رضي الله عنه في رواية أخرى أن بعضهم يرث من بعض الا فيما ورث كل واحد منهم من صاحبه و لم يأخذ بهذه الرواية أحد من الفقهاء وجه هذه الرواية أن سبب استحقاق كل واحد منهم ميراث صاحبه معلوم و سبب الحرمان مشكوك فيه لان سبب استحقاق حياته بعد موت صاحبه و قد عرفنا حياته بيقين فيجب التمسك به حتى تأتي بيقين آخر و سبب الحرمان موته قبل موته و ذلك مشكوك فيه فلا يثبت الحرمان بالشك الا فيما ورث كل واحد منهما من صاحبه لاجل الضرورة لانا حين أعطينا أحدهما ميراث صاحبه فقد حكمنا بحياته فيما ورث من صاحبه و من ضرورته الحكم بموت صاحبه قبله و لكن الثابت بالضرورة لا يعدو موضع الضرورة و انما تحققت هذه الضرورة فيما ورث كل واحد منهما من صاحبه ففيما سوى ذلك يتمسك في بالاصل فان هذا أصل كثير في الفقة أن اليقين لا يزال بالشك كمن تيقن الطهارة و شك في الحدث أو عكس ذلك فأما وجه القول الآخر ان سبب استحقاق كل واحد منهما ميراث صاحبه معلوم يقينا و الاستحقاق ينبنى على السبب فما لم يتيقن السبب لا يثبت الاستحقاق لان في الفقة أصل كثير ان الاستحقاق بالشك لا يثبت و بيانه ان سبب الاستحقاق بقاؤه حيا بعد موت مورثه و لا يعلم هذا يقينا و انما نعرفه بطريق الظاهر و استصحاب الحال لان ما عرف ثبوته فالظاهر بقاؤه و لكن هذا البقاء لانعدام دليل المزيل لا لوجود المبقي فانما يعتبر في بقاء ما كان على ما كان لا في استحقاق ما لم يكن كحياة المفقود يجعل ثابتا في نفى التوريث عنه و لا يجعل ثابتا في استحقاق الميراث عن مورثه و بهذا الطريق لا يرث كل واحد منهما من صاحبه ما يرثه عنه فكذلك سائر الاموال و هذا لان الارث يثبت بسبب لا يحتمل التحري فإذا تعذر إثباته في البعض يتعذر إثباته في الكل و لا وجه لاعتبار الاحوال هنا لان ذلك انما يكون عند التيقن بسبب الاستحقاق و سبب الحرمان و التردد فيما بين الاشخاص كطلاق المتهم في احدى نسائه إذا لم يدخل بهن فان سبب الارث لبعضهن معلوم و هو النكاح و سبب الحرمان لبعضهن معلوم و هو عدم النكاح فتعتبر الاحوال للترد بينهن بعد التيقن بأصل السبب و لا تيقن هنا بسبب الاستحقاق فلا معنى لاعتبار الاحوال يوضحه أن المقضي له و المقضى عليه هنا مجهول و اعتبار الاحوال انما يكون إذا كانت الجهالة في احدى الجانبين اما في جانب المقضي له أو في جانب المقضي عليه فأما عند وقوع الجهالة فيما لا يجوز القضاء أصلا ثم يجعل كأنهما مأتا جميعا لان اسناد موت كل
(29)
واحد منهما إلى الوقت الذي يمكن اضافة موت الآخر اليه و لا وجه لاثبات تاريخ بين المورثين من دليل و كذلك إذا علم أن أحدهما مات أولا و لا يدرى أيهما لتحقق التعارض بينهما فيجعل كانهما مأتا معا إذا عرفنا هذا فننول اخوان لاب وأم أو لاب غرفا و ترك كل واحد منهما ابنة فميراث كل واحد منهما لابنته بالفرض و الرد فان مات الاب و الا بن تحت هدم أو غرقا أو احترقا أو ترك الاب أبا و ابنة و إمرأة و لم يترك الابن أحدا هؤلاء فنقول أما ميراث الاب فلزوجته منه الثمن و لابنته النصف و الباقى للاب و أما ميراث الابن فان كانت إمرأة الاب أم هذا الابن فانما ترك الابن أما وجدا و أختا و هي مسألة الحرقى و قد بيناها في باب الجد و ان لم تكن المرأة أم الابن فانما ترك الابن جدا و أختا فعلى قول الصديق ميراثه للجد و عند على و عبد الله و زيد بن الجد و الاخت بالمقاسمة أثلاثا فان ترك الابن بنتا فنقول أما ميراث الاب فالأَب انما ترك في الحاصل إمرأة و ابنة و ابنة ابن و أبا فللمرأة الثمن و للابنة النصف و لابنة الابن السدس و الباقى للاب بالفرض و العصوبة و أما ميراث الابن فان كانت إمرأة الاب أم الابن فانما ترك ابنة و أما وجدا و أختا فللام السدس و للابنة النصف و الباقى للجد في قول الصديق و فى قول على للجد السدس و الباقى للاخت و فى قول زيد الباقى بين الجد و الاخت بالمقاسمة أثلاثا و فى قول عبد الله الباقى بين الجد و الاخت نصفين فان غرق رجل و ابنته و ترك الرجل أبا و أختا و إمرأة و تركت الابنة زوجا فنقول أما ميراث الاب فلامرأته الثمن و للابنة النصف و الباقى للاب و أما ميراث الابنة فان كانت إمرأة الاب أمها فانما تركت زوجا و أما وجدا و أختا و هي مسألة الاكدرية و قد بيناها و ان لم تكن أمها فانما تركت زوجا و أختا وجدا فللزوج النصف و الباقى للجد و فى قول الصديق و فى قول على و عبد الله و زيد الباقى بينهما بالمقاسمة أثلاثا و أما بيان الرواية الاخرى عن على في مسألة الحرقى و الغرقى فنقول اخوان غرقا و ترك كل واحد منهما أما و ابنة و مولى و ترك كل واحد منهما تسعين دينارا فتركة الاكبر منهما للام السدس منها خمسة عشر دينارا و للابنة خمسة و أربعون دينارا و لاخيه ما بقي و ذلك ثلاثون و كذلك يقسم تركة الاصغر ثم بقي من تركة كل واحد منهما ثلاثون دينارا و هو ما ورث كل واحد منهما من صاحبه فلامه من ذلك السدس خمسة دنانير و لابنته النصف خمسة عشر دينارا و الباقى للمولى بالعصوبة لان كل واحد منهما لا يرث من صاحبه مما ورث صاحبه منه و هذا بيان التخريج و الله أعلم بالصواب
(30)
( باب مواريت أهل الكفر ) ( قال رضى الله عنه ) أعلم بأن الكفار يتوارثون فيما بينهم بالاسباب التي يوارث بمثلها المسلمون فيما بينهم و قد يتحقق فيما بينهم جهات للارث لا يرث بها المسلمون من نسب أو سبب أو نكاح و لا خلاف أنهم لا يتوارثون بالانكحة التي لا تصح فيما بين المسلمين بحال نحو نكاح المحارم بنسب أو رضاع و نكاح المطلقة ثلاثا قبل زوج آخر و يختلفون في التوارث بحكم النكاح في العدة و النكاح بغير شهود فقال زفر لا يتوارثون بهما و قال أبو حنيفة رحمه الله يتوارثون بهما و قال أبو يوسف و محمد رحمهما الله يتوارثون بالنكاح بغير شهود و لا يتوارثون بالنكاح في العدة و هو بناء على اختلافهم في تقريرهم علي هذه الانكحة إذا أسلموا و قد بينا ذلك في كتاب النكاح ثم لا خلاف ان الكافر لا يرث المسلم بحال و كذلك لا يرث المسلم الكافر في قول أكثر الصحابة و هو مذهب الفقهاء و روى عن معاذ و معاوية رضى الله عنهما قالا يرث المسلم الكافر لقوله عليه الصلاة و السلام الاسلام يعلو و لا يعلى و فى الارث نوع ولاية للوارث على المورث فلعلو حال الاسلام لا تثبت هذه الولاية للكافر على المسلم و تثبت للمسلم علي الكافر و لان الارث يستحق بالسبب العام تارة و بالسبب الخاص أخرى ثم بالسبب العام يرث المسلم الكافر فان الذمي الذي لا وارث له في دار الاسلام يرثه المسلمون و لا يرث المسلم الكافر بالسبب العام بحال فكذلك بالسبب الخاص و الدليل عليه المرتد فانه يرثه المسلم و لا يرث المرتد من المسلم بحال و المرتد كافر فيعتبر به غيره من الكفار و قال عليه السلام الاسلام يزيد و لا ينقص يعنى يزيد في حق من أسلم و لا ينقص شيأ من حقه و قد كان مستحقا للارث من قريبه الكافر قبل أن يسلم فلو صار بعد اسلامه محروما من ذلك لنقص اسلامه من حقه و ذلك لا يجوز و حجتنا في ذلك قوله عليه السلام لا يتوارث أهل ملتين بشيء لا يرث المسلم الكافر و لا يرث الكافر المسلم و الكلام من حيث الاستدلال أن الله تعالى قال و الذين كفروا بعضهم أوليآء بعض هذا بيان نفى الولاية من الكفار و المسلمين فان كان المراد به الارث فهو اشارة إلى أنه لا يرث المسلم الكافر و ان كان المراد به مطلق الولاية فقد بينا أن في الارث معنى الولاية لانه يخلف المورث في ماله ملكا و يدا و تصرفا و مع اختلاف الدين لا تثبت الولاية لاحدهما علي الآخر ألا ترى أنه تبقي الولاية بين من هاجر و بين من لم يهاجر حتى كانت الهجرة فريضة فقال و الذين آمنوا و لم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا
(31)
فدل ذلك على نفى الولاية بين الكفار و المسلمين بطريق الاولى و هو الكلام من حيث المعنى فان الارث نوع ولاية فالسبب الخاص كما لا يوجب الولاية للكافر على المسلم لا يثبت للمسلم على الكافر يعنى ولاية التزويج بسبب القرابة و ولاية التصرف في المال و به فارق التوريث بالسبب العام فان الالوية بالسبب العام تثبت للمسلم على الكافر كولاية الشهادة و السلطنة و لا تثبت للكافر على المسلم بحال فكذلك التوريث و هذا بخلاف المرتد فالإِرث للمسلم منه يستند إلى حال اسلامه و لهذا قال أبو حنيفة رضى الله عنه انه يورث عنه كسب اسلامه و لا يورث عنه كسب الردة و لهذا لا يرث هو من المسلم لانه لا يتحقق معنى الاستناد في جانبه أو لا يرث هو عقوبة له على ردته كما لا يرث القاتل بغير حق من المقتول شيء ثم المرتد مقر على ما اعتقده بل هو مجبر على العود إلى الاسلام فيبقى حكم الاسلام في حقه فيرثه وارثه المسلم باعتبار هذا المعنى و لا يرث هو من أحد شيأ لان حكم الاسلام انما يعتبر في حقه فيما لا ينتفع هو به دون ما ينتفع به و المراد بقوله عليه السلام الاسلام يعلو و لا يعلى العلو من حيث الحجة أو من حيث القهر و الغلبة فيكون المراد ان النصرة في العاقبة للمؤمنين و أما الحديث الآخر قلنا عندنا نفى التوريث يكون محالا به على كفر الكافر لانه خبيث ليس من أهل أن يجعل المسلم خلفا له فلا يكون هذا النقصان محالا به على اسلام المسلم كالزوج إذا أسلم و إمرأته مجوسية يفرق بينهما لانها خبيثة ليست من أهل أن يستفرشها المسلم الا أن يكون اسلامه مبطلا ملكه ثم أهل الكفر يتوارثون فيما بينهم و ان اختلفت مللهم فاليهودى يرث من النصراني و النصراني من المجوسي و المجوسي منهما عندنا و هكذا ذكر المزني في المختصر عن الشافعي و روى بعض أصحاب الشافعي انهم لا يتوارثون الا عند اتفاق الاعتقاد و هكذا رواه ابن القاسم عن مالك و قال ابن أبى ليلي اليهود و النصارى لا يتوارثون بينهم و لا يرثهما المجوسي و لا يرثان من المجوسي شيأ فمن قال لا يتوارثون استدل بقوله عليه السلام لا يتوارث أهل ملتين بشيء و هم أهل ملل مختلفة بدليل قوله تعالى و الذين هادوا و النصارى و انما يعطف الشيء على غيره لاعلى بعضه فكما ان عطف اليهود على المسلمين دليل على انهم أهل ملتين فكذلك عطف النصارى علي اليهود قال الله تعالى و لن ترضى عنك اليهود و لا النصارى حتى تتبع ملتهم و معلوم ان اليهود لا ترضى الا بان يتبع اليهود معهم و النصارى كذلك فعرفنا ان لكل واحد من الفريقين ملة على حدة و لان النصارى يقرون بنبوة عيسى عليه السلام و الانجيل و اليهود يجحدون ذلك فكان ملة كل
(32)
واحد منهما ملة الآخر كالمسلمين مع النصارى فان المسلمين يقرون برسالة محمد صلى الله عليه و سلم و بالقرآن فكانت ملتم ملة النصارى و به فارقوا أهل الاهواء لانهم يتفقون على الاقرار بالرسل و الكتب و انما الاختلاف بينهم في تأويل الكتاب و السنة فلا يوجب ذلك اختلافا في الملة فيما بينهم و قد يوجد مثل ذلك فيما بين النصارى كالنسطورية والملكانية و اليعقوبية و فيما بين اليهود أيضا كالفرعيه والسامرية و غير ذلك و أما ابن أبى ليلي فقال ان اليهود و النصارى اتفقوا على دعوى التوحيد و انما اختلفت نحلهم في ذلك و اتفقوا على الاقرار بنبوة موسى عليه السلام و التوراة بخلاف المجوس فانهم لا يدعون التوحيد و انما يدعون الاثنين يزدان و أهر من و لا يقرون بنبوة موسى و لا بكتاب منزل و لا يوافقهم اليهود و النصارى على ذلك فكانوا أهل ملتين و الدليل عليه حل الذبيحة و المناكحة فان اليهود و النصاري في ذلك كشيء واحد بخلاف المجوس و حجتنا في ذلك ان الله تعالى جعل الدين دينين الحق و الباطل فقال الله عز و جل لكم دينكم ولي دين و جعل الناس فريقين فقال فريق في الجنة و هم المؤمنون و فريق في السعير و هم الكفار بأجمعهم و جعل الخصم خصمين فقال جل جلاله هذان خصمان اختصموا في ربهم يعنى الكفار أجمع مع المؤمنين و الدليل عليه انا نسلم انهم فيما بينهم أهل ملل فيما يعتقون و لكن عند مقابلتهم بالمسلين أهل ملة واحدة لان المسلمين يقرون برسالة محمد صلى الله عليه و سلم و بالقرآن و هم ينكرون ذلك بأجمعهم و به كفروا فكانوا في حق المسلمين أهل ملة واحدة في الشرك و ان اختلفت نحلهم فيما بينهم و كذلك من يعبد منهم صنما و من يعيد صنما آخر و يكفر كل واحد منهم صاحبه فهم أهل ملة واحدة و ان اختلفت نحلهم فكذلك الكفار بأجمعهم و كانوا في هذا كأهل الاهواء من المسلمين و فى قوله عليه السلام لا يتوارث أهل ملتين اشارة إلى ما بينا فانه فسر الملتين بقوله لا يرث المسلم الكافر و لا الكافر المسلم ففى تنصيصه على الوصف العام في موضع تفسير بيان انهم في حكم التوريث أهل ملة واحدة وحل الذبيحة و المناكحة لا يقوى الاستدلال بها فان المسلمين مع اليهود و النصارى استووا في حكم حل الذبيحة و المناكحة ثم لم يكن دليل على اتفاق الملة بينهم فكذلك اختلاف المجوس مع أهل الكتاب في حل الذبيحة و المناكحة لا يكون دليلا على اختلاف الملة فيما بينهم و كان المعنى فيه ان شرط حل الذبيحة تسمية الله تعالى على الخلوص و الكتابى من أهل ذلك لانهم يظهرون دعوى التوحيد و ان كانوا يضمرون في ذلك بعض الشرط فلتحقق وجود الشرط
(33)
في حقهم حلت ذبائحهم بخلاف المجوس فانهم لا يدعون التوحيد فلا تصح منهم تسمية الله تعالى على الخلوص و هو شرط الحل ثم ينقطع التوارث فيما بينهم بسب اختلاف الدار حقيقة و حكما حتى أن الذمي إذا مات لا يرثه قرابتة من أهل الحرب و كذلك لا يرث هو قريبه الحربي لان الذمي من أهل دار الاسلام و بتباين الدار تنقطع العصمة ( ألا ترى ) أن عصمة النكاح تنقطع بتباين الدارين حقيقة و حكما فكذلك تنقطع الولاية فينقطع التوارث أيضا باعتبار أن من مات في دار الحرب يجعل في حق من هو من أهل دار الاسلام كالميت و كذلك المستأمن في دار الاسلام لا يجرى التوارث بينه و بين الذمي لانه و ان كان وارثا حقيقة فهو من أهل الحرب حكما حتى يتمكن من الرجوع إلى دار الحرب و لا يترك ليستديم المقام في دار الاسلام و لهذا لا تبين منه زوجته التي في دار الحرب و يجرى التوارث بين هذا المستأمن و بين أقاربه من أهل دار الحرب لهذا المعنى حتى إذا مات يوقف ماله حتى يأتى دارنا فيأخذه لانا أعطيناه الامان في ماله و نفسه فبعد موته يبقى حكم الامان في ماله لحقه لا لحق ورثته التي في دار الحرب لانا اتصال ماله إلى ورثته من حقه فيمنع ذلك صرف ماله إلى بيت المال بخلاف الذمي إذا مات و لا وارث له من أهل الذمة فان أهل الحرب لا يرثونه شيأ و مال الميت الذي لا وارث له يصرف إلى بيت المال كالمسلم الذي و لا وارث له إذا مات و أهل الحرب فيما بينهم لا يتوارثون إذا اختلفت منعتهم و ملكهم بخلاف المسلمين فان أهل العدل مع أهل العدل يتوارثون فيما بينهم لان دار الاسلام دار أحكام فباختلاف المنعة و المك لا تتباين الدار فيما بين المسلمين لان حكم الاسلام يجمعهم فاما دار الحرب ليست بدار أحكام و لكن دار قهر فباختلاف المنعة و الملك تختلف الدار فيما بينهم و بتباين الدار ينقطع التوارث و كذلك إذا خرجوا إلينا بأمان لانهم من أهل دار الحرب و ان كانوا مستأمنين فينا فيجعل كل واحد في الحكم كانه في منعة ملكه الذي خرج منها بأمان بخلاف ما إذا صاروا ذمة فانهم صاروا من أهل دار الاسلام فيتوارثون فيما بينهم بعد ذلك كما لو أسلموا فانه يجوز التوارث بينهم و ان اختلفت منعتهم في حالة الكفر و الله أعلم بالصواب فصل في ميراث المجوس ( قال عمر و على رضى الله عنهما ) في المجوسي إذا كان له قرابتان فانه يستحق الميراث
(34)
بهما و يكون اجتماع القرابتين في شخص واحد كافتراقهما في شخصين و هو قول علمائنا رحمهم الله و كان ابن مسعود رضى الله عنه يقول لا يرث الواحد بالقرابتين و انما يرث بالاقرب منهما و هكذا يرويه بعض الرواة عن زيد فان خارجة بن زيد يروى عن أبيه مثل هذا و الفرضيون اتفقوا على أن هذه الرواية لا تصح عن زيد و قد حفظت الرواية عنه في ثلاثة أعمام أحدهم أخ لام أن للاخ لام السدس بالاخوه و الباقى بينهم أثلاثا بالعمومة و انما يتصور هذا في حق المجوسي بان يكون المجوسي ثلاثة بنين للابن الاكبر منهم إمرأة فلولد له منها ولد ثم مات الاكبر فتزوجها المجوسي فولد له منها ولد ثم مات المجوسي ثم مات الولد الاكبر فقد ترك ثلاثة أعمام أحدهم أخ لام و قد ورثه زيد رضى الله عنه بالسببين جيمعا فعرفنا ان مذهبه كمذهب عمر و على رضى الله عنهم و من العلماء من قال انما يرث أوفر النصيبين و منهم من قال انما يرث بالسبب الذي يتحقق مثله فيما بين المسلمين دون السبب الذي لا يتحقق مثله فيما بين المسلمين وجه قول من اختار قول ابن مسعود ان توريثه بالسببين يؤدى إلى أن يستحق شخص واحد فرضين مختلفين و ذلك لا يجوز ( ألا ترى ) ان الاخت لاب وأم مع الاخت لاب لا ترث فرضين بالاختية لام و بالاختية لاب و كذلك الجدة لا ترث فرضين ان كانت جدة من جهتين على ما بينا من أصل أبى يوسف فإذا كان هذا لا يثبت فيما بين المسلمين مع تحقق السببين فكذلك فيما بينهم بخلاف ابن العم الذي هو أخ لام أو زوج لان هناك انما يجمع له بين الفرضية و العصوبة و ذلك لا يستقيم كالأَب مع الابنة يكون صاحب فرض و عصبة و انما لا يجوز الجمع بين الفرضين لان الله تعالى بين نصيب كل صاحب فريضة ففى الجمع بين الفرضين زيادة على ذلك بالسبب الذي ثبت به فريضته نصا و ذلك لا يجوز ثم هذا يؤدى إلى أن يكون المرء حاجبا نفسه و ذلك ممتنع فانه إذا تزوج المجوسي ابنته فولد له ولد و للمجوسى ابنة أخرى ثم مات المجوسي ثم مات هذا الولد فقد مات عن أم هى أخته لابيه و عن أخت أخرى لاب فلو اعتبرنا السببين في حق شخص واحد لكان للام السدس بالفريضة فتكون حاجبة نفسها من الثلث إلى السدس و ذلك لا يجوز إذا عرفنا هذا فنقول لما تعذر توريثه بالسببين رجحنا الاقرب منهما لان الارث ينبنى على القرب فيقدم الاقرب من الاسباب على أبعدها و من قال يرث أوفر النصيبين قال الاقل يدخل في الاكثر و من قال يرث بالسبب الذي يتحقق به التوارث بين المسلمين قال ان هذا السبب ثابت على