مبسوط جلد 30

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

مبسوط - جلد 30

شمس الدین السرخسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید
(273)

فليس ذلك بحق مستحق له و انما حقه في كسبه فعليه أن يكتسب و لا يسأل أحدا من الناس و لكن له أن يسأل ربه كما فعل موسى عليه السلام فقال انى لما أنزلت إلى من خير فقير و قد أمرنا بذلك قال الله تعالى فاسئلوا الله من فضله و قاله صلى الله عليه و سلم سلوا الله حوائجكم حتى الملح لقدوركم و الشسع لنعالكم ( قال و المعطى أفضل من الآخذ و ان كان الآخذ يقيم بالاخذ فرضا عليه ) و هذه السمئلة تشتمل علي ثلاث فصول أحدها أن يكون المعطي مؤديا للواجب و الآخذ قادرا على الكسب و لكنه محتاج فهنا المعطى أفضل من الآخذ بالاتفاق لانه في الاعطاء يؤدي للفرض و الآخذ في الاخذ متبرع فان له أن يأخذ و يكتسب و درجة اداء الفرض أعلى من درجة المتبرع كسائر العبادات فان الثواب في اداء المكتوبات أعظم منه في النوافل و الدليل عليه أن المفترض عامل لنفسه و المتبرع عامل لغيره و عمل المرء لنفسه أفضل لقوله صلي الله عليه و سلم ابدأ بنفسك معني هذا انه بنفس الاداء يفرغ ذمة نفسه فكان عاملا لنفسه و الآخذ بنفس الاخذ لا ينفع بل بالتناول بعد الاخذ و لا يدري أ يبقى إلى أن يتناول أولا يبقى و لهذا لامنة للغنى علي الفقير في أخذ الصدقة لان ما يحصل به للغنى فوق ما يحصل للفقير من حيت أنه يحمل للغنى ما لا يحتاج اليه للحال ليصل اليه عند حاجته إلى ذلك و الغني محتاج إلى ذلك ليحصل به مقصوده للحال و لو اجتمع الفقراء على ترك الاخذ لم يلحقهم في ذلك مأثم بل يحمدون عليه بخلاف ما إذا اجتمع الاغنياء على الامتناع من أداء الواجب فعرفنا أن المنة للفقراء على الاغنياء و الفصل الثاني أن يكون المعطى و الآخذ كل واحد منهما متبرع ان كان المعطى متبرعا و الآخذ قادرا على الكسب فالمعطى هنا أفضل أيضا لانه بما يعطى سلخ عن الغنى و يتماثل إلى الفقير و الآخذ بالاخذ يتماثل إلى الغنى و بينا أن درجة الفقير أعلى من درجة الغنى فمن يتماثل إلى الفقير بعمله كان أعلى من درجة الغنى و من يتماثل الي الفقير لعمله كان أعلى درجة لان العبادات مشروعة بطريق الابتلاء قال الله تعالى ليبلوكم أيكم أحسن عملا و معنى الابتلاء بالاعطاء أظهر منه بالاخذ لان الابتلاء في العمل الذي تميل اليه النفس و فى نفس كل أحد داعية إلى الاخذ دون الاعطاء و لهذا قال صلى الله عليه و سلم ان المسلم يحتاج في تصدقه بدرهم إلى أن يكسر شهوات سبعين شيطانا و إذا كان معنى الابتلاء في الاعطاء أظهر كان أفضل لما روى أن النبي صلى الله عليه و سلم سئل عن أفضل الاعمال قال أحمزها أى اشقها على البدن و سئل عن أفضل الصدقة قال جهد المقل و الآخذ يحصل

(274)

لنفسه ما يتوصل به إلى اقتضاء الشهوات و المعطي يخرج من ملكه ما كان يتمكن به من اقتضاء الشهوات و أعلى الدرجات منع النفس عن اقتضاء الشهوات و الفصل الثالث إذا كان المعطى متبرعا و الآخذ مقترضا بأن كان عاجزا عن الكسب محتاجا إلى ما يسد به رمقه فعند أهل الفقة رحمهم الله المعطى أفضل أيضا و قال أهل الحديث منهم أحمد بن حنبل و إسحاق بن راهويه رحمهم الله الاخذ أفضل هنا لانه بالاخذ مقيم به فرضا عليه و المعطى منتفل و قد بينا أن اقامة الفرض أ على درجة من التنفل و لان الآخذ لو امتنع من الاخذ هنا كان آثما و المعطى لو امتنع من الاعطاء لم يكن آثما إذا كان هناك غيره ممن يعطيه ما هو فرض عليه و الثواب مقابل بالعقوبة ( ألا تري ) أن الله تعالى هدد نساء رسوله صلى الله عليه و سلم بضعف ما هدد به غيرهن من النساء فقال عز و جل يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة الآية ثم جعل لهن الثواب على الطاعات ضعف مالغيرهن لقوله تعالى يؤتها أجرها مرتين فإذا كان الاثم في حق الآخذ دون المعطى فكذلك الثواب للآخذ أكثر مما للمعطى و لكن هذا كله مشكل برد السلام فان السلام سنة ورد السلام فريضة و مع ذلك كانت البداءة بالسلام أفضل من الرد على ما قال صلى الله عليه و سلم للبادئ بالسلام عشرون حسنة و للراد عشر حسنات و ربما يقولون الآخذ يسعى في احياء النفس و المعطى يسعى في تحصين النفس أو في انماء المال و احياء النفس أعلى درجة من انماء المال و حجتنا في ذلك ما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال اليد العليا خير من اليد السفلى من تفضيل بين السفلى بالاداء و بين اقامة الفرض فان قيل المراد باليد العليا يد الفقير لانها نائبة عن يد الشرع فان المتصدق يجعل ماله لله خالصا بأن يخرجه من ملكه ثم يدفعه إلى الفقير ليكون كفاية له من الله تعالي و الفقير ينوب عن الشرع في الاخذ من العين و بيان هذا في قوله تعالى ألم تعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده الآية و قال صلى الله عليه و سلم ان الصدقة تقع في يد الرحمن فيريبها كما يربى أحدكم فلوه حتى يصير مثل أحد فبهذا تبين أن اليد العليا في المعنى يد الفقير قلنا هذا التأويل بعيد و قد روى أبو هريرة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال الايدى ثلاثة يد الله ثم اليد المعطية ثم اليد المعطاة فهي السفلى إلى يوم القيامة و فى رواية ثم اليد المعطية ثم اليد المعطاة فهي السفلى إلى يوم القيامة فبهذا بين أن المراد باليد العليا يد المعطى و لان المعطى يتطهر من الدنس بالاعطاء و الآخذ يتلوث و بيان ذلك ان الله تعالى قال خذ من أموالهم صدقة الآية فعرفنا أن في أداء

(275)

الصدقة معنى التطهير و التنزيه و فى الاخذ تلويث و قد سمى رسول الله صلى الله عليه و سلم الصدقة أوساخ الناس و سماها غسالة فقال يا معشر بني هاشم ان الله تعالى كره لكم غسالة الناس يعنى الصدقة و يدل عليه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يباشر الاعطاء بنفسه و كان أخذ الصدقة لنفسه حراما عليه كما قال صلى الله عليه و سلم لا تحل الصدقة لمحمد و لآل محمد و تكلم الناس في حق سائر الانبياء عليهم فمنهم من يقول ما كان يحل أخذ الصدقة لسائر الانبياء عليهم السلام و لكنها كانت تحل لقراباتهم ثم ان الله أكرم نبينا صلى الله عليه و سلم بان حرم الصدقة على قرابته إظهارا لفضله لتكون درجتهم في هذا الحكم كدرجة الانبياء عليهم السلام و قيل بل كانت الصدقة تحل لسائر الانبياء و هذه خصوصية لنبينا صلي الله عليه و سلم فكيفما كان يجوز أن يقال في تحريم الصدقة عليه أعلى الدرجات معنى الكرامة و الخصوصية له فلو كان الاخذ أفضل من الاعطاء بحال لما كان في تحريم الاخذ عليه و على أهل بيته معنى الخصوصية و الكرامة و الدليل عليه أن الشرع ندب كل أحد إلى التصدق و ندب كل أحد إلى التحرز عن السوأل قال صلى الله عليه و سلم لثوبان رضى الله عنه لا تسأل الناس شيئا أعطوك أو منعوك و قال صلى الله عليه و سلم لحكيم بن حزام رضى الله عنه إياك أن تسأل أحدا شيئا أعطاك أو منعك فكان بعد ما سمع هذه المقالة لا يسأل أحد شيئا و لا يأخذ من أحد شيأ حتى كان عمربن خطاب رضى الله عنه يعرض عليه نصيبه مما يعطى فكان لا يأخذ و يقول لست آخذ من أحد شيأ بعد ما قال لي رسول الله عليه السلام ما قال و كان عمر رضى الله عنه يشهد عليه و يقول يا أيها الناس قد أشهدتكم عليه أنى عرضت عليه حقه و هو يأبي و بهذا تبين أن الاعطاء أفضل من الاخذ و قال الله تعالى يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف الآية يعنى من التعفف عن السوأل و الاخذ و قال صلى الله عليه و سلم من استعف أعفه الله و من استغنى أغناه الله و من فتح على نفسه بابا من الفقر فتح الله عليه سبعين بابا من الفقر فإذا كان التعفف في الامتناع من الاخذ كان في الاقدام على الاخذ ترك التعفف من حيث الصورة فلهذا كان المعطى أفضل من الآخذ و فى كل خير ( قال و كل ما كان الاكل فيه فرضا عليه فانه يكون مثابا على الاكل لانه تمثل به الامر فيتوصل به إلى أداء الفرائض من الصوم و الصلاة ) فيقول للذي له السعي لاداء الجمعة و الطهارة لاداء الصلاة و الاصل فيه قوله صلى الله عليه و سلم يؤجر المؤمن في كل شيء حتى في مباضعته أهله فقيل انه يقضى شهوته

(276)

أفيؤجر على ذلك قال أ رأيت لو وضعها في حله أما كان يعاقب علي ذلك و بمثله نستدل هنا فنقول لو ترك الاكل في موضع كان فرضا عليه كان معاقبا عليه و على ذلك فإذا أكل كان مثابا عليه و قال صلي الله عليه و سلم أفضل دينار المرء دينار ينفقه على نفسه فإذا كان هو مثابا فيما ينفقه على غيره ففيما ينفقه على نفسه أولى قال و لا يكون محسنا و لا مسيئا في ذلك و لا معاتبا و لا معاقبا لانه مثاب على ذلك كما هو مثاب على اقامة العبادات فكيف يكون معاتبا عليه أو محاسبا و الاصل فيه حديثان أحدهما حديث أبى بكر الصديق رضى الله عنه حيث سأل رسول الله صلي الله عليه و سلم فقال أكله أكلتها معك في بيت أبى الهيثم بن التيهان من لحم و خبز شعير هو من النعم التي نسأل عنها يوم القيامة و تلا قوله تعالى ثم لتسألن يومئذ عن النعيم فقال صلى الله عليه و سلم يا أبا بكر انما ذلك للكفار اما علمت أن المؤمن لا يسأل عن ثلاث قال و ما هي يا رسول الله قال صلى الله عليه و سلم ما يوارى سوأته و ما يقيم به صلبه و ما يكن من الحر و البرد ثم هو مسؤل بعد ذلك عن كل نعمة و الثاني حديث عمر رضى الله عنه فانه كان مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في ضيافة رجل فأتى بعذق فيه تمر و بسر و رطب فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لتسألن عن هذا يوم القيامة فأخذ عمر رضى الله عنه العذق و جعل ينفضه حتى تناثر علي الارض و يقول أو نسأل عن هذا قال صلى الله عليه و سلم اى و الله لتسألن عن كل نعمة حتى الشربة من الماء البارد الا عن ثلاث كسرة تقيم بها صلبك أو خرقة توارى بها سوأتك أو كن يكنك من الحر قال في الكتاب و هذا قول عمر و عثمان و على و ابن عباس رضى الله عنهم ان المرء لا يحاسب على هذا المقدار و كفى بإجماعهم حجة فمن زجى عمره بهذا و كان قانعا راضيا دخل الجنة بغير حساب لحديث أبى هريرة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال من هدي بالاسلام و قنع بما آتاه الله تعالى دخل الجنة بغير حساب و قيل في تأويل قوله تعالى انما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب أن المصلح الذي يصير على هذا المقدار الذي لابد منه ثم بعده التناول إلى مقدار الشبع مباح على الاطلاق لقوله تعالى قل من حرم زينة الله الآية فعرفنا أن ذلك القدر ليس بمحرم فإذا لم يكن محرما فهو مباح على الاطلاق و كذلك أكل الخبيص و الفواكه و أنواع الحلاوات من السكر و غير ذلك مباح و لكنه دون ما تقدم حتى أن الامتناع منه و الاكتفاء بما دونه أفضل له فكان تناول هذه النعم رخصة و الامتناع منها عزيمة فذلك أفضل لحديثين رويا في الباب أحدهما حديث الصديق

(277)

رضى الله عنه فانه أتى يوما بقدح تندت بعسل و برد له فقربه إلى فيه ثم رده و أمر بالتصدق به على الفقراء و قال أرجو أن لا أكون من الذين يقال لهم أذهبتم طيباتكم الآية ففى هذا دليل أن تناول ذلك مباح لانه قربه إلى فيه و فيه دليل أن الامتناع منه أفضل و الثاني حديث عمر رضى الله عنه فانه اشتري جارية و أمر بها فزينت له و أدخلت عليه فلما رآها بكى و قال أرجوا لا أكون من الذين يتوصلون إلى جميع شهواتهم في الدنيا ثم دعا شابا من الانصار لم يكن تحته إمرأة فاهداها له و تلا قوله تعالى و يؤثرون على أنفسهم الآية و لان أفضل مناهج الدين طريق المرسلين عليهم السلام و قد كان طريقهم الاكتفاء بما دون هذا في عامة الاوقات و كذا نبينا عليه السلام ربما أصاب في بعض الاوقات من ذلك على ما روى انه قال لاصحابه رضى الله عنهم ليت لنا ملتوتا نأكله فجاء به عثمان رضى الله عنه في قصعة فقيل انه أصاب منه و قيل لم يصب و أمر بالتصدق به ثم فيما تقدم من تناول الخبز إلى الشبع لاحساب عليه سوى العرض على ما روي عن عائشة رضى الله عنها أنها سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن قوله تعالى فسوف يحاسب حسابا يسيرا قال صلى الله عليه و سلم ذاك العرض يا بنت أبى بكر اما علمت ان من نوقش الحساب عذب و معنى المرض بيان المنة و تذكير النعمة و السؤال أنه هل قام بشكرها و قيل في تأويل قوله تعالى و اما من أوتي كتابه بيمينه الآية انه العرض بمثل هذا و اما في اقتضاء الشهوات من الحلال و تناول اللذات فهو محاسب على ذلك معاقب عليه و هو معنى قوله صلى الله عليه و سلم في صفة الدنيا حلالها حساب و حرامها عقاب و الدليل على ان الاكتفاء بما دون ذلك افضل حديث الضحاك رضى الله عنه فانه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وافدا من ثومه و كان متنعما فيهم قال صلى الله عليه و سلم ما طعامك يا ضحاك قال اللحم و العسل و الزيت و لب الخبز قال ثم تصير إلى ماذا فقال أصير إلى ما يعلمه رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ان الله تعالى ضرب للدنيا مثلا بما يخرج من ابن آدم ثم قال له إياك ان تأكل فوق الشبع فقد بين له النبي صلى الله عليه و سلم ان طعامه و ان كان لذيذا طيبا في الابتداء فانه يصير إلى الخبث و النتن في الانتهاء فهو مثل الدنيا و فى هذا بيان أن الاكتفاء بما دون ذلك أفضل و فى حديث الاحنف بن قيس رضى الله عنه أنه كان عند عمر رضى الله فاتى بقصعة فيها خبز شعير وزيت فجعل عمر رضى الله عنه يأكل من ذلك و يدعو الاحنف الي أكله و كان لا يسعه ذلك

(278)

فذكر الاحنف ذلك لحفصة و قال ان الله تعالى وسع الدنيا على أمير المؤمنين فلو وسع على نفسه و جعل طعامه طيبا فذكرت ذلك لعمر رضى الله عنه فبكى و قال أ رأيت لو أن ثلاثة اصطلحوا فتقدم أحدهم في الطريق و الثاني بعده ثم خالفهم الثالث في الطريق ا كان يدركهم فقالت لا قال فقد تقدم رسول الله صلى الله عليه و سلم و لم يصب من شهوات الدنيا شيأ و أبو بكر رضى الله عنه بعده كذلك فلو اشتغل عمر بقضاء الشهوات في الدنيا متى يدركهم ففى هذا بيان ان الاكتفاء بما دون ذلك أفضل و فى الحاصل المسألة صارت على أربعة أوجه ففى مقدار ما يسد به رمقه و يتقوى على الطاعة هو مثاب معاقب و فيما زاد علي ذلك إلى حد الشبع هو مباح له محاسب على ذلك حسابا يسيرا بالعرض و فى قضأ الشهوات و نيل اللذات من الحلال هو مرخص له فيه محاسب على ذلك مطالب بشكر النعمة و حق الجائعين و فيما زاد على الشبع هو معاقب عليه فان الاكل فوق الشبع حرام و قد بينا هذا و فى الكتاب قال أكرهه و مراده التحريم على ما روى أن أبا حنيفة رضى الله عنه قيل له إذا قلت في شيء أكرهه ما رأيك فيه قال إلى الحرمة أقرب و الدليل عليه ما روينا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إذا تجشأ أحدكم فليقل أللهم لا تفتنا و الجشأ من الاكل فوق الشبع ففى هذا بيان ان الاكل فوق الشبع من أسباب الموتة و تسبب الموت ارتكاب الحرام و هذا كله فيما اكتسبه من حله فأما ما اكتسبه من حله فهو معاقب علي التناول منه ففى حالة الضرورة القليل و الكثير منه سواء لحديث أبى بكر الصديق رضى الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه و سلم قال كل لحم نبت من السحت فالنار أولى به و قال صلى الله عليه و سلم ما اكتسب المرء درهما من حله ينفقه على أهله و يبارك له فيه أو يتصدق به فيقبل منه أو يخلفه وراء ظهره الا كان ذلك زاده إلى النار و قال صلي الله عليه و سلم من اكتسب من حيث شاء و لا يبالي أدخله الله تعالى النار من أى باب كان و لا يبالي و قال صلى الله عليه و سلم لسعد بن ابى وقاص رضى الله عنه طيب طعمتك أو قال اكلتك تستجب دعوتك و فى حديث أبى هريرة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال في بيان حال الناس بعده يصبح أحدهم أشعث أغبر يقول يا رب يا رب و مطعمه حرام و مشربه حرام و ملبسه حرام و غذى بالحرام فأنى يستجاب له و قال صلي الله عليه و سلم في أشراط الساعة الدرهم الحلال فيهم اعز من أخ في الله و الاخ في الله اعز فيهم من درهم حلال قال في الكتاب و كذلك أمر اللباس يعنى انه مأجور فيما يوارى به سوأته

(279)

و يدفع أذى الحر و البرد عنه و يتمكن من اقامة الصلوات و ما زاد على ذلك مباح له و ترك الاجود من الثياب و الاكتفاء بما دون ذلك أفضل كما في الطعام لما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه لبس يوما ثوبا معلما ثم نزعه و قال شغلني علمه عن صلاتي كلما وقع بصري عليه و عن عمر رضى الله عنه أنه رفع ثوبه إلى عامله ليرقعه فزاد عليه ثوبا آخر و جاءه بالثوبين فأخذ عمر رضى الله عنه ثوبه ورد الآخر و قال ثوبك أجود و ألين و لكن ثوبي انشف للعرق و عن على رضى الله عنه انه كان يكره التزيي بالزي الحسن و يقول انا ألبس من الثياب ما يكفينى لعبادة ربي فيه فعرفنا أن الاكتفاء بما دون الاجود أفضل له و ان كان يرخص له في لبس ذلك ثم حول الكلام إلى فصل آخر حاصله دار على فصل و هو أن مساعى أهل التكليف ثلاثة أنواع نوع منها للمرء كالعبادات و نوع منها عليه كالمعاصى و نوع منها بينهما لا له و لا عليه و ذلك المباحات في الاقوال و الافعال كقولك أكلت أو شربت أو قمت أو قعدت و ما أشبه ذلك هذا مذهب أهل الفقة رحمهم الله و قالت الكرامية مساعى أهل التكليف نوعان لهم و عليهم و ليس شيء من مساعيهم في حد الاهمال لقوله تعالى فماذا بعد الحق الا الضلال فقد قسم الاشياء قسمين لا فاصل بينهما اما الحق و هو ما يكون للمرء أو الضلال و هو ما على المرء و قال الله تعالى لها ما كسبت و عليها ما اكتسبت و ما للتعميم فتبين بهذا أن جميع ما يكتسبه المرء له أو عليه و قال الله تعالى من عمل صالحا فلنفسه الاية فتبين بهذا أن عمله لا ينفك عن أحد هذين اما صالح أو سيئ و فى كتاب الله تعالى بيان أن جميع ما يتلفظ به المرء مكتوب قال الله تعالي ما يلفظ من قول الآية و فيه بيان أن جميع ما يفعله المرء مكتوب قال الله تعالى و كل شيء فعلوه في الزبر و فيه دليل أنه يحضر جميع ما عمله في ميزانه عند الحساب قال الله تعالى و وجدوا ما عملوا حاضروا و ما للتعميم فدل أنه ليس شيء من ذلك هملا و المعنى فيه من وجهين أحدهما أن مواثيق الله على عباده لازمة له في كل حال يعنى من قوله تعالى و اعبدوا الله و لا تشركوا به شيأ و قال عز و جل ما خلقت الجن و الانس الآية فاما أن يكون هو موقنا بهذا العهد و الميثاق فيكون ذلك له أو تاركا فيكون عليه اذ لا تصور لشيء سوى هذا و الدليل عليه ان المباح الذي تصورونه اما ان يكون من جنس ماله بان يكون مقربا له مما يحل و يكون هو مأمورا به أو مبعدا له مما لا يحل فيكون ذلك له أو يكون مقربا له مما لا يحل أو معبدا له مما يحل و يؤمر به فيكون ذلك عليه فعرفنا أن جميع مساعيه خارجة من أن تكو له أو عليه و حجتنا في ذلك ان




/ 46