معتنقا للدين .و للفقيه الهمداني قدس سره طريق آخر للجمع بين تلك الاخبار اعنى روايات كفر منكر شيء من الاحكام و روايات الشهادتين قال : و يتوجه على الاستدلال بمثل روايات بعد الغض عما في بعضها من الخدشة ان استحلال الحرام أو عكسه موجب للكفر من فرق بين كونه ضروريا أو غيره بل بعضها كالصريح في الاطلاق و حيث لا يمكن الالتزام بإطلاقها يتعين حملها على إرادة ما إذا كان عالما بكون ما استحله حراما في الشريعة فيكون نفى الاثم عن نفسه و استحلاله منافيا للتدين بهذا الدين و مناقضا للتصديق بما جاء به سيد المرسلين فيكون كافرا سواء كان الحكم في حد ذاته ضروريا ام لم يكن ( إلى قال : ) و الحاصل انه لا يفهم من هذا الاخبار اعتبار عدم إنكار شيء من الاحكام الضرورية من حيث هو و ان لم يكن منافيا لتصديق النبي في جميع ما جاء به اجمالا في مفهوم الاسلام المقابل للكفر حتى يتقيد به الاخبار الواردة في تفسير الاسلام الخالية عن ذكر هذا الشرط مثل ما رواه في الكافى عن سماعة قال : قلت لابى عبد الله : أخبرني عن الاسلام و الايمان أ هما مختلفان ؟ فقال : ان الايمان يشارك الاسلام و الاسلام لا يشارك الايمان فقلت فصفهما لي فقال : الاسلام شهادة ان لا اله الا الله و التصديق برسول الله صلى الله عليه و آله به حقنت
(174)
الدماء و جرت المناكح و المواريث و على ظاهره جماعة الناس و الايمان الهدى و ما يثبت في القلوب من صفة الاسلام إلى ذلك من الاخبار الدالة عليه انتهى .و حاصل كلامه رضوان الله عليه ان تلك الاخبار مطلقة في تحقق الكفر بإنكار اى حكم من الاحكام ضروريها و غير ضروريها لكن لا يمكن الالتزام بهذا الاطلاق و لذا يحمل على ما إذا كان عالما بانه حرام في الشرع و مع ذلك احله فان هذا التصرف و التدين خلاف التدين بالاسلام فيحكم بكفره .و فيه ان الروايات بعد عدم إمكان الاخذ بظاهرها كما اعترف به تصير مجملة لدوران الامر بين تقييد الظاهر بالعلم أو بالضرورى و إذا صارت مجملة فلا يمكن التمسك بها لاشتراط الدليل بكونه صريحا و لا اقل من كونه ظاهرا .وهنا وجه ثالث للجمع بين الاخبار يغاير ما قاله شيخنا المرتضى و كذا الهمداني و قد قاله بعض و هو انه ليس الكافر في هذا الروايات بمعناه المصطلح ، بل هو بمعنى العاصي ، و على هذا فالمنكر لشيء من الاحكام مطلقا عاص الله سبحانه .و فيه انه خلاف الظاهر جدا .هذا مضافا إلى عدم مساعدة ذلك لما ورد في روايات اخرى كصحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام : من ارتكب كبيره من الكبائر فزعم انها حلال أخرجه ذلك عن الاسلام و عذب اشد العذاب و ان كان معترفا انه اذنب و مات عليه أخرجه من الايمان و لم يخرجه من الاسلام و كان عذابه أهون من عذاب الاول .1 الا ترى انه قد تعرض لصورة الفسق على حدة في قبال المرتكب المستحل المحكوم عليه بالكفر . 1 .الكافى ج 2 ص 285 الحديث 23 .