بمنزلة الاجازة فينفذ به البيع لنفسه لانه لو لم يتعين جهة الرضا بسكوته تضرر به المشترى و صار المالك بسكوته كالغار له و الغرور حرام و الضرر مدفوع فهو قياس سكوت المولى عن النهى عند رؤيته تصرف العبد أنه يجعل اذنا له في التجارة لهذا المعنى و لان العادة أن صاحب المال لا يسكت اذ رأى غيره يبيع ما أمر بتسليمه و لم يكن من قصده الرضا به فباعتبار العادة يجعل سكوته دليل الرضا و كذلك لا يحل له السكوت شرعا إذا لم يكن من قصده الرضا و فعل المسلم محمول على ما يحل شرعا فجعل سكوته دليل الرضا لهذا كما جعل الشرع سكوت البكر رضا منها بالنكاح و حجتنا في ذلك أن سكوته محتمل قد يكون بطريق الرضا و قد يكون بطريق التهاون و قلة الالتفات إلى تصرف الفضولي و قد يكون بطريق التعجب أى لماذا يفعل هذا في ملكه بغير أمره و إلى ماذا تؤول عاقبة فعله و المحتمل لا يكون حجة و ملك المالك ثابت في العين بيقين فلا يجوز ازالته بدليل محتمل و هذا هو القياس فيما استشهد به من سكوت المولى و سكوت البكر الا أنا تركنا القياس في سكوت البكر بالنص و هذا ليس في معنى ذلك فان الحياء يحول بينها و بين التصريح بالاجازة هناك و ليس هنا ما يحول الحياء بينه و بين النطق و لو تعين جهة الرضا في سكوت المولى لم يلزمه بذلك شيء لان بمجرد الاذن للعبد في التجارة لا يجب على المولى شيء و لا يبطل ملكه عن شيء فانه يتمكن من الحجر عليه قبل أن يلحقه دين وهنا لو تعين جهة الرضا زال ملك المالك و لزمه حكم تصرف الفضولي و حاصل هذا الكلام أن هناك لو لم يجعل السكوت رضا تضرر به من عامل العبد و لو جعلنا السكوت اذنا لم يتضرر به المولى في الحال فرجحنا جانب دفع الضرر وهنا لو جعلنا السكوت رضا تضرر به المالك و لزمه حكم تصرف الفضولي لان ملكه يزول و لو لم نجعله رضا تضرر به المشترى فرجحنا جانب المالك لان حقه في العين أسبق و المشترى هو المقر حين لم يسأل المالك أن البائع وكله أم لا و اعتمد سكوتا محتملا ثم الحاجة هنا إلى التوكيل لان المتصرف يكون نائبا عن المالك و لهذا يرجع عليه بما لحقه من العهدة و التوكيل بالسكوت لا يثبت فاما الاذن في التجارة إسقاط من المولى حقه في المنع من التصرف فان العبد لا يصير نائبا عن المولي في التصرف و لهذا لا يرجع عليه بالعهدة و سكوته اعراض منه عن الرد فيمكن أن يجعل إسقاطا لحقه بمنزلة التصريح بالاذن و إذا باع لرجل نصيبا في دار مقسوم فقد بينا هذه المسألة بوجوهها في آخر الشفعة و لكن هناك ذكر قول أبى يوسف وحده و ان البيع جائز ان لم
(141)
يعلم المشترى بنصيب البائع و له الخيار إذا علم به و ذكر هنا قول محمد مع قول أبى يوسف فعن محمد فيه روايتان قال ابن أبى ليلي إذا كانت الدار بين اثنين أو ثلاثة أجزت بيع النصيب و ان لم يسم و ان كانت سهاما كثيرة لم أجزه حتى يسمى لان عند كثرة الشركاء تتفاحش الجهالة و التفاوت إذا لم يكن نصيب البائع معلوما للمشتري و عند قلة الشركاء يقل التفاوت و الجهالة و فى البيع تفصيل بين الجهالة المتفاحشة و الجهالة اليسيرة ( ألا ترى ) أن بيع أحد الاثواب الثلاثة مع اشتراط الخيار للمشتري إذا سمى ثمن كل ثوب منها يجوز و فيما زاد على الثلاثة لا يجوز و كان ذلك باعتبار تفاحش الجهالة و قلة الجهالة و لكنا نقول البيع انما يتناول نصيب البائع و ذلك لا يختلف بكثرة الشركاء و قلة الشركاء فقد يقل نصيبه مع قلة الشركاء و قد يكثر نصيبه مع كثرة الشركاء فلا معنى للفرق بينهما و المعنى الذي لاجله لا يجوز العقد عند كثرة الشركاء جهالة المعقود عليه على وجوه تفضى إلى المنازعة بين البائع و بين المشترى و هذا المعنى موجود عند قلة الشركاء فالمشترى يقول نصيب البائع النصف و البائع يقول نصيبي من الدار العشر فلهذا لا يجوز العقد و شراء أحد الاثواب الثلاث مستحسن من القياس فلا يقاس عليه غيره ثم الجهالة هناك لا تفضى إلى المنازعة إذا شرط الخيار للمشتري و إذا ختم الرجل على شراء لم يكن نذلك تسليما للبيع عندنا و قال ابن أبى ليلي هو تسليم للبيع و بيان هذا أن الرجل إذا شهد على بيع الدار فكتب شهادته و ختمها ثم ادعى بعد ذلك أن الدار له و أقام البينة فان بينته تكون مقبولة على المشترى عندنا و يقضى له بالملك و قال ابن أبى ليلي الدار سالمة للمشتري و هذا بناء على ما تقدم فان علي أصله لما جعل السكوت من المالك رضى بالبيع فختم الشهادة أولى أن يكون رضا بالبيع قال كتبه الشهادة للتوثق و هذا التوثق انما يحتاج اليه إذا صح شراؤه فيجعل اقدام الشاهد على ذلك اقرارا منه بصحة شراء المشترى و لكنا نقول كتبه الشهادة محتمل قد يكون على وجه تسليم المبيع و قد يكون للتعجب حتى ينظر كيف يقدر البائع على تسليم ملكه أو تحمل الشهادة على معنى التوثق ادا بداله أن يجيز المبيع أو يحتمل أن يكون الشاهد لم يعلم عند تحمل الشهادة أن المبيع داره فلعله ظن أن المبيع دارا أخرى حدودها توافق حدود داره و بالمحتمل لا يزول الملك فلا يجعل ذلك تسليما منه للبيع و إذا بيع الرقيق أو المتاع في عسكر الخوارج و ذلك من مال أهل العدل غلبوهم عليه لم يجز البيع عندنا و قال ابى أبى ليلي هو جائز و ان قتل الخوارج قبل أن يبيعوه و هو بعينه رد على أهله عندهم جميعا
(142)
فابن أبى ليلي جعل منعه للخوارج كمنعه أهل الحرب باعتبار أن المقابلة بين الفريقين تتناول الدين و التأويل الذي للخوارج أقرب إلى الصحة من تأويل الكفار فإذا كان هناك باعتبار المنعة و التأويل يملكون ما أخذوا من أموال المسلمين حتى ينفذ تصرفهم فيه فكذلك الخوارج يملكون ذلك حتى ينفد تصرفهم فيه الا أنه إذا قتل الخوارج فلم يبق لهم منعة و ثبوت هذا الحكم كان باعتبار المنعة فإذا لم يبق وجب ردها على أهلها و بهذا لا يستدل على أنهم لا يملكونها كما لو استولى المشركون على أموال المسلمين ثم وقعت في الغنيمة فوجدها أصحابها قبل القسمة ردت عليهم محاباة و ان كان المشركون قد ملكوها فهذا مثله و الدليل على التسوية أن الخوارج لا يضمنون ما أتلفوا من أموال أهل العدل و نفوسهم كما لا يضمن أهل الحرب ذلك للمسلمين فإذا سوى بين الفريقين في حكم الضمان فكذلك في حكم الملك و حجتنا في ذلك أن حكم الاسلام ثابت في حق الخوارج فهذا استيلاء المسلم على مال المسلم فلا يوجب الملك كغصب بعض المسلمين مال بعضهم و تقرير هذا الكلام أن منعة الخوارج من جملة دار الاسلام و الملك بطريق القهر لا يثبت ما لم يتم القهر و تمامه بالاحراز بدار تخالف دار صاحب المال و ذلك لايوجد بعد إحراز الخوارج المال بمنعتهم بخلاف أهل الحرب فان قهرهم يتم بالاحراز بدارهم و ما كان منعة الخوارج في دار الاسلام الا كمنعة أهل الحرب في دار الاسلام و هم لا يملكون أموالنا ما داموا في دارنا و ان كانوا ممنعين فكذلك الخوارج فلا فرق فانا لو قدرنا على الخوارج استبيناهم و رددنا المال علي صاحبه كما لو أنا قدرنا على أهل الحرب في دار الاسلام عرضنا عليهم الاسلام و رددنا المال على صاحبه يوضحه أن المال ما دام محرزا بدار الاسلام لا يملك بالقهر لانه بالاحراز معصوم و القهر يوجب الملك في محل مباح لا في محل معصوم ( ألا ترى ) ان الصيد المباح يملك بالاخذ و الصيد المملوك لا يملك بالاخذ فباحراز المشركين المال بدارهم يبطل حكم الاحراز و العصمة في ذلك المال فلهذا لا يملكونه بإحراز الخوارج المال يمنعتهم و لا يبطل حكم الاحراز و العصمة في ذلك المال فلهذا لا يملكونه و لهذا لو قتل الخوارج و هو باق بعينه رد على صاحبه و لو صار ذلك مملوكا لهم لكان ميراثا عنهم إذا قتلوا فأما سقوط الضمان فهو حكم ثبت باتفاق الصحابة بخلاف القياس على ما روى عن الزهرى قال وقعت الفتنة و أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم متوافرون فاتفقوا علي أن
(143)
كل دم أريق بتأويل القرآن فهو موضوع و كل فرج استحل بتأويل القرآن فهو موضوع و كل مال أتلف بتأويل القرآن فهو موضوع و هذا ليس في معنى ذلك المنصوص فان مع بقاء الاحراز القسمة قد تسقط بالضمان بأسباب و لكن بقاء الاحراز و العصمة لا يملك المال بحال ثم ذكر مسألة الشهادات إذا باع مسلم دابة من نصرانى فاستحقها نصرانى من يد المشترى ببينة من النصارى و قد بينا خلاف أبى يوسف في هذه المسألة في كتاب الشهادات و قول ابن أبى ليلي كقول أبى يوسف و إذا استهلك الرجل الغنى مال ولده الكبير فهو ضامن عندنا و قال ابن أبى ليلي لا ضمان عليه و هو ينبنى على الاصل الذي بيناه أن عنده الاب مالك مال ولده شرعا و إتلاف الانسان ملكه لا يوجب الضمان عليه و عندنا ليس له في مال ولده ملك و لاحق ملك فهو ضامن له إذا أتلفه و ان ثبت له شرعا حق التناول منه بالمعروف عند الحاجة فذلك لا ينفى الضمان عند عدم الحاجة كالمرأة فان لها أن تنفق من مال زوجها بالمعروف فان أتلفت شيأ من ماله بدون الحاجة كانت ضامنة فالأَب كذلك و إذا اشترى الرجل عبد مع الجارية و زاد معها مائة درهم ثم وجد بالعبد عيبا و قد ماتت الجارية عند المشترى فانه يرد العبد و يأخذ المائة و قيمة الجارية و ان كانت الجارية هى التي وجد بها العيب و قد مات العبد ردت الجارية و قسمت قيمة العبد على مائة درهم و على قيمة الجارية فيكون له ما أصاب المائة و يرد ما أصاب من قيمة الجارية من قيمة العبد عندنا و قال ابن أبى ليلي ان وجد بالعبد عيب رده و أخذ قيمته صحيحة و كانت الدراهم للذي هى في يديه و هذا بناء على ما تقدم فان عند ابن أبى ليل يرد العبد بالعيب لا ينتقض البيع في الجارية و لكن يرجع بقيمة العبد و إذا بقي العقد في حصة الجارية من العبد عندنا يبقى في حصة المائة أيضا لان العقد في ذلك الجزء من العبد و ان كان بيع بدراهم و لكنه بيع كبيع المقابضة و حكم التبع حكم الاصل فلهذا لا فيبطل العقد فيه و يأخذ قيمته لما تعذر على بائع العبد تسليم عينه صحيحا فأما عند العقد في الجارية يبطل ما يقابله من العبد بالعيب فإذا بطل العقد وجب على قابض الجارية ردها و قد تعذر الرد بهلاكها في يده فيرد قيمتها بمنزلة المشتراة شراء فاسدا إذا هلكت في يد المشترى و أما في حصة المائة فالعبد كان بيع بالدراهم فإذا رد المعيب بالعيب وجب الرجوع بما يقابله من الثمن و ان كان العيب بالجارية فردت و قد مات العبد فقد انتقض العقد فيما يقابل الجارية من العبد لان في بيع المقابضة هلاك أحد العوضين لا يمنع فسخ العقد برد الآخر بالعيب فان العقد انما ينفسخ في
(144)
المردود مقصودا و يثبت حكم الفسخ فيما بقي و لا ينفسخ في المردود مقصودا و يثبت حكم الفسخ فيما بقي و لا ينفسخ العقد في حصة المائة من العبد لان ذلك كان بيع بالدراهم و قد هلك في يد المشترى فلا يمكن فسخ العقد فيه بعد ذلك فلهذا يقسم العبد على المائة و على قيمة الجارية فيغرم مشترى العبد ما أصاب قيمة الجارية من قيمة العبد و يسقط عنه ما أصاب المائة الدرهم لبقاء البيع بينهما في ذلك الجزء و إذا اشترى الرجل ثوبين و قبضهما فهلك أحدهما و وجد بالآخر عيبا فرده ثم اختلفا في قيمة الهالك فالقول فيها قول البائع عندنا و قال ابن أبى ليلي القول قول المشترى لان البائع يدعى زيادة في قيمة الهالك عند المشترى و المشترى ينكر تلك الزيادة فيكون القول قوله مع يمينه و لان البائع يدعى زيادة في حقه قبل المشترى بعد رد الثوب الآخر فيقول قيمة المردود ألف و قيمة الهالك في يدى ألف فلى عليك نصف الثمن و المشترى يقول قيمة الهالك في يدى كان خمسمأة فانما هلك على ثلث الثمن فيكون القول قول المشترى لانكاره الزيادة كما لو قبض أحد الثوبين و هلك الآخر في يد البائع ثم اختلفا في قيمة الهالك عند المشترى فانه يكون القول قول المشترى لهذين المعنبين و حجتنا في ذلك أن الثمن كله قد تقرر على المشترى بقبض ثوبين ثم رد أحدهما بالعيب يسقط عنه حصته من الثمن فالمشترى يدعى زيادة فيما سقط عنه من الثمن لانه يقول كان قيمة الهالك في يدى خمسمأة و قيمة المردود ألفا فسقط عنه ثلثا الثمن و البائع يقول قيمة الهالك في يدك كان ألفا فانما يسقط عنك نصف الثمن و بعد ما تقرر الثمن على المشترى لو أنكر البائع سقوط شيء من الثمن عنه كان القول قوله فكذلك إذا أنكر سقوط الزيادة عنه و اعتبار هذا الجانب أولى لان المقصود ليس هو عين قيمة الهالك بل المقصود سقوط الثمن عن المشترى بالرد و تقرر عليه بالهلاك في يده فانما ينظر إلى الدعوي و الانكار فيما هو المقصود و هذا بخلاف ما إذا هلك أحد الثوبين في يد البائع و الآخر في يد المشترى لان هناك أن جميع الثمن لم يتقرر على المشترى لان تقرر الثمن عليه بالقبض و هو ما قبض جميع المعقود عليه فالاختلاف بينهما في مقدار ما تقرر علي المشترى من الثمن فالبائع يدعى عليه الزيادة و هو ينكرها لان الاختلاف هناك في مقدار ما قبض من المعقود عليه و لو أنكر القبض أصلا كان القول قوله فكذلك إذا أنكر قبض الزيادة و هذا الاختلاف في مقدار ما رد من المعقود عليه و لو أنكر البائع رد شيء عليه كان القول قوله فكذلك إذا أنكر رد الزيادة و إذا اشترى
(145)
دارا و بني فيها بناء ثم حضر الشفيع فانه ينقض بناء المشترى و يأخذ الدار عندنا و على قول ابن أبى ليلي يأخذ الشفيع الدار و البناء و يعطى الثمن و قيمة البناء ان شاء و هو رواية عن أبى يوسف و هو قول الشافعي و قد بينا هذا في كتاب الشفعة و إذا وجبت الشفعة لليتيم و علم بها الوصي أو الاب فلم يطلبها فليس لليتيم شفعة إذا أدرك عند أبى حنيفة و أبى يوسف رحمهما الله و علي قول محمد و زفر له الشفعة إذا أدرك و هو قول ابن أبى ليلي و قد بيناها في الشفعة و الصلح على الانكار جائز عندنا و قال ابن أبى ليلي لا يجوز الصلح على الانكار و قد بينا هذا في كتاب الصلح و كذلك إذا صلح رجل عن المطلوب و المطلوب متغيب أو أخر الطالب عنه الدين و هو متغيب جاز عندنا و على قول ابن أبى ليلي لا يجوز شيء من ذلك لان التأخير تبرع عن المطلوب بالاجل و لو تبرع عليه بالمال لم يتم في حال غيبته فكذلك إذا تبرع عليه بالاجل و لكنا نقول التأجيل إسقاط للمطالطبة إلى مدة و الاسقاط يتم بالمسقط وحده بمنزلة الابراء و هذا لانه تصرف من الطالب في حق نفسه فان المطالبة خالص حقه و ليس في التأجيل الا إسقاط المطالبة فإذا كان تصرفه لا يمس جانب المطلوب كان صحيحا مع غيبته كالعفو عن القصاص في حال غيبة القاتل و إيقاع الطلاق و العتاق في حال غيبة العبد و المرأة و كذلك الصلح من الفضولي لا يمس المطلوب فان الطالب يسقط حقه بعوض يلزمه المتوسط و قد صح التزام من المتوسط لان ذلك تصرف منه في ذمته أو في ماله فغيبة المطلوب لا تمنع صحته بمنزلة ما لو طلق إمرأته على مال شرطه على أجنبي و ضمن الاجنبي ذلك فانه يقع الطلاق مع غيبة المرأة و يجب المال على الضامن و إذا صالح الرجل عن صلح أو باع بيعا أو أقر بدين ثم أقام البينة أن الطالب أكرهه على ذلك فان أبا حنيفة قال ذلك جائز و لا أقبل البينة بانه أكرهه و قال ابن أبى ليلي أقبل بينته على ذلك وارده و قال أبو يوسف و محمد إذا كان ذلك اكراها في موضعه قبلت البينة عليه و هذه تنبني على ما بينا في كتاب الاكراه أن عند أبى حنيفة الاكراه انما يتحقق من السلطان فاكراه الرعية ليس بإكراه و عندهما يتحقق الاكراه ممن يكون قادرا على إيقاع ما هدد به سلطانا كان أو غيره فيقولا الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة و لو غائبا أو أكره من عامله علي ذلك لم يمتنع نفوذه عند أبى حنيفة و عندهما يمتنع نفوذه فكذلك إذا ثبت ذلك بالبينة الا ان عندهما انما تقبل البينة على هذا إذا كان في موضعه بأن كان يتصور الاكراه من مثله له و عند ابن أبى ليلي تقبل بينته على ذلك على كل حال
(146)
لانه أثبت السبب المبطل للعقد أو للدفع لصفة اللزوم بالبينة و الثابت بالبينة كالثابت باتفاق الخصم و لو ساعده الخصم على ذلك بطل الصلح و البيع فكذلك إذا أثبت بالبينة و إذا اختصم رجلان عند القاضي فأقر أحدهما بحق صاحبه بعد ما قاما من عنده و قامت عليه البينة بإقراره و هو يجحد فهو جائز في قول علمائنا رحمهم الله و كان ابن أبى ليلي يقول لا اقرار لمن خاصم الا عندي و لاصلح لهم الا عندي و كان لا يقبل البينة على الاقرار و الصلح بعد ما قاما من عنده قال لان القاضي سمع إنكار الخصم و صار له في ذلك علم يقين فكيف يسمع البينة على ما يعلم يقينا بخلافه يوضحه أنهمنا لما خاصما بين يديه فقد ثبت له ولاية الحكم بينهما بما هو موجب الشرع و هذا ان البينة علي المدعي و اليمين على من أنكر و فى الصلح و الاقرار من الخصم إبطال هذه الولاية له فلا يكون الا بمحضر منه و لا يكون صحيحا فهذا أولى وجه قولنا انه لو أقام الخصم البينة على اقرار خصمه أو على الصلح بينهما في المجلس الاول كانت بينته مقبولة فكذلك إذا أقام البينة على ذلك في المجلس الثاني لان الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة و لو عاين القاضي صلحهما أو اقرار الخصم يقتضي بذلك فكذلك إذا أثبته بالبينة قوله إذا كان علم إنكاره قلنا نعم و لكن بقاؤه علي ذلك الانكار معلوم للقاضي الا بطريق استحصاب الحال و البينة أقوى من استصحاب الحال و قوله انه ثبت للقاضي ولاية الحكم بموجب الشرع قلنا نعم و لكن الحكم عليه بالاقرار الثابت بالبينة و الصلح الثابت بالبينة من موجب الشرع فيكون هذا راجعا إلى تقرير ولاية القاضي و هذا لان الشرع أمر القاضي أن لا يقضى بشيء مما غاب عنه علمه الا بشهادة شاهدين و هذا الصلح و الاقرار مما غاب عنه علمه فإذا ثبت عنده شهادة شاهدين كان عليه أن يقضى بها بمنزلة صلح أو اقرار كان منهما قبل الخصومة أو يجعل الثابت بالبينة كالثابت بإقرار الخصم و قال ابن أبى ليلي إذا كفل رجل لرجل بدين له على آخر فليس للطالب أن يأخذ الاصل بالمال ما لم يتو علي الكفيل و ان كان كل واحد منهما كفيلا عن صاحبه آخذ به أيهما شاء و قد بينا هذه المسألة في كتاب الكفالة أن الكفالة عندنا لا توجب براءة الاصيل و للطالب أن يأخذ أيهما شاء و عنده مطلق الكفالة بمنزلة الحوالة فانما يطالب الكفيل بالمال و لا يطالب الاصيل ما لم يتوى المال على الكفيل الا أن يشترط أن يكون كل واحد منهما كفيلا عن صاحبه فحينئذ يطالب أيهما شاء بالمال لمكان الشرط و بعد ما طالب أحدهما له أن يطالب الآخر و على قول ابن سرمة إذا اشترط