الكلام حول كفر الخوارج و النواصب قد علمت انهم حكموا بكفر من أنكر الضروري مع الانتماء إلى الاسلام ايضا و انهم مثلوا بالخوارج و أشباههم فراجع عبارة المحقق في الشرايع المذكورة من قبل .و قد علمت ايضا انا ذكرنا تبعا لعلم التحقيق الشيخ المرتضى قدس سره بان كفر هؤلاء ليس من باب إنكار الضروري بل هم كافرون بعنوانهم الخاص فالمناسب هنا ان نتعرض للخوارج و النواصب حكما و موضوعا .فنقول : دلت الروايات الكثيرة على كفر الخوارج و النواصب ، و انهم كافرون بعنوانهم الخاص ، و قد جمعها الفقية الهمداني قدس سره .منها ما أرسل عن النبي صلى الله عليه و آله انه قال في وصف الخوارج : انهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية .1 1 .بحار الانوار ج 33 ص 325 .
(190)
و ظاهرها كفرهم مطلقا سواء كان عن علم أو عن جهل مركب .و منها رواية الفضل قال : دخل على ابى جعفر عليه السلام رجل ، محصور عظيم البطن فجلس معه على سريره فحياه و رحب به فلما قام قال : هذا من الخوارج كما هو قال : قلت مشرك ؟ فقال : مشرك و الله مشرك .و المراد من المشرك هو الكافر و قد مر ذلك الخبر في أوائل الكتاب .و فى الزيارة الجامعة : و من حاربكم مشرك .و منها ما عن الكافى : عن بعض اصحابنا عن ابن ابى جمهور عن محمد بن قاسم عن ابن ابى يعفور عن ابى عبد الله عليه السلام قال : لا تغتسل من البئر التي تجتمع فيها غسالة الحمام فان فيها غسالة ولد الزنا و هو لا يطهر إلى سبعة آباء و فيها غسالة الناصب و هو شرهما ان الله لم يخلق خلقا شرا من الكلب و ان الناصب أهون على الله من الكلب .1 و ذيل هذا الخبر دال على المطلوب ، و اما عدم العمل بصدره الدال على نجاسة ولد الزنا فهو ضائر بذلك .و منها رواية القلانسي قال : قلت لابى عبد الله القى الذمي فيصافحنى قال : امسحها بالتراب أو بالحائط قلت : فالناصب ؟ قال : اغسلها .2 و منها مرسلة الوشا عن ابى عبد الله عليه السلام انه كره سؤر ولد الزنا و اليهودي و النصراني و المشرك و كل من خالف الاسلام و كان اشد ذلك عنده سؤر الناصب .3 و منها مرسلة على بن الحكم عن رجل عن ابى الحسن عليه السلام في 1 .الكافى ج 3 ص 14 باب ماء الحمام . ح 1 2 .جامع أحاديث الشيعة ج 2 ص 113 ب 13 من النجاسات ح 3 .3 .جامع أحاديث الشيعة ج 2 ص 53 ب 1 من أبواب الاسئار ح 4 .
(191)
حديث انه قال : لا تغتسل من غسالة ماء الحمام فانه يغتسل فيه من الزنا و يغتسل فيه ولد الزنا و الناصب لنا أهل البيت و هو شرهم .1 و منها موثقة عبد الله بن ابى يعفور عن ابى عبد الله عليه السلام في حديث قال : و اياك ان تغتسل من غسالة الحمام ففيها تجتمع غسالة اليهودي و النصراني و المجوسي و الناصب لنا أهل البيت و هو شرهم فان الله تبارك و تعالى لم يخلق خلقا أنجس من الكلب و ان الناصب لنا أهل البيت لا نجس منه .2 نعم أورد بعض على الاستدلال بهذه الروايات مناقشات بعضها راجع إلى السند ، و بعضها إلى الدلالة .اما الاول : فهو ان تلك الاخبار مرسلة ، أو ضعيفة السند ، فكيف يعتمد عليها و يستدل بها ؟ و فيه انها و ان كانت كذلك لكنها منجبرة بعمل الاصحاب فان عملهم على طبقها و ان لم يكونوا يستندون إليها ، هذا مضافا إلى ان بعضها كرواية ابن ابى يعفور موثقة .و اما الثاني : اى ما هو راجع إلى دلالتها فامور : منها ذكر ولد الزنا في بعض هذه الروايات مع الناصب و قرينا له ، و هذا يشهد بان الناصب ليس نجسا اصطلاحيا ، لان ولد الزنا لم يحكم بنجاسته قطعا ، بل المراد من نجاسته الخباثة الذاتية .و فيه انه لا يرفع اليد عن ظاهر ما دل على النجاسة بمجرد خروج مورد عنه المعلوم خروجه بالقرائن الخارجية .و منها انه كيف يمكن الحكم بكفرهم مع انه ثبت و تحقق معاشرة 1 .جامع أحاديث الشيعة ج 2 ص 51 . 2 .جامع أحاديث الشيعة ج 2 ص 49 ح 12 .
(192)
اصحاب الائمة و مخالطتهم لهم طيلة اعوام كثيرة بل و معاشرة الائمة عليهم السلام بأنفسهم معهم و عدم تحرزهم عنهم كما هو ظاهر جدا لمن سبر الاخبار و راجع التواريخ و الآثار .لا يقال : ان هذه الامور صحيحة قابلة للانكار الا انها كانت لا جل التقية .لا نا نقول : الحمل على التقية على مر العصور الكثيرة و الازمان الطويلة بعيد جدا لا سيما بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه و آله فانه كان يجالس سواد الناس و عامتهم و يعاشرهم ، مع انه كان فيهم من كان يبغض عليا عليه السلام كبغض زوجاته و نسائه ، ألم يكن من الواضحات المسلمات ان عائشة كانت مبغضة له عليه السلام شديدا ؟ بل و كانت تظهر بغضها له و تعلن ذلك خصوصا بعد قضية الافك و مع ذلك فقد نقل اغتسال النبي معها في إناء واحد و على الجملة فبقى الاشكال - اى اشكال معاشرة الائمة و أصحابهم مع النواصب مثلا - بحاله .و أجاب عنه علم التقي شيخنا المرتضى قدس سره الشريف بان الحكم بنجاسة الناصب يمكن ان يكون مثل كثير من الاحكام قد انتشر في زمن الصادقين عليهما السلام بعد ما لم يكن ظاهرا إلى زمانهما ، و كان مخزونا في خزانة علوم الائمة الطاهرين المعصومين و حيث ان المسلمين لم يكونوا عالمين بكفرهم فكانوا يعاملون معاملة الطهارة ، هذا بالنسبة إلى الاصحاب و اما بالنسبة إلى النبي و الائمة فمخالطتهم و معاشرتهم مع هؤلاء النواصب بحيث يكشف عن طهارتهم فغير ثابتة و لم يعلم ذلك أصلا .و لنا عن الاشكال المزبور جواب آخر و لعله أظهر مما افاده قدس سره .تحقيقه ان عداوة المبغضين لا مير المؤمنين عليه السلام على قسمين :
(193)
احداهما : العدواة الشخصية بالنسبة اليه مثل ان يبغضه حسدا له لكونه حليف النصر يفتح الله على يديه في الحروب و المغازي دون غيره أو لكونه صهرا لرسول الله و زوجا لا بنته الصديقة دون غيره أو لانه قاتل ولده أو ابيه أو اخيه و عشيرته أو ذلك من الاسباب المورثة للعداوة .ثانيتهما : العداوة الدينية كان يبغضه تبريا منه جاعلا ذلك امرا دينيا يتعبد و يتدين به و يتقرب إلى الله تعالى بذلك و امر الثاني في غاية الصعوبة و الاشكال و هو الكفر حقيقة .و يشهد على ما ذكرنا انه كان الامام على عليه السلام قد يلقى إلى خواص اصحابه الاسرار و المغيبات و يخبرهم بانه سيعرض عليهم بعض الطواغيت البرائة منه عليه السلام و سبه و كان يأمرهم بان يسبوه اتقاءا منهم كيلا يصيبهم منهم الفتنة و لكنه كان ينهاهم عن البرائة عنه 1 و هم رضوان الله عليهم عاهدوه على عدم التبرى منه و قد انجزوا هذا الوعد و صدقوا ما عاهدوه عليه و قتلوا و صلبوا ثابتين على ولايته .و على الجملة فالنوع الاخير من هذين هو المحبوب للكفر و النجاسة و اما الاول فلا و لم يثبت ان بغض من عاشرهم المسلمون و خالطهم النبي و الائمة عليهم السلام من المخالفين و المبغضين كان من القسم الاخير حتى عداوة مثل 1 .أقول : فمن كلام له عليه السلام : اما انه سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البلعوم مندحق البطن يأكل ما يجد و يطلب ما لا يجد فاقتلوه و لن تقتلوه الا و انه سيأمركم بسبي و البرائة منى فاما السب فسبوني فانه لي زكاة و لكم نجاة و اما البرائة فلا تبرأوا " فلا تتبروا " منى فانى ولدت على الفطرة و سبقت إلى الايمان و الهجرة نهج البلاغة ، و و سائل ج 11 ب 6 .و عن ميثم النهرواني قال : دعاني أمير المؤمنين على بن ابى طالب عليه السلام و قال : كيف أنت يا ميثم إذا دعاك دعى بني أمية عبيد الله بن زياد إلى البرائة منى ؟ فقلت يا أمير المؤمنين انا و الله لا ابرء منك قال : إذا و الله يقتلك و يصلبك قلت : اصبر فذاك في الله قليل فقال : يا ميثم إذا تكون معي في درجتي الوسائل ج 11 .
(194)
عائشة ايضا لم يتحقق كونها من باب التدين بها 1 بل عداوة المبغضين لهم غالبا كانت ناشئة من اغراض شخصية و جهات ما دية دنيوية كحب الملك و الجاه .و الخوارج بمعناها المصطلح لم يكونوا في زمن النبي بل وجدوا و تشكلوا بعد واقعة التحكيم بصفين قائلين لا حكم الا لله ، و اعتقدوا ان اقدام الامام على تحكيم الحكمين و قبول ذلك موجب لخروجه عن الدين و شركه بالله تعالى و بعد واقعة نهروان لم يكونوا يظهرون العداوة له عليه السلام .و على الجملة فالخوارج 2 هم الطائفة الملعونة و الفئة الخبيثة المعهودة الذين كانوا يكفرون بالذنب و قد خرجوا على أمير المؤمنين في صفين و كذا كل من اعتقد بما اعتقده هذه الطائفة الكافرة من كفر الامام و استحلال قتاله و دمه كما ان المتيقن من الناصب هو العدو لآل محمد صلى الله عليه و آله واهل البيت مع اظهار عداوته عداوة دينية لا كل اصطلاحاته 3 فانه على ما قاله الفاضل المقداد رضوان الله عليه يطلق على خمسة أو جه و إليك كلامه بلفظه : قيل في تعريف الناصب وجوه : 1 .أقول : معذرة إلى سيدنا الاستاد الاكبر دام ظله حيث ان هذا محل التأمل فان معاوية مثلا كان يقول في قنوت صلاته أللهم ان ابا تراب الحد في دينك . و كم له نظير تلك الكلمات الاثيمة و يؤيد ما ذكرنا من الاشكال مكالمة حدثت بين الحسين عليه السلام و معاوية حيث ان معاوية بعد ان قتل حجرا و أصحابه حج في ذاك العام فلقى الحسين فقال : يا ابا عبد الله هل بلغك ما صنعنا بحجر و أصحابه و أشياعه و شيعة ابيك ؟ فقال : و ما صنعت بهم ؟ قال : قتلناهم و كفناهم و صلينا عليهم فضحك الحسين ثم قال : خصمك القوم يا معاوية لكنا لو قتلنا شيعتك ما كفناهم و لا صلينا بهم و لا قبرناهم . احتجاج الطبرسي فتأمل . 2 .قال العلامة في التذكرة ج 1 ص 454 : اما الخوارج فهم صنف مشهور من المبتدعة يعتقدون تكفير اصحاب الكبائر و استحقاق الخلود في النار بها كشرب الخمر و الزنا و القذف و يستحلون دماء المسلمين و أموالهم الا من خرج معهم و طعنوا في على و عثمان و لا يجتمعون معهم في الجمعات و الجماعات . و عندنا ان الخوارج كفار .3 .قال : دام ظله العالي : و ان كان مقتضى وجوب مودتهم المستفاد من آية القربى و غيرها حرمة بغضهم و منافات ذلك للدين مطلقا و على اى وجه كان .
(195)
1 - انه الخارجي الذي يقول في على عليه السلام ما قال . 2 - انه الذي ينسب إلى احد المعصومين عليهم السلام ما يثلم العدالة .3 - من إذا سمع فضيلة لعلى عليه السلام أو لغيره من المعصومين أنكرها .4 - من اعتقد افضلية على عليه السلام عليه .5 - من سمع النص على عليه السلام من النبي صلى الله عليه و آله و سلم أو بلغه تواترا أو بطريق يعتقد صحته فانكره .و الحق صدق النصب على الجميع ، اما من يعتقد امامة غيره للاجماع أو لمصلحة و لم يكن من احد الاقسام الخمسة فليس بنا صب .انتهى .1 و على الجملة فالمتيقن من الاجماعات في الاطلاقات هو المتدين بعداوته و قد فسر في القاموس النواصب بذلك قال : و النواصب و الناصبيه واهل النصب المتدينون ببغضة على لانهم نصبوا له اى عادوه انتهى .و استوجهه صاحب الجواهر رضوان الله عليه .و لو كان المقصود من الخوارج أو النواصب مطلق المبغضين لامير المؤمنين و كل من كان عدوا له عليه السلام لا شكل الامر فيما حكى من المعاشرة معهم و الحال ان الاخبار دالة على كفرهم و الاجماع قائم على ذلك و بذلك يتضح ما ذكرنا من ان عداوة الناس و بغضهم لعلى عليه السلام لم تكن من هذا الباب بل كانت للمعارضة في الملك و لا غراض شخصية و انظار ما دية قادتهم إلى ذلك فكان فلان يطرد عليا عن الخلافة مستدلا و معتذرا بانه شاب لم يمض من عمره حين وفات النبي اعوام كثيرة و حداثة سنه توجب ان لا يطيعه الناس و لا ينتظم امر الامة و ان أبا بكر شيخ كبير عاش عمرا بين الناس يقبله عامة الناس ويوقرونه أو ان عليا ( ع ) قتل آباءهم و إخوانهم فلم يرتضوا بخلافته .و قد نقل عن بعض علماء أهل السنة انه قال : انه صح ما قاله النبي صلى الله عليه و آله 1 .التنقيح الرائع لمختصر الشرايع ج 2 ص 421 .