هذا الشرط ثم طالب أحدهما فليس له أن يطالب الآخر بعد ذلك و يجعل اختياره مطالبة أحدهما إبراء للآخر بمنزلة الغاصب مع صاحب المغصوب الا أن يشترط أن يؤاخذهما جميعا فحينئذ بعد ما طالب أحدهما له أن يطالب الآخر قال و قد قال بعض مشايخنا أيضا و قيل هو شريك ابن عبد الله ان شرط هذه الزيادة ثم اختار أحدهما لم يكن له أن يعود على الآخر الا أن يفلس هذا أو يموت و لا يترك شيأ و قد بينا وجوه هذه الاقاويل في كتاب الكفالة فان محمدا ذكر هناك صكا يشتمل على هذه الشرائط و قد بينا انه انما شرط هذه الزيادات للتحرز من هذه الاقاويل في كتاب الكفالة قال و كان ابن أبى ليلي لا يجوز الضمان بشيء مجهول غبر سمى كقوله ما كان لك عليه من حق فهو على أو ما قضى لك القاضي عليه فهو على لانه يلزم المال بعقد معتمد تمام الرضا فمع الجهالة المتفاحشة لا يصح التزامه بمنزلة الالتزام بسائر المعاوضات و بيان الجهالة المتفاحشة هنا انه مجهول الجنس و القدر و الصفة و لا جهالة أبلغ من هذا و لكنا نقول الجهالة هنا لا تمنع صحة الالتزام و لكنا جهالة تقضى إلى المنازعة و هذه الجهالة لا تقضى إلى تمكن المنازعة فان الطالب لا يطالب الكفيل الا بما ثبت له على الاصيل و لا تتمكن المنازعة بعد ما ثبت له الحق على الاصيل بالحجة أو بعد ما قضى القاضي به عليه ثم الالتزام بالكفالة بمنزلة الالتزام بالاقرار فانه ليس بمقابلة عوض يجب للكفيل على الطالب و جهالة المقر به لا تمنع صحة الاقرار فكذلك جهالة المكفول به ثم ذكر مسألة الكفالة عن الميت المفلس و بينا أن قول ابن أبى ليلي فيه كقول أبى يوسف و محمد رحمهم الله و قد بيناها و قال علي قول أبى حنيفة ان كان ترك الاصيل شيأ ضمن الكفيل بقدر ما ترك لان صحة الضمان عنده باعتبار الوفاء على معنى انه يجعل المال خلفا عن الذمة في بقاء الواجب باعتباره لان المال محل صالح لقضاء الدين منه و الوجوب مطلوب لعينه بل للاستيفاء فان ما بقي من المال في ذمة الاصيل بقدر ما يصلح أن يكون تركة خلفا و صحة الكفالة باعتبار بقاء المال في ذمة الاصيل في أحكام الدنيا فلهذا لا يصح ضمانه الا بقدر تركة الاصيل و قال ابن أبى ليلي كفالة العبد المأذون جائزة لان الكفالة من صنيع التجارة و هو منفك الحجر عنه فيما هو من صنيع التجار و لانه التزام بعوض فان الكفيل يرجع علي الاصيل بما يؤدى و العبد المأذون من أهل هذا النوع من الالتزام و قد جعل أبو حنيفة رحمه الله الكفالة من جنس التجارة فقال إذا كفل أحد المتعاوضين بمال يلزم شريكه فلما جعل في حق المتعاوضين هذا
(148)
بمنزلة التجارة فكذلك في حق العبد المأذون و لكنا نقول لا تصح كفالة المأذون في حالة رقه لان الحاجز و هو الرق قائم و انما أصل الحجر عنه بالاذن فيما هو تجارة أو من توابع التجارة و الكفالة ليست بهذه الصفة فان التجاز يتحرزون عن الكفالة غاية التحرز لهذا قيل الكفالة أولها ملامة و اوسطها ندامة و آخرها غرامة فبقى محجورا عنه على ما كان قبل الاذن ثم الكفالة بمنزلة الاقراض فانه تبرع في الالتزام و ان كان عند الاداء يرجع كما ان المقرض تبرع باداء المال و ان كان له حق الرجوع في المال و العبد المأذون لا يملك الاقراض في حق مولاه فكذلك لا يملك الكفالة و هذا بخلاف المتعاوضين لان الكفالة في الابتداء تبرع و لكن في الانتهاء معاوضة و لا بد من تصحيحه من المعاوض الذي باشره و ان كان تبرعا فإذا صح منه انقلب معاوضة فيطالب به الشريك اما هنا باعتبار كونه تبرعا لا يصح من العبد المأذون في الابتداء فلا ينقلب معاوضة و قال ابن أبى ليلي إذا أفلس المحتال عليه رجع الطالب على المحيل و هو بناء على ما سبق ان عند أبى ليلي التفليس و الحجر يتحقق و قوله فيه كقولهما أو أبلغ منه لان عنده بعد التفليس و الحبس لا ينفذ عتق المديون في عبده فيتحقق بالتوى بالتفليس علي قوله و إذا توى المال علي المحتال عليه كان للطالب أن يرجع على المحيل لقوله عليه السلام لا توى على مال أمرئ مسلم فأما علي قول أبى حنيفة التوى لا يتحقق لان التوى أن يهلك عين الشيء أو محله الذي كان قائما به و الدين لا يتصور هلاكه حقيقة و محله قائم بعد الافلاس ببقاء الذمة محلا صالحا لالتزام الحقوق و انما يتأخر الاستيفاء بالافلاس و هذا تأخير يزول ساعة فساعة لان المال غاد و رائح بخلاف ما إذا مات فان محل الدين خرج من أن يكون صالحا لالتزام الحقوق و انما يتأخر الاستيفاء في أحكام الدنيا بخلاف ما لو جحد و حلف لان الدين هناك صار تاويا حكما حتى انقطع طريق الوصول اليه عن بينة أو اقرار الخصم و قال ابن أبى ليلي للوكيل أن يوكل بما و كل به إذا مرض أو أراد سفر فأما إذا كان حاضرا صحيحا فلا و عندنا بمطلق الوكالة ليس له أو يوكل غيره الا أن يكون قال له ما صنعت من شيء فهو جائز فحينئذ يكون له أن يوكل غيره به سواء كان حاضرا صحيحا أو غائبا أو مريضا وجه قوله ان الوكيل بقبول الوكالة قد التزم اداء هذه الامانة و تحصيل مقصود الموكل فلا بملك أن ينيب غيره منابه في ذلك الا في حالة العذر من مرض أو سفر بمنزلة شاهد الاصل فانه لا يكون له أن يؤدى الشهادة بالثابت و هو شاهد الفرع الا عند السفر أو المرض فهذا
(149)
مثله و لكنا نقول الموكل انما رضى برأى الموكل فلا يكون له أن يقيم رأى غيره مقام رأي نفسه لان الناس يتفاوتون في الرأي و مقصود الموكل لا يحصل برأى غيره ثم العذر هنا لا يتحقق بسفره و مرضه لان الموكل قادر على النظر لنفسه و تحصيل مقصوده بمباشرته بخلاف شاهد الاصل فان العذر هناك يتحققق عند المرض و السفر لان صاحب الحق لا يتمكن من احياء حقه بطريق آخر و لا يكون له أن يطالب شاهدي الاصل بالحضور لاداء الشهادة عند العذر فلهذا قبلت شهادة شهود الفرع على شهادته فأما إذا قال ما صنعت من شيء فهو جائز فقد رضى هناك برأيه على العموم و التوكيل من رأيه و ليس الوكيل في هذا كالوصي لان الوصي قائم مقام الموصى و ثبت له من الولاية ما كان ثابتا للموصى فيملك بولايته التوكيل و الايصال إلى الغير كما كان يملك الموصى و لهذا يستوى فيه حالة العذر و غير حالة العذر و كان ابن أبى ليلي لا يجوز اقرار الوكيل على الموكل و هو قول زفر و الشافعي و قد بينا المسألة في كتاب الوكالة و قال ابن أبى ليلي تقبل الوكالة في القصاص و الحدود و انما أراد به في الاستيفاء لا في الاثبات و عندنا لا تقبل الوكالة في القصاص و الحدود علي معنى لا يستوفى في حال غيبة الموكل هو لكون القصاص محض حق العبد و التوكيل من صاحب الحق باستيفاء سائر حقوقه صحيح فكذلك باستيفاء القصاص و الحد حق الله تعالى يقيمها الامام عند ظهور السبب عنده و قد ظهر بخصومة الوكيل و لكنا نقول لو استوفى في حال غيبة الموكل كان استيفاء مع تمكن الشبهة لانه يتوهم العفو عن الموكل في القصاص و التصديق من المقذوف بالحد و ما يندرئ بالشبهات لا يجوز استيفاؤه مع تمكن الشبهة بخلاف سائر الحقوق التي ثبتت مع الشبهات و لئن كان المراد بهذا التوكيل الاثبات فقد بينا الاختلاف في هذه المسألة بين أصحابنا رحمهم الله في كتاب الوكالة و إذا كان لرجل على رجل مال و للمطلوب على الطالب مثله فهو قصاص عندنا و قال ابن أبى ليلي لا يكون قصاصا حتى يتراضيا به اعتبارا للدين الذي لكل واحد منهما في ذمة صاحبة بالعين التي لكل واحد منهما في يد صاحبه و لو كان لرجل في يد غيره مائة درهم و لآخر في يده مثل ذلك لم يكن أحدهما قصاصا بالآخر و كان لكل واحد منهما أن يطالب صاحبه بملكه فهذا بمثله بل أولى فان مبادلة العين بالعين صحيح و مبادلة الدين بالدين باطل فلا يمكن أن يجعل كل واحد منهما مستوفيا حقه بطريق المبادلة لانه مبادلة الدين بالدين و لا يمكن أن يجعل مستوفيا باعتبار انه عين حقه لان ما في ذمته حق غيره
(150)
و حجتنا في ذلك ان مطالبة كل واحد منهما صاحبه بدراهمه اشتغال بما لا يفيد لانه يستوفى من صاحبه و يرد عليه من ساعته ما كان له قبله و لا يجوز الاشتغال بما لا يفيد و هذا بخلاف العين لان في الاعيان للناس أغراضا و لا يوجد مثل ذلك الغرض في الدين فان الديون تقضى بأمثالها لا بأعيانها فلا فائدة لواحد منهما في مطالبة صاحبه هنا لان التفاوت بين المعنيين متحقق في معنى من المعاني و لا يتحقق التفاوت بين الدينين إذا استويا من كل وجه و انما يتحقق التفاوت إذا اختلفا في صفة الجودة و الحلول و لا أحد يقول عند ذلك لا تقع المقاصة بينهما و مبادلة الدين بالدين انما تجوز فيما لا يحتاج إلى قبض في المجلس وهنا يحتاج إلى القبض ( ألا ترى ) انهما لو تراضيا على المقاصة كان جائزا و مبادلة الدين بالدين حرام شرعا و ان وجد التراضى لنهي النبي صلى الله عليه و سلم عن الكالي بالكالي و إذا كتب الرجل على نفسه صك حق يعوض ثم أقام البينة ان أصله مضاربة لم تقبل بينته عندنا و قال ابن أبى ليلي أقبل بينته و اجعله مضاربة كذلك لو أقر علي نفسه بمال في صك حق من ثمن متاع ثم أقام البينة انه ربا لم تقبل بينته عندنا و كان ابن أبى ليلي يقبلها منه و يرده إلى رأس المال و القياس ما قلنا لان قبول البينة ينبنى على صحة الدعوي و بعد ما أقر ان المال عليه قرضا لا يصح دعواه انه مضاربة لانه مناقض في ذلك و بدون الدعوي لا تقبل البينة و كذلك بعد ما أقر ان المال واجب عليه من ثمن متاع لا يسمع دعواه انه ربا لكونه مناقضا في ذلك فان الربا لا يكون واجبا عليه و بدون الدعوي لا تقبل بينته و استحسن ابن أبى ليلي رحمه الله في الفصلين جيمعا لانه وجد في ذلك عرفا ظاهرا بين الناس انهم يكتبون القرض للاحتياط و ان كانوا دفعوا المال مضاربة و يقرون بثمن المتاع و ان كان أصل المعاملة قرضا و الزيادة ربا شرط عليه فللعرف الظاهر قال تقبل بينته على ذلك و لكن هذا ليس بقوي فهذا العرف يدل على شهادة الظاهر له و ذلك دليل قبول قوله مع يمينه لا دليل قبول بينته و بالاتفاق لا يقبل قوله مع يمينه لما سبق من الاقرار فكذلك لا تقبل بينته و لو أقر بمال في صك حق من ثمن بيع ثم قال لم أقبض المبيع فقد بينا هذه المسألة في كتاب البيوع ان على قول أبى حنيفة و محمد لا يصدق وصل أم فصل و فى قول أبى يوسف الاول ان وصل صدق و ان فصل لا يصدق ثم رجع فقال إذا فصل يسأل المقر له عن سبب وجوب المال فان أقر انه من ثمن بيع فالقول قول المقر انى لم أقبض المبيع و هو قول محمد و فى قول ابن أبى ليل سواء فصل أم وصل فالقول قوله بانى لم أقبض المبيع و لا يلزمه شيء حتى يأتى
(151)
الطالب ببينة على قبض المتاع للعرف الظاهر ان المشترى يقر بوجوب الثمن عليه بعد البيع قبل القبض فلا يكون اقدامه على الاقرار بذلك دليلا على قبضه المبيع فإذا قال لم أقبض فهو منكر للقبض بالحقيقة فالقول قوله مع يمينه و على الطالب البينة على تسليم المبيع و لكنا نقول اذ لم يكن المبيع معينا فثمنه لا يكون واجبا عليه الا بعد القبض و فى إقراره بوجوب المال عليه دليل الاقرار بالقبض فإذا قال بعد ذلك لم أقبض فهو مناقض في كلامه و إذا شهدت الشهود على زنا قديم أو سرقة قديمة فعلى قولنا لا يقام الحد في ذلك و عند ابن أبى ليلي يقام الحد و قد بينا المسألة في الحدود و فيه حديث عمر رضى الله عنه حيث قال أيما قوم شهدوا علي حد لم يشهدوا عند حضرة ذلك فانما شهدوا على ضغن فلا شهادة لهم و عن ابن أبى ليلي في حد السكر ان أتى به و هو سكران فلا حد عليه لانعدام العلة الموجبة للحد و لكنا نقول الموجب للحد هو الشرب لي غاية السكر و لا ينعدم ذلك و ان زال ما به من السكر الا عند أبى حنيفة و أتى يوسف رحمهما الله فانهما يشترطا بقاء الرائحة لاقامة الحد عليه و عند محمد لا يشترط ذلك و قد بيناه في الحدود و إذا دعى الرجل دينا على ميت شهد له به شاهدان ثم شهد هو و آخر على دين لرجل آخر فشادتهما جائزة عندنا و على قول ابن أبى ليلي لا تجوز شهادته لان التركة مشغولة بحق الغرماء و هي كالمستحقة لهم بدينهم فهذا في معنى شهادة أحد الشريكين له لشريكه و لكنا نقول الغريم يتضرر بهذه الشهادة لان بدون هذه الشهادة كان هو أحق بالتركة والان يثبت لغيره المزاحمة معه في التركة و فى هذا ضرر عليه و انما تتمكن التهمة في شهادته إذا كان للشاهد منفعة فيها و أما إذا كان عليه ضرر في شهادته فالتهمة لا تتمكن فيها فيجب قبول الشهادة و قد تقدم بيان نظائر هذه المسألة في الوصايا و إذا أقر الرجل بالزنا عند قاض أربع مرات فشهد به عليه الشهود لم يحد عندنا و يحد في قول ابن أبى ليلي رحمه الله اعتبارا للاقرار بالزنا بالاقرار بسائر الاسباب الموجبة للعقوبة كالقتل و القذف فكما ان هناك تقبل البينة على إقراره بذلك و يجعل الثابت من إقراره بالبينة كالثابت بالمعاينة فكذلك هنا و لكنا نقول الرجوع عن الاقرار صحيح في باب الزنا و الحدود التي هى محض حق الله تعالى ( ألا ترى ) ان ماعزا رضى الله عنه لما هرب ثم أخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم بذلك فقال عليه السلام هلا خليتم سبيله و انما قال ذلك لانه جعل هربه دليل رجوعه عن الاقرار فإذا ثبت ان الرجوع صحيح هنا قلنا البينة لا تقبل الا علي منكر و إنكاره رجوع عما سبق من الاقرار لا محالة فانما شهد
(152)
الشهود على اقرار باطل و به فارق القتل و القذف فالرجوع عن الاقرار فيهما لا يكون صحيحا يوضحة ان الاقرار بالزنا في معنى الشهادة و لهذا يشترط فيه عدد الاربع و يصح الرجوعه عنه بمنزلة الشهادة و كما ان الشهادة التي تقوم في مجلس القضاء لا يقام بها الحدود فكذلك الاقرار عند القاضي لا يجوز اقامة الحد به و إذا شهد قوم من أهل الكوفة ان ذلك الشاهد فاسق فان شهادتهم لا تكون مقبولة عندنا و قال ابن أبى ليلي رحمه الله تقبل و ترد شهادة الشاهد لان فسقه لو صار معلوما للقاضي بخبر المخبر رد شهادته فإذا صار معلوما له بشهادة الشهود أولى و لان الفسق مانع من العمل بشهادته بمنزلة الرق و كونه محدودا في قذف و لو قامت البينة على ذلك لم يجز القضاء بشهادته فكذلك إذا شهد الشهود بفسقه وجه قولنا ان المقصود بهذه الشهادة النفي لا الاثبات و البينات للاثبات لا للنفي و بيان الوصف ان المقصود نفى وجوب العمل بشهادته و به فارق الرق و اقامة الحد عليه لان تلك البينة تقوم لاثبات الرق عليه و لاثبات فعل القاضي في اقامة الحد عليه ثم يتضمن ذلك بطلان شهادته حكما يوضحه ان صفة الفسق ليست بصفة لازمة فان الفاسق إذا تاب لا يبقى فاسقا فالشاهد لا يعلم بقاء هذا الوصف فيه عند شهادته حقيقة و انما يقول ذلك باستصحاب الحال و ذلك يطلق له الخبر دون الشهادة فكان محارفا في هذه الشهادة بخلاف الرق و اقامة الحد عليه فان ذلك صفة لازمة له فيجوز للشاهد أن يشهد على ذلك إذا كان قد علم سببه حقيقة و لان الفسق يثبت بأسباب يختلف الناس في بعضها فلعل الشاهد بذلك يعتمد لسبب عنده ان ذلك الفسق و عند القاضي ليس بفسق فلا يجوز له أن يعتمد بمجرد شهادته انه فاسق بخلاف الرق و اقامة الحد عليه و إذا سافر المسلم فحضره الموت و أشهد علي وصيته رجلين من أهل الكتاب لم تجز شهادتهما عندنا و قال ابن أبى ليلي رحمه الله تجوز شهادتهما و هو قول شريح رحمه الله فانه كان يقول لا تقبل شهادة أهل الكتاب علي المسلمين في شيء الا في الوصية و لا تقبل في الوصية الا في حالة السفر و قد نقل ذلك عن إبراهيم النخعي لظاهر قوله تعالى اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم يعنى من أهل دينكم بدليل قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم و لكن نقل عن إبراهيم انه قال هذه الاية منسوخة نسخها قوله تعالى و اشهدوا ذوى عدل منكم و قد نقل عن عكرمة ان المراد من قوله عز و جل أو آخران من غيركم أي من قبيلتكم و هذا لان العداوة بين القبائل في الجاهلية كانت ظاهرة فبين الله تعالى انه لا معتبر بها بعد
(153)
الاسلام و ان شهادة بعضهم على بعض مقبولة ( ألا ترى ) ان الله تعالى قال تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله و ذلك انما يكون في حق المسلمين الذين يصلون و قد صح الحديث ان النبي صلى الله عليه و سلم قال لا تقبل شهادة أهل ملة على أهل ملة أخرى الا المسلمين فان شهادتهم مقبولة على أهل الملل كلها و المعنى الذي لاجله لا تقبل شهادتهم علينا في سائر الحقوق انقطاع ولايتهم عنا و هذا المعنى موجود في الوصية و المعنى الذي لاجله لا تقبل شهادتهم علي وصية المسلم في حالة السفر موجود في حالة السفر و إذا اختلف الشاهدان في المواطن التي شهدا فيها على عمل من قتل أو غصب لم تقبل شهادتهما و لا يعزران على ذلك عندنا و كان ابن أبى ليلي ربما ضربهما و عاقبهما لتمكن تهمة الكذب و المجازفة في الشهادة و لكنا نقول لا ندري أيهما الكاذب منهما فضرب كل واحد منهما عبث و لا بد من تقرر السبب في حقه حتى يجوز الاقدام على ضربه و ذلك لايوجد في حق كل واحد منهما و كذلك لو شهدا بأكثر مما ادعى فعلى قول ابن أبى ليلي يؤدبان على ذلك لتهمة الكذب و المجازفة و لكنا نقول لعل المدعى هو الغالط و الكاذب و الشهود صادقون في شهادتهم و بدون تقرر السبب لا تجب عليهم العقوبة و ان كان لا يعمل بشهادتهم لتكذيب المدعى إياهم و إذا لم يطعن الخصم في الشاهد فعلى قول أبى حنيفة رحمه الله لا يسأل عنه القاضي و عند ابن أبى ليلي يسأل عنه و هو قول أبى يوسف و محمد لان السوأل عن الشهود لصيانة قضائه فانه ممنوع شرعا من القضاء بشهادة الفاسق و أبو حنيفة يقول العدالة ثابتة بظاهر الاسلام كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم المسلمون عدول بعضهم على بعض فيعتمد القاضي هذا الظاهر ما لم يطعن الخصم فإذا طعن اشتغل بالسؤال لان الظاهر من حال الطاعن انه لا يكذب أيضا فانه مسلم و قد بينا هذه المسألة بفصولها في أدب القاضي و شهادة الصبيان بعضهم على بعض لا تكون مقبولة عندنا و كان ابن أبى ليلي يجيزها في الجراحات و تمزيق الثياب التي تكون بينهم في الملاعب ما لم يتفرقوا فان كانوا تفرقوا لم تجز شهادتهم لان العدول قل ما يحضرون ملاعب الصبيان فكانت الضرورة داعية إلى قبول شهادة بعضهم على بعض بمنزلة شهادة النساء فيما لا يطلع عليه الرجال و لكن هذا ما لم يتفرقوا فاما إذا تفرقوا و عادوا إلى بيوتهم فانهم يلقنون الكذب هذا هو العادة فلا تقبل شهادتهم لذلك و لكنا نقول المعنى الذي لاجله لا تكون لهم شهادة على البالغين انقطاع الولاية فان الصبي ليس من أهل الولاية على أحد و هذا المعنى موجود في شهادة بعضهم على بعض