الاوعية لنقل الماء إلى النساء ) لان المرأة تحتاج إلى الماء للوضوء و الشرب و ان تيممت للوضوء احتاجت إلى الماء لتشرب و لا يمكنها ان تخرج تستقي الماء من الانهار و الآبار و الحياض فانها أمرت بالقرار في بيتها قال الله تعالي و قرن في بيوتكن فعلى الرجل ان يأتيها بذلك لان الشرع ألزمه حاجتها كالنفقة و لا يمكنه ان يأتيها بكفه فلا بد ان يتخذ وعاء لذلك لان ما لا يتأتى اقامة المستحق الا به يكون مستحقا ( قال و من فعل شيئا مما ذكرنا فهو مأمور بإتمامه لقوله تعالى و لا تكونوا كالتى نقضت غزلها الآية ) و هذا مثل ذكره الله تعالى لمن ابتدأ طاعة ثم لم يتمها فيكون كالمرأة التي تغزل ثم تنقض فلا تكون ذات غزل و لا ذات قطن و من امتنع من الاكل و الشرب و الاستكنان حتى مات أوجب على نفسه دخول النار لانه قتل نفسه قصدا فكانه قتلها بحديدة و قال صلى الله عليه و سلم من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجئ بها نفسه في نار جهنم ثم تأويل اللفظ الذي ذكره من وجهين أحدهما انه ذكره على سبيل التهديد و أضمر في كلامه معنى صحيحا و هو انه أراد الدخول الذي هو تحله القسم قال الله تعالى و ان منكم الا واردها الآية و المراد داخلها عند أهل السنة و الجماعة و الثاني ان المراد بيان جزاء فعله يعنى ان جزاء فعله دخول النار و لكنه في مشيئة الله تعالى ان شاء عفى عنه بفضله و ان شاء أدخله النار بعدله و هذا نظير ما قيل في بيان قول الله تعالى فجزاؤه جهنم خالدا فيها ان هذا جزاؤه ان جازاه الله به و لكنه عفو كريم يتفضل بالعفو و لا يخلد أحدا من المؤمنين في نار جهنم ( قال و كل أحد منهى عن إفساد الطعام و من الافساد الاسراف ) و هذا لما روى أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن القيل و القال و عن كثرة السوأل و عن اضاعة المال و فى الافساد اضاعة المال ثم الحاصل انه يحرم على المرء فيما اكتسبه من الحلال الافساد و السرف و الخيلاء و التفاخر و التكاثر أما الافساد فحرام لقوله تعالى و ابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة الاية و أما السرف فحرام لقوله تعالى و لا تسرفوا الآية و قال جل و علا و الذين إذا أنفقوا الآية فذلك دليل على أن الاسراف و التقتير حرام و ان المندوب اليه ما بينهما و فى الاسراف تبذير و قال الله تعالى و لا تبذر تبذيرا ثم السرف في الطعام أنواع فمن ذلك الاكل فوق الشبع لقوله صلى الله عليه و سلم ما ملا ابن آدم وعاء شرا من بطنه فان كان لابد فثلث للطعام و ثلث للشراب و ثلث للنفس و قال صلى الله عليه و سلم يكفى ابن آدم لقيمات يقمن صلبه و لا يلام على كفاف و لانه انما يأكل لمنفعة نفسه و لا منفعة في الاكل فوق الشبع بل
(267)
فيه مضرة فيكون ذلك بمنزلة إلقاء الطعام في مزبلة أو شر منها و لان ما يزيد علي مقدار حاجته من الطعام فيه حق غيره فانه يسد به جوعته إذا أوصله اليه بعوض أو بغير عوض فهو في تناوله جان علي حق الغير و ذلك حرام و لان الاكل فوق الشبع ربما يمرضه فيكون ذلك كجراحته نفسه و الاصل فيه ما روى ان رجلا تجشأ في مجلس رسول الله صلى الله عليه و سلم فغضب رسول الله صلى الله عليه و سلم و قال نح عنا جشاءك أما علمت أن أطول الناس عذابا يوم القيامة أكثرهم شبعا في الدنيا و لما مرض ابن عمر رضى الله عنهما سأل النبي صلى الله عليه و سلم عن سبب مرضه فقيل انه أتخم قال و مم ذاك فقيل من كثرة الاكل فقال صلي الله عليه و سلم أما انه لو مات لم أشهد جنازته و لم أصل عليه و لما قيل لعمر رضى الله عنه ألا تتخذ لك جوارشا قال و ما يكون الجوارش قيل هو صنف يهضم الطعام فقال سبحان الله أو يأكل المسلم فوق الشبع الا أن بعض المتأخرين رحمهم الله استثنى من ذلك حالة و هو انه إذا كان له غرض صحيح في الاكل فوق الشبع فحينئذ لا بأس بذلك بأن يأتيه ضيف بعد تناوله مقدار حاجته فيأكل مع ضيفه لئلا يخجل و كذا إذا أراد أن يصوم في الغد فلا بأس بأن يتناول بالليل فوق الشبع ليقوى على الصوم بالنهار و من الاسراف في الطعام الاستكثار من المباحات و الالوان فان النبي صلى الله عليه و سلم عد ذلك من أشراط الساعة فقال تدار القصاع على موائدهم و اللعنة تنزل عليهم و عن عائشة رضى الله عنها انها كانت في ضيافة فأتيت بقصعة بعد قصعة فقامت و جعلت تقول ألم تكون الاولى مأكولة و ان كانت فما هذه الثانية و فى الاولى ما يكفينا قد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن مثل هذا الا أن يكون ذلك عند الحاجة بان يمل من ناحية واحدة فيستكثر من المباحات ليستوفى من كل نوع شيأ فيجتمع له مقدار ما يتقوى به على الطاعة على ما حكى أن الحجاج كتب إلى عبد الملك بن مروان يشكو اليه ثلاثا العجز عن الاكل و عن الاستمتاع و العي في الكلام فكتب اليه أن استكثر من ألوان الطعام و جدد السراري في كل وقت و انظر إلى أخريات الناس في خطبتك و من الاسراف أن تضع على المائدة من ألوان الطعام فوق ما يحتاج اليه الآكل و قد بينا ان الزيادة على مقدار حاجته فيه كان حق غيره الا أن يكون من قصده أن يدعو الاضياف قوما بعد قوم الي أن يأتوا على آخر الطعام فحينئذ لا بأس بذلك لانه مفسد و من الاسراف أن يأكل وسط الخبز و يدع حواشيه أو يأكل ما انتفخ من الخبز كما يفعله بعض
(268)
الجهال يزعمون أن ذلك ألذ و لكن هذا إذا كان غيره لا يتناول ما ترك هو من حواشيه أما إذا كان غيره يتناول ذلك فلا بأس كأن يختار لتناوله رغيفا دون رغيف و من الاسراف التمسح بالخبز عند الفراغ من الطعام من أن يأكل مما يمسح به لان غيره يتقذر ذلك فلا يأكله فأما إذا كان هو يأكل ما يمسح به فلا بأس بذلك و من الاسراف إذا سقط من يده لقمة أن يتركها بل ينبغى له أن يبدأ بتلك اللقمة فيأكلها لان في ترك ذلك استخفافا بالطعام و فى التناول اكراما و قد أمرنا بإكرام الخبز قال صلى الله عليه و سلم أكرموا الخبز فانه من بركات السماء و الارض و من اكرام الخبز أن لا ينتظر الا دام إذا حضر الخبز و لكن يأخذ في الاكل قبل أن يؤتى بالادام و هذا لان الانسان مندوب إلى شكر النعمة و التحرز عن كفران النعمة و فى ترك اللقمة التي سقطت معنى كفران النعمة و فى المبادرة إلى تناول الخبز قبل أن يؤتى بالادام اظهار شكر النعمة و إذا كان جائعا ففى الامتناع إلى أن يؤتى بالادام نوع مماطلة فينبغي أن يتحرز عن ذلك و فيه حكاية فان أبا حنيفة رحمه الله عليه لقى بهلولا المجنون يوما و هو جالس على الطريق يأكل الطعام فقال اما تستحي من نفسك أن يأكل بالطريق قال يا أبا حنيفة أنت تقول في هذا و نفسي غريمي و الخبز في حجري و قد قال النبي صلى الله عليه و سلم مطل الغنى ظلم فكيف أمنعها حقها إلى أن أدخل البيت و المخيلة حرام لما روى أن النبي صلى الله و عليه و سلم قال للمقداد رضى الله عنه في ثوب لبسه إياك و المخيلة و لا تلام على كفاف و التفاخر و التكاثر حرام لقوله تعالى اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب و لهو الآية و انما ذكر هذا على وجه الالزام لذلك قال الله تعالى و لا تمنن تستكثر الآية و قال عز و جل أن كان ذا مال و بنين و قال جل و علا ألهاكم التكاثر فعرفنا أن التفاخر و التكاثر حرام ( قال و امر اللباس نظير الاكل في جميع ما ذكرنا ) يعنى انه كما نهى عن الاسراف و التكثير من الطعام فكذلك نهى عن ذلك في اللباس و الاصل فيه ما روى أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن الثوبين و المراد أن لا يلبس نهاية ما يكون من الحسن و الجودة في الثياب على وجه يشار اليه بالاصابع أو يلبس نهاية ما يكون من الثياب الخلق على وجه يشار اليه بالاصابع فان أحدهما يرجع إلى الاسراف و الآخر يرجع إلى التقتير و خير الامور أوسطها فينبغي أن يلبس في عامة الاوقات الغسيل من الثياب و لا يكلف الجديد الحسن عملا بقوله صلى الله و عليه و سلم البذاذة من الايمان الا انه لا بأس بان يلبس أحسن ما يجد من الثياب في بعض الاعياد
(269)
و الاوقات و الجمع لما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم ان كان له جبة أهداها اليه المقوقس فكان يلبسها في الاعياد و الجمع و للوفود ينزلون اليه و روى انه كان لرسول الله صلى الله عليه و سلم قباء مكفوف بالحرير و كان يلبس ذلك في الاعياد و الجمع و لان فيلبس ذلك في بعض الاوقات اظهار النعمة قال صلى الله عليه و سلم إذا أنعم الله على عبد أحب أن يرى أثرها عليه و فى التكلف لذلك في جميع الاوقات معنى الصلف و ربما يغيظ ذلك المحتاجين و التحرز عن ذلك أولى و كذا في زمان الشتاء لا ينبغي أن يظاهر بين جبتين أو ثلاثة إذا كان يكفيه لدفع البرد جبة واحدة فان ذلك يغيظ المحتاجين و هو منهى عن اكتساب سبب يؤذى غيره و مقصوده يحصل بما دون ذلك و الاولى له أن يختار الخشن من الثياب للبس على ما روى عن عمر رضى الله عنه انه كان لا يلبس الا الخشن من الثياب فان لبس الخشن في مان الشتاء و اللين في زمان الصيف فلا بأس بذلك لان الخشن يدفع من البرد ما لا يدفعه اللين فهو محتاج إلى ذلك في زمان الشتاء و اللين منشف من العرق ما لا ينشفه الخشن فهو محتاج إلى ذلك في زمان الصيف و ان لبس اللين في الشتاء و الصيف فذلك واسع له أيضا إذا كان اكتسبه من حله لقوله تعالى قل من حرم زينة الله الآية و كما يندب إلى ما بينا في طعام نفسه و كسوته فكذلك في طعام عياله و كسوتهم لانه مأمور بالانفاق عليهم بالمعروف و المعروف ما يكون دون السرف وفوق التقتير حتى قالوا لا ينبغي أن يكلف تحصيل جميع شهوات عياله و لا أن يمنعها جميع شهواتها و لكن إنفاقه بين ذلك فان خير الامور أوساطها و كذلك لا ينبغي أن يستديم الشبع من الطعام فان الاول ما اختاره رسول الله صلى الله عليه و سلم و بينه في قوله أجوع يوما و أشبع يوما و كانت عائشة رضى الله عنها تبكي رسول الله صلى الله عليه و سلم حين قبض و تقول يامن لم يلبس الحرير و لم يشبع من خبز الشعير و كانت عائشة رضى الله عنها تقول ربما يأتى علينا الشهر أو أكثر لا نوقد في بيوتنا نارا و انما هو الاسود ان الماء و التمر و قد روينا أن النبي صلى الله عليه و سلم قال أطول الناس جوعا يوم القيامة أكثرهم شبعا في الدينا فلهذا كان التحرز عن استدامة الشبع في جميع الاوقات أولى ( قال و ليس على الرجل أن يدع الاكل حتى يصير بحيث لا ينتفع بنفسه ) يعنى حتى ينتهى به الجوع إلى حال تضره و تفسد معدته بان تحترق فلا ينتفع بالاكل بعد ذلك لان التهاون عند الحاجة حق قبله قال صلى الله عليه و سلم لبعض أصحابه نفسك مطيتك فارفق بها و لا تجعها و قال صلى الله عليه و سلم
(270)
لآخر ان ان لنفسك عليك حقا و لاهلك عليك حقا و لله عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه و قال صلى الله عليه و سلم للمقدام بن معدى كرب كل و اشرب و البس عن مخيلة و الامر للايجاب حقيقة و لان في الامتناع من الاكل إلى هذا الغاية تعريض النفس للهلاك و هو حرام و فيه اكتساب سبب تفويت العبادات و لا يتوصل إلى أداء العبادات الا بنفسه و كما أن تفويت العبادات المستحقة حرام فاكتساب سبب التفويت حرام فأما تجويع النفس على وجه لا يعجز معه عن أداء العبادات و ينتفع بالاكل بعده فهو مباح لانه انما يمنع من الاكل لاتمام العيادة إذا كان صائما أو ليكون الطعام ألذ عنده إذا تناوله فكلما كان المتناول أجوع كانت لذته في التناول من الاكل فوق الشبع و هو حرام عليه الا عند غرض صحيح له في ذلك فليس له بالامتناع إلى أن يصير بحيث لا ينتفع بالاكل غرض صحيح بل فيه إتلاف النفس و حرمة نفسه عليه فوق حرمة نفس اخرى فإذا كان يحق عليه احياء نفس اخرى بما يقدر عليه و لا يحل له اكتساب سبب إتلافها ففى نفسه أولى و قد قال بعض المتقشفة لو امتنع من من الاكل حتى مات لم يكن آثما لان النفس إمارة بالسوء كما وصفها الله تعالى به و هي عدو المرء قال صلى الله عليه و سلم ما معناه اعدى عدو المرء بين جنبيه يعنى نفسه و للمرء أن لا يرى عدوه فكيف يصير آثما بالامتناع من تربيته و قال صلى الله عليه و سلم أفضل الجهاد جهاد النفس nو تجويع النفس مجاهدة لها فلا يجوز أن نجهل ذلك و لكن نقول ان مجاهدة النفس في حملها على الطاعات و فى التجويع إلى هذه الحالة تفويت العبادة لا حمل النفس على أداء العبادة و قد بينا أن النفس متحملة لا ما نات الله تعالى فان الله تعالى خلقها معصومة لتؤدى الامانة التي تحملتها و لا تتوصل لذلك الا بالاكل عند الحاجة و ما لا يتوصل إلى اقامة المستحق الا به يكون مستحقا فأما الشاب الذي يخاف على نفسه من الشبق و الوقوع في العيب فلا بأس أن يمتنع من الاكل و يكسر شهوته فتجويع النفس على وجه لا يعجز عن أداء العبادات مندوب اليه لقوله صلى الله عليه و سلم يا معشر الشباب عليكم بالنكاح فمن لم يستطع فعليه بالصوم فانه له و جاء و لانه منتفع بالامتناع من الاكل هنا من حيث انه يمنع به نفسه عن ارتكاب المعاصي على ما يحكى عن أبى بكر الوراق رحمه الله قال في تجويع النفس اشباعها و فى اشباعها تجويعها ثم فسر ذلك فقال إذا جاعت و احتاجت إلى الطعام شبعت عن جميع المعاصي و إذا شبعت عن الطعام جاعت و رغبت في جميع المعاصي و إذا كان التحرز عن ارتكاب المعصية فرضا و انما
(271)
يتوصل اليه بهذا النوع من التجويع كان ذلك فرضا ( قال و يفترض على الناس إطعام المحتاج في الوقت الذي يعجز فيه عن الخروج و الطلب ) و هذه المسألة تشتمل على فصول أحدها أن المحتاج إذا عجز عن الخروج يفترض على من يعلم حاله انه يطعمه مقدار ما يتقوى به على الخروج و أداء العبادات إذا كان قادرا على ذلك لقوله صلى الله عليه و سلم من بات شبعان وجاره إلى جنبه طاو حتى إذا مات و لم يطعمه أحد ممن يعلم بحاله اشتركوا جميعا في المأثم لقوله صلى الله عليه و سلم أيما رجل مات جوعا بين قوم اغنياء فقد برئت منهم ذمة الله و ذمة رسوله فإذا لم يكن عند من يعلم بحاله ما يعطيه و لكنه قادر على الخروج إلى الناس فيخبر بحاله ليواسوه و يفترض عليه ذلك لان عليه أن يدفع ما يزيل ضعفه بحسب الامكان و الطاعة بحسب الطاقة فان امتنعوا من ذلك حتى مات اشتركوا في المأثم و إذا قام به البعض سقط عن الباقين و هو نظير الاسير فان من وقع أسيرا في يد أهل الحرب من المؤمنين و قصدوا قتله يفترض على كل مسلم يعلم بحاله ان يفديه بماله ان قدر على ذلك و الا أخبر به غيره ممن يقدر عليه و إذا قام به البعض سقط عن الباقين بحصول المقصود و لا فرق بينهما في المعنى فان الجوع الذي هاج من طبعه عدو يخاف الهلاك منه بمنزلة العدو من المشركين فاما إذا كان المحتاج يتمكن من الخروج و لكن لا يقدر على الكسب فعليه أن يخرج ليعلم بحاله و من علم بحاله إذا كان عليه شيء من الواجبات فليؤده اليه لانه قد وجد لما استحق عليه مصرفا و مستحقا فنيبغى له ان يسقط الفرض عن نفسه بالصرف اليه حتما لانه أدنى اليه من غيره و هو يندب إلى الاحسان اليه ان كان قد أدى ما عليه من الفرائض لقوله تعالى و أحسنوا ان الله يحب المحسنين و قال الله تعالى من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا و لما سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن أفضل الاعمال قال افشاء السلام و إطعام الطعام و الصلاة بالليل و الناس نيام فان كان المحتاج بحيث يقدر على الكسب فعليه أن يكتسب و لا يحل له أن يسأل لما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال من سأل الناس و هو غنى عما يسأل كانت مسئلته يوم القيامة خدوشا أو خموشا أو كدوحا في وجهه و روى أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يفرق الصدقات فاتاه رجلان يسألانه من ذلك فرفع بصره إليهما فرآهما جلدين قال أمانه لاحق لكما فيه و ان شئتما أعطيتكما معناه لاحق لهما في السوأل و قال صلى الله عليه و سلم لا تحل الصدقة لغنى و لا لذى مرة سوي يعنى لا يحل السوأل للقوي القادر على التكسب و قال
(272)
صلى الله عليه و سلم السوأل آخر كسب العبد و لكنه لو سأل فأعطى حل له أن يتناول لقوله صلى الله عليه و سلم و ان شئتما أعطيتكما فلو كان لا يحل التناول لما قال صلي الله عليه و سلم لهما ذلك و قد قال الله تعالى انما الصدقات للفقراء الآية و القادر على الكسب فقير و إذا كان عاجزا عن الكسب و لكنه قادر على أن يخرج فيطوف علي الابواب و يسأل فانه يفترض عليه ذلك و إذا لم يفعل ذلك حتى هلك كان آثما عند أهل الفقة رحمهم الله و قال بعض المتقشفة السوأل مباح له بطريق الرخصة فان تركه حتى مات لم يكن آثما بل هو متمسك بالعزيمة و هذا قريب مما نقل عن الحسن بن زياد رضى الله عنه ان من كان في السفر و مع رفيق له ماء و ليس عنده ثمنه أنه لا يلزمه أن يسأل رفيقه و لو تيمم وصلى من أن يسأله الماء جازت صلاته عنده و لم تجز عندنا وجه قوله ان في السوأل ذلا و للمؤمن أن يصون نفسه عن الذل و بيانه فيما نقل عن على رضى الله عنه لنقل الصخر من قلل الجبال أحب إلى من منن الرجال يقول الناس لي في الكسب عار فقلت العار في ذل السوأل و لان ما يلحقه من الذل بالسؤال تعين و ما يصل اليه من المنفعة موهوم و ربما يعطى ما يسأل و ربما لا يعطى فكان السوأل رخصة له من أن يكون مستحقا عليه اذ الموهوم لا يعارض المتحقق و حجتنا في ذلك أن السوأل يوصله إلى ما تقوم به نفسه و يتقوى به على الطاعة فيكون مستحقا عليه كالكسب سواء في حق من هو قادر على الكسب و معنى الذل في السوأل في هذه الحالة ممنوع ( ألا ترى ) أن الله تعالى أخبر عن موسى و معلمه عليهما السلام انهما سألا عن الحاجة فقال عز و جل استطعما أهلها و الاستطعام طلب العام و ما كان ذلك منهما بطريق الاجرة ( ألا ترى ) انه قال لو شئت لاتخذت عيه أجرا فعرفنا انه كان بطريق البر على سبيل الهدية أو الصدقة على ما اختلفوا أن الصدقة كانت تحل للانبياء سوي نبينا عليه و عليهم السلام على ما بين و كذا رسول الله و قال صلى الله عليه و سلم لقوم هل عندكم ما يلت في السن و الا اكترعنا من الوادي كرعا و سأل رجلا ذراع شاة و قال ناولنى الذراع في حديث فيه طول فلو كان في السوأل عند الحاجة ذلا لما فعل الانبياء عليهم السلام ذلك فقد كانوا أبعد الناس عن اكتساب سبب الذل و لان ما يسد به رمقه حق مستحق له في سؤال الناس فليس في المطالبة بحق مستحق له من معنى الذل شيء فعليه أن يسأل فاما إذا كان قادرا على الكسب