الفصل الخامس: في احكامه
و هي امور نذكرها في مسائل:
المسالة الاولى: لا خلاف في وجوب المرة الواحدة في الغسلات
و لا ريب في اداء الواجب بها، للاجماع، و الاصل، و صدق الامتثال، و الوضوءات
البيانية، و النصوص المعتبرة، كصحيحة زرارة، و فيها: «فقد يجزيك من الوضوء ثلاث
غرفات، واحدة للوجه و اثنتان للذراعين » (1) . و اخرى: «في الوضوء، اذا مس جلدك الماء فحسبك » (2) . و رواية ابن بكير: «من لم يستيقن ان الواحدة من الوضوء تجزيه لم يؤجر على
الثنتين » (3) و غير ذلك. و لا في عدم جواز الزائد على الثلاث، لتوقيفية العبادة، و انما الخلاف فيما
بينهما من الثانية و الثالثة. اما الثانية: فاختلفوا في استحبابها و عدمه، فالاظهر الاشهر، بل عليه
الاجماع في الانتصار (4) و السرائر، و عن الغنية (5) ، و نفى عنه الخلاف بعض المحققين، و
حكاه عن امالي الصدوق (6) : الاول، للاجماعات المنقولة و الشهرة الكافيتين في
مقام المسامحة. و للمستفيضة من المعتبرة، كصحيحتي ابن وهب (7) و صفوان (8) ، و رواية زرارة: «الوضوء
مثنى مثنى » (9) و زاد في الاخيرة: «من زاد لم يؤجر عليه » . و رواية يونس: «الوضوء الذي افترضه الله » الى ان قال: «يغسل ذكره و يذهب الغائط،
ثم يتوضا مرتين مرتين » (10) . و رواية حكاية وضوء علي بن يقطين، المشهورة (11) ، و فيها بعد امره بالثلاث و غسل
الرجلين و تبطين اللحية تقية و ظهور ارتفاعها: «الآن توضا كما امر الله تعالى،
اغسل وجهك مرة فريضة و اخرى اسباغا، و اغسل يديك من المرفقين كذلك » (12) الحديث. و المروي في تفسير العياشي كيف يتوضا؟ قال: «مرتين مرتين » قلت: كيف يمسح؟ قال:
«مرة مرة » (13) . و في رجال الكشي عن داود الرقي بعد امره-عليه السلام-داود الزربي بالثلاث تقية و
ارتفاعها: «يا داود بن زربي! توضا مثنى مثنى، و لا تزدن عليه، فانك ان زدت عليه
فلا صلاة لك » (14) . و قول القائم عليه السلام في مكاتبة العريضي: «ان الوضوء كما امر الله غسل الوجه
و اليدين و مسح الراس و الرجلين واحدة، و اثنان اسباغ، و من زاد على الاثنين
اثم » (15) . و قول مولانا الرضا عليه السلام في مكاتبة المامون كما في العيون: «واحدة
فريضة و اثنتان استحباب » (16) . و يدل عليه ايضا: مفهوم الشرط في رواية ابن بكير، المتقدمة (17) . و حمل مرتين مرتين و مثنى مثنى في رواياتهما على الغسلتين و المسحتين، او
التجديد، اي: تجويزه مرة و عدم مشروعية وضوءين تجديدا، او منتهى مرتبة
الجواز-كما قيل (18) -بعيد جدا، بل لا يتحمله بعضها، كروايات علي بن يقطين و العياشي
و الكشي، بل اخبار مثنى مثنى (19) ، لمكان مقتضى حقيقة الحمل. و على الغرفتين-كما في الوافي (20) -غير صحيح، اذ فضلهما لا قول به، و جوازهما لا
حد له، و الزائد على الثلاث فيه لا اثم عليه. و على التقية-كما في المنتقى (21) -لا يلائم روايتي علي بن يقطين و الكشي. خلافا للمحكي عن البزنطي و الكليني، فجعلا الفضل في واحدة واحدة (22) . و اما قولهما بعد ذكر ذلك: ان من زاد على مرتين لم يؤجر، فلا يفيد ثبوت الاجر
للمرتين، اذ مرادهما انه لم يؤجر على الوضوء، بل وضوؤه باطل، للنهي عنه بخصوصه، و
مفهومه: انه من لم يزد يؤجر على الوضوء، و هذا اعم من ان تكون الثانية مستحبة
ام لا.او مرادهما انه يؤجر على المرتين، لانه احد افراد المخير. فما ذكره والدي-رحمه الله-من ان ما نسب اليهما من عدم استحباب الثانية
خلاف الواقع لذلك، ليس كذلك. ثم انه تبعهما على ذلك جماعة من متاخري المتاخرين، و هو الظاهر من المدارك،
و المنتقى، و البحار، و الوافي، و الهندي في شرح القواعد (23) . للمستفيضة كالرواية: «الوضوء واحدة واحدة » (24) . و الاخرى: عن الوضوء للصلاة، فقال: «مرة مرة » (25) . و الثالثة: عن الوضوء، فقال: «ما كان وضوء علي عليه السلام الا مرة مرة » (26) . و مثلها الرابعة، في وضوء النبي صلى الله عليه و آله و سلم، و زاد فيها: «و توضا النبي مرة مرة، فقال: هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة الا به » (27) . و الخامسة: «ان الله وتر يحب الوتر، فقد يجزيك من الوضوء ثلاث غرفات، واحدة
للوجه و اثنتان للذراعين » (28) . و السادسة: «الوضوء واحدة فرض، و اثنتان لا يؤجر، و الثالثة بدعة » (29) . و السابعة: «من توضا مرتين لم يؤجر» (30) . و الثامنة المروية في العيون: «الوضوء كما امر الله في كتابه غسل الوجه و
اليدين الى المرفقين، و مسح الراس و الرجلين مرة واحدة » (31) . و التاسعة المروية في البصائر: اني سالت اباك عن الوضوء، فقال: «مرة مرة » فما
تقول انت؟ فقال: «انك لن تسالني من هذه المسالة الا و انت ترى اني اخالف ابي،
توضا ثلاثا و خلل اصابعك » (32) . و العاشرة المروية في السرائر عن نوادر البزنطي: «وضع يده في الاناء فمسح راسه و
رجليه.و اعلم ان الفضل في واحدة واحدة، و من زاد على اثنتين لم يؤجر» (33) . هذا كله، مضافا الى الوضوءات البيانية. و يجاب عن الاولين: بان مقتضى هذا التركيب: بيان حقيقة الوضوء التي لا تحقق له
بدونها، و نحن نسلم ان حقيقته ذلك، و ذلك لا ينافي استحباب شي ء آخر، كما في قولهم:
«الوضوء غسلتان و مسحتان » (34) مع استحباب امور كثيرة فيه. نعم، قوله: «مثنى مثنى، و مرتين مرتين » يدل على الاستحباب، للاجماع على عدم وجوب
التعدد. و عن الثالثة و الرابعة-مع معارضتهما مع مرسلة ابن ابي المقدام: «اني لاعجب
ممن يرغب ان يتوضا اثنتين و قد توضا رسول الله صلى الله عليه و آله اثنتين » (35) و
مع امكان ارادة ان وضوء النبي صلى الله عليه و آله و سلم لكل صلاة ما كانت الا مرة، و
لذا توقف الشهيد في استحباب التجديد لصلاة واحدة (36) -: انه يمكن ان يكون ذلك لبيان الجواز.بل قيل: ان المعلوم من حال النبي الاقتصار
في العمل على ما وجب، اشتغالا بالاهم، و اظهارا للاستحباب و جواز الترك (37) . مع ان في مرسلة مؤمن الطاق: «فرض الله الوضوء واحدة واحدة، و وضع رسول الله للناس
اثنتين اثنتين » (38) و في المروي في رجال الكشي: كم عدة الطهارة؟ فقال: «ما اوجبه الله فواحدة، و اضاف اليها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم
واحدة لضعف الناس، و من توضا ثلاثا فلا صلاة له » (39) . و مقتضاهما: ان اضافة الثانية للناس لضعفهم و تقصيرهم، فلعل الحجج لبراءتهم
عنهما لم يقصدوا اليها، و اختص استحبابها بغيرهم، كما احتمله والدي في اللوامع،
بل هو الظاهر من كلام العماني و الاسكافي بل المفيد (40) . و اما قوله: «هذا وضوء» الى آخره، فالظاهر منه انه لا يصح اقل منه، لا ان يجب
الاقتصار عليه. مع انه لو اريد عدم الصحة، لخالف مذهب المستدل، و خرج الخبر عن الحجية بالشذوذ،
و ان اريد المرجوحية، فهي مجاز ليس اولى من غيره، كبيان الاقل.بل للخبر تتمة في
طرق العامة تؤكد ذلك و هو انه: «ثم توضا مرتين و قال: وضوء من ضاعف له الاجر هذا» (41) . مع ان حمل الاضافة في الروايتين على العهد و ارادة الوضوء البياني و كونه في
مقام بيان اقل الواجب ممكن، بل قوله: «هذا وضوء» الى آخره، يومئ اليه، و به يجمع
بينهما و بين مرسلة ابن المقدام. و عن الخامسة: بعدم منافاة حب الوتر من حيث هو لحب غيره من جهة اخرى. مع ان نفيه حب الغير ليس الا بالمفهوم الضعيف، و مع انه اعم مطلقا من المسالة،
فيجب تخصيصه باخبارها.و الاجزاء المذكور فيه لا يبين الا منتهى الوجوب. و عن السادسة و السابعة: بمعارضتهما مع رواية ابن بكير، المتقدمة (42) بالعموم
المطلق، فيجب حملهما على من لم يستيقن اجزاء الواحدة، و زعم وجوب الثانية. مع امكان ارادة الوضوء الواحدة لكل صلاة، فجوز التجديد و ان لم يترتب عليه
بخصوصه اجر، بل كان مخيرا بين الوضوء و الوضوءين، و حرم الثالثة، كما اختاره
الشهيد في الثالثة (43) و احتمله الفاضل فيها (44) .و حينئذ و ان عارضتهما اطلاقات
التجديد، و لكن على الحمل على الغسلة ايضا تعارضهما اخبار الغسلة الثانية. و عن الثامنة و التاسعة: بما اجيب عن الاولين. و عن العاشرة: بالمعارضة المذكورة مع الموثقة (45) فتخصص بها. مع ان الظاهر ان قوله: «و اعلم...» من كلام البزنطي، و لا اقل من احتماله، فلا
حجية فيه في مقابلة ما مر. و اما البيانيات، فهي في بيان الواجبات، لخلوها عن كثير من المستحبات. هذا و قد يرد هذا القول ايضا: بانه لا يجتمع مع رجحان العبادة، اذ جزؤها اما
واجب او مستحب، و لا معنى لاتصافه بالاباحة المطلقة من دون رجحان. و فيه: ان اللازم في العبادة الرجحان الذاتي، و يمكن ان يكون الكلام هنا في
الاضافي بالنسبة الى الواحدة كما في احد فردي المخير. و يمكن ايضا ان يكون مرادهما بجواز الثانية جوازها لا بقصد الوضوء. و الحاصل ان يكون كلامهما في هذا الفعل في الوضوء من غير ملاحظة قصد كونه منه، كما
قالوا في تكرار المسح (46) ، فحرموا الثالثة فصاعدا و لو بدون قصد الوضوء، للنصوص،
كالتكفير في الصلاة، و جوزوا الثانية اما مع المرجوحية كالتمندل، او بدونها. و للمحكي في الخلاف و السرائر عن بعض الاصحاب، فقال بعدم مشروعية الثانية (47) .و
الظاهر-كما صرح به والدي-رحمه الله-و نقله جماعة (48) - انه هو الصدوق، فان كلامه في
الفقيه صريح في عدم الجواز: قال: قال الصادق عليه السلام: «ما كان وضوء رسول الله صلى الله عليه و آله الا مرة
مرة، و توضا النبي مرة مرة فقال: هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة الا به » فاما
الاخبار التي رويت في ان الوضوء مرتين مرتين، فاحدها باسناد منقطع -فنقل مرسلة
مؤمن الطاق المتقدمة (49) -فقال: هذا على جهة الانكار لا الاخبار، كانه يقول: حد الله
حدا، فتجاوز رسول الله صلى الله عليه و آله و تعداه، و قد قال الله عز و جل: «و من يتعد
حدود الله فقد ظلم نفسه » و قد روي: ان الوضوء حد من حدود الله و ان المؤمن لا ينجسه شي ء و
انما يكفيه مثل الدهن.و قال الصادق عليه السلام: «من تعدى في وضوئه كان كناقضه » .و
في ذلك حديث آخر باسناد منقطع-ثم نقل رواية ابن ابي المقدام، السابقة (50) -فقال: ان
النبي كان يجدد الوضوء لكل صلاة.فمعنى هذا الحديث هو: اني لاعجب ممن رغب عن تجديد
الوضوء و قد جدده النبي.و الخبر الذي روي ان من زاد على مرتين لم يؤجر، يؤكد ما
ذكرته.و معناه ان تجديده بعد التجديد لا اجر له، كالاذان: من صلى الظهر و العصر
باذان و اقامتين اجزاه، و من اذن للعصر كان افضل، و الاذان الثالث بدعة لا
اجر له.و كذلك ما روي ان المرتين افضل، معناه التجديد.و كذلك ما روي في مرتين
انه اسباغ-ثم ذكر احاديث فضل التجديد، فقال: و قد فوض الله الى نبيه امر دينه
و لم يفوض اليه تعدي حدوده.و قول الصادق عليه السلام: «من توضا مرتين لم يؤجر» يعني
به انه اتى بغير الذي امر به و وعد الاجر عليه، فلا يستحق الاجر.انتهى (51) . و حاصله: حمل اخبار المرة و مرجوحية المرتين على الغسلة و الغسلتين، و اخبار
فضل المرتين على التجديد، و ان الثانية في الغسلة غير مامور بها، و ان فاعلها
كناقض الوضوء، و ان جعلها من الوضوء تعد عن حدود الله، فتكون منهيا عنها و ان لم تكن
بنية الوضوء.و لا فرق في ذلك بينها و بين الثالثة و الرابعة فتكون حراما. و على هذا فما ذكره والدي-رحمه الله-من ان نسبة الحرمة الى الصدوق مخالف للواقع،
و ما قاله كثير من المتاخرين من نسبة جوازها اليه، ليس من موقعه. و الباعث على ذلك: قوله في باب حد الوضوء: و الوضوء مرة مرة، و من توضا مرتين لم
يؤجر، و من توضا ثلاثا فقد ابدع، حيث انه فرق بين الثانية و الثالثة بعدم الاجر
على الثانية و ارتكاب البدعة في الثالثة. و الظاهر ان مراده من قوله «ابدع » دخل فيما هو بدعة، حيث ان الثالثة مستحبة عند
العامة (52) ، فهي من بدعهم.اي: ارتكب ما هو بدعة من العامة، و منهي عنه بخصوصه في
الروايات، سواء قصد به الوضوء ام لا كما مر. و اما الثانية فلم يبتدعها احد بخصوصها، و لم ينه عنها كذلك، بل هي غير مامور
بها و غير داخلة في الوضوء.و يلزمها عدم جواز ادخالها فيه بقصد الوضوء، لكونه
تعديا عن حدود الله. و كيف كان، فالظاهر عدم الريب في ضعف ذلك القول.و يدل عليه ايضا بعد ظاهر
الوفاق ما تقدم من اخبار رجحان الثانية (53) .مضافا الى مستفيضة اخرى دالة
على جوازها و مشروعيتها، كمرسلة مؤمن الطاق (54) . و حملها على الانكار-كما في الفقيه (55) -خلاف الاصل و الظاهر، و مخالف لما صرح به
في روايات اخر كما مر (56) ، و مرسلة ابن ابي المقدام، و المروي في رجال الكشي كما
مر (57) . و في الخصال: «هذه شرائع الدين » الى ان قال: «غسل الوجه و اليدين الى المرفقين، و
مسح الراس و القدمين الى الكعبين مرة مرة، و مرتان جائز» (58) . و مستند الصدوق: الاصل اخبار عدم الاجر على المرتين، بانضمام حمل اخبار
رجحانهما على التجديدي.و قد عرفت ضعف الكل. هذا كله في الغسلة الثانية، و اما الثالثة فاختلفوا في حرمتها و عدمها.و الحق
هو الاول كما عليه المعظم، للاصل في العبادات، و المعتبرة المنجبرة المتقدمة،
كمرسلة ابن ابي عمير (59) و روايات الكشي (60) و العريضي (61) و زرارة (62) و السرائر (63) . خلافا لظاهر من شذ-من دون مستند ظاهر-كالمفيد، حيث جعلها تكلفا، و الزائد عليها بدعة (64) .
و القديمين، فجعلاها غير محتاج اليها (65) . قيل: و مال اليه في المعتبر (66) ، و هو فرية، لانه قال بعد حكمه باستحباب الثانية و
كون الثالثة بدعة و نسبة استحبابها الى العامة: و اما كون الثالثة بدعة: فلانها ليست مشروعة، فاذا اعتقد التشريع اثم، و لانه يكون ادخالا في الدين ما
ليس منه، فيكون مردودا (67) . نعم، قال بعد اتمام المسالة في الفرع الثاني: هل تبطل الطهارة لو غسل يديه
ثلاثا؟ قيل: نعم، لانه مسح لا بماء الوضوء.و الوجه: الجواز، لانه لا ينفك من ماء
الوضوء الاصلي.انتهى. و لا يخفى انه غير جوازها، و لذا قال بعض من صرح بحرمتها بعدم بطلان الوضوء معها
على الاطلاق، و عدم الباس بمزج ماء الوضوء بغيره في المسح بعد بقاء مائه، و لذا
نسب الجماعة الى المعتبر، القول بعدم ابطال الثالثة للوضوء (68) . و هو كذلك ان لم يحصل المسح بمائها.و لزومه اذا كانت في اليسرى ظاهر، و في
الوجه و اليمنى غير ظاهر، لاضمحلاله بما يرد عليه من بقية ماء الوضوء.
فروع:
ا: تحريم الثالثة انما هو اذا كان بقصد الوضوء، كما هو ظاهر بعض اخباره. و اطلاق بعض آخر لا يفيد، لوجوب الاقتصار على موضع انجباره.فلا يحرم لو غسل لا
بقصده الا انه يبطل الوضوء بها لو اتى بها في اليسرى. ب: لا تكرار في المسح عندنا لا وجوبا و لا استحبابا، للاصل، و الاجماعين، و بعض
النصوص المتقدمة (69) المؤيدة بالوضوءات البيانية.و بذلك يقيد اطلاق ما مر من ان
الوضوء مثنى مثنى او مرتين. و لو كرره لم ياثم الا مع قصد المشروعية، و عليه ينزل اطلاق التحريم في كلام
الشيخين (70) و ابني حمزة و ادريس (71) ، بل كلام الاخير صريح فيه.و يكون حينئذ وضوؤه
صحيحا بغير خلاف، كما في السرائر و عن الذكرى (72) ، بل اجماعا كما في اللوامع. و هل يكره بدون ذلك القصد؟ صرح به في اللوامع، مدعيا عليه الشهرة بل الاجماع.و لا
باس به، لكفاية الدعوى في اثباته. ج: صرح في اللوامع بجواز التثنية في بعض الاعضاء دون بعض.و هو كذلك، للامر
بالتثنية في كل منها على حدة، سيما في روايتي علي بن يقطين و العريضي (73) ، و الاصل
عدم الارتباط و التوقف. و اما في جزء من البعض فلا شك في عدم استحبابها، و لا في عدم جوازها بقصد
المشروعية، و لا في جوازها لا بقصدها.و لكن يخدش في صحة الوضوء لو اتى به في اليسرى
لمكان المسح. و المناط صدق التثنية عرفا، فلا يضر عدم الاستيعاب الحقيقي في الغسلة الاولى
اذا صدق غسل كل ذلك العضو عرفا. و كذلك يحرم تثليث بعض الاعضاء بل البعض من البعض.و على هذا فيحصل الاشكال
في الغرفات المتعددة، سيما اذا استوعب كل منها اكثر العضو او كثيرا منه، اذ
لا يشترط امرار اليد في تحقق الغسل.و ظاهر الاردبيلي الميل الى ترك الغرفة
الثالثة مطلقا (74) ، لعدم معهوديتها.
المسالة الثانية: اللازم في الغسل في الوجه و اليدين مسماه عرفا،
فيشترط الجري فيه اختيارا اجماعا، و مطلقا على الاصح بل الاشهر، بل قيل: كاد
ان يكون اجماعا (75) . للاصل، و استصحاب الحدث، و عدم صدق الغسل المامور به بدونه، لعدم حصوله الا به
فيثبته اوامر الغسل. و بها و بما دل على اشتراط الجري كمفهوم حسنة زرارة، الآتية، و الاخرى: «فما جرى عليه الماء فقد اجزاه » (76) و صحيحة محمد في اغتسال الجنب: «فما جرى عليه
الماء فقد طهر» (77) تقيد اطلاقات الدهن و كفاية مس الماء للجلد (78) . و تؤيد المطلوب ايضا: صحيحة علي: فيمن اصابه المطر و ابتلت اعضاء وضوئه: «ان
غسله فان ذلك يجزيه » (79) . و يكفي اقله، بان ينتقل كل جزء من الماء من محله الى غيره، كما ذكره الفقهاء اما
صريحا، او بتمثيلهم بالدهن الذي لا يزيد عنه غالبا، لصدق الغسل معه، و لذا ورد كفاية
مثل ما على الحشفة في غسل البول (80) . و لحسنة زرارة: «الجنب ما جرى عليه الماء من جسده قليله و كثيره فقد اجزاه » (81) . و صحيحته في الوضوء: «اذا مس جلدك الماء فحسبك » (82) . و مرسلة الكليني: في رجل كان معه من الماء مقدار كف و حضرت الصلاة فقال: «يقسمه
اثلاثا ثلث للوجه، و ثلث لليد اليمنى، و ثلث لليسرى » (83) . و الاخبار المصرحة بكفاية مثل الدهن في الوضوء او الغسل (84) ، فان التدهين يتحقق
بمثل هذا الجري ايضا، فتشمله اخباره. و الرواية الواردة في بقاء لمعة من جسد رسول الله صلى الله عليه و آله و اخذه
الماء من بلل شعره و مسحه ذلك الموضع مروية في نوادر الراوندي و غيره (85) . و الرضوي: «و ادنى ما يكفيك و يجزيك من الماء ما يبل به جسدك مثل الدهن » (86) . للمقنعة و النهاية (88) و صريح والدي العلامة، فاكتفوا بمجرد البلل
الخالي عن الجري حال الضرورة، مع امكان حمل كلام الاولين على الاجتزاء باقل
الجري حال الضرورة، فيوافقان في حال الاضطرار لما عليه الشهرة، و في
الاختيار لما ياتي من مختار الناصرية (89) . و استدل والدي-رحمه الله-بمطلقات اوامر الغسل المتوقف على الجريان، و
اطلاقات كفاية البل، كخبري الغنوي: «يجزيك من الغسل و الاستنجاء ما بلت يمينك » (90)
كما في احدهما و «ما بللت يدك » (91) كما في الآخر. و صحيحة زرارة، المتقدمة (92) ، و صحيحة محمد: «ياخذ احدكم الراحة من الدهن فيملا بها
جسده، و الماء اوسع من ذلك » (93) و اخبار الدهن الظاهرة فيما لا يتحقق معه
الجريان. بتخصيص اول الاطلاقين بحال الاختيار، للاطلاقات الثانية المقيدة بحال
الاضطرار اجماعا، فتكون اخص منه، فيقيد بها. و لما (94) بعد الاستثناء في صحيحة الحلبي: «اسبغ الوضوء ان وجدت ماء و الا فانه
يكفيك اليسير» (95) قال-رحمه الله-: و اليسير باطلاقه يتناول ما لا جري معه. و لمرسلة الكليني، السابقة (96) ، و صحيحة علي: عن الرجل الجنب او على غير وضوء لا يكون معه
ماء و هو يصيب ثلجا و صعيدا، ايهما افضل ا يتيمم ام يتمسح بالثلج وجهه؟ قال:
«الثلج اذا بل راسه و جسده افضل، فان لم يقدر على ان يغتسل به فليتيمم » (97) . و خبر ابن شريح: يصيبنا الدمق و الثلج و نريد ان نتوضا و لا نجد الا ماء جامدا،
فكيف اتوضا ادلك به جلدي؟ قال: «نعم » (98) . و تخصيص (99) ثانيهما بحال الاضطرار، للاجماع، و لما قبل الاستثناء من صحيحة
الحلبي، و للاطلاقات الاولى المقيدة بحال الاختيار بالاخبار المذكورة. و يجاب عنه: بضعف كل من التخصيصين. اما الاول: فلعدم صلاحية ما ذكر له. اما الاطلاقات الثانية: فلانها انما يعلم تقييدها بحال الاضطرار اجماعا لو
اختصت بالبل الخالي عن الجريان المباين للغسل، و ليس كذلك بل اعم منه. اما ما تقدم على صحيحة محمد فظاهر.و اما هي و ما يعقبها: فلتحقق اقل الجري
بالتدهين ايضا-كما مر (100) -و لو كان بقدر الراحة كما في الصحيحة.مع انه لا دلالة
فيها على مطلوبهم، لعدم خلوها عن ضرب من الاجمال، و على هذا فتقييدها بالبل
المشتمل على الجري المتضمن مع الغسل، و ابقاء الحالة على عمومها بالاجماع، ليس
باولى من تقييدها بحالة الاضطرار به (101) ، فلا يعلم منافاتها للاطلاق (102) الاول
حتى يقيد بها. و اما ما بعد الاستثناء في الصحيحة (103) : فلاحتمال ان يراد منه اليسير من الغسل
و لا شك انه ايضا لا يتحقق الا مع الجريان. مع انه لو اريد اليسير من الماء ايضا، لم يكن مقيدا، لانه اعم مما يتحقق معه
الجري، فيعارض الاطلاق الاول بالعموم من وجه، فلا يكون اخص منه حتى يقيده، و
الترجيح للاطلاق (104) ، لموافقة الكتاب و الاصل و الشهرة. و اما المرسلة (105) : فلان الظاهر تحقق اقل الجريان في كل موضع بثلث الكف، كيف مع
انه تظهر من صحيحة محمد كفاية اقل من كف من الدهن لتمام الجسد (106) . و اما الخبران الاخيران: فلان ظاهرهما المسح بالثلج و الجمد.و لم يقل به احد،
كما ياتي في بحث التيمم. مع انهما معارضان مع صحيحتين اخريين آتيتين في ذلك البحث، دالتين على
وجوب الانتقال الى التيمم في مثل تلك الحال. و اما التخصيص الثاني: فلمثل ما مر ايضا من عدم صلاحية ما ذكر لبيانه. اما الاجماع: فلما عرفت. و اما ما قبل الاستثناء من الصحيحة: فلان الاسباغ غير الغسل، بل هو نوع منه غير
واجب اجماعا فتوى و نصا. و اما الاطلاقات: فلعدم ثبوت تقييدها بحال الاختيار كما مر. و اذ عرفت ضعف التخصيص فيحصل التعارض بين الاطلاقين بالعموم من وجه.و
الترجيح للاول، لما مر من موافقة الكتاب و الشهرة، بل الاجماع، لما عرفت من
الاحتمال في كلام الشيخين (107) ، مع انه لو لاه لكان المرجع الى اصل الاشتغال و
استصحاب الحدث. و خلافا في الثاني لظاهر المدارك، فان ظاهره عدم صدق الغسل عرفا بمثل ذلك
الجري (108) ، و هو ظاهر الناصريات حيث قال-بعد ذكر وجوب فعل ما يسمى غسلا-: و اما
الاخبار الواردة بانه يجزيك و لو مثل الدهن، فانها محمولة على دهن يجري على
العضو و يكثر عليه حتى يسمى غسلا و لا يجوز غير ذلك.انتهى (109) . فان الظاهر من قوله: و يكثر عليه، اشتراط اكثر من هذا الجري، فانه لا يقال للقدر
من الماء الذي ينتقل من جزء واحد: انه يكثر عليه. و هو الظاهر من الحلي (110) ايضا. و دليلهم-كما اشير اليه-عدم صدق الغسل عرفا على مثله.و هو ممنوع كما مر (111) ، بل
الظاهر انه لو لاه، لما تحقق الغسل الواجب لكل جزء من كل عضو بالغرفة الواحدة
المجزية اجماعا. ثم انه يجب العلم بحصول اقل الجري في كل جزء جزء من المواضع، كما تدل عليه
الروايات المتقدمة في غسل اليد (112) ، المصرحة بوجوب غسل كل جزء و اجراء الماء او
ادخاله تحت الخاتم و نحوه، و الاولى بل الموضع اولا ليجري عليه الماء بسهولة.
المسالة الثالثة: اذا كان بعض اعضاء الطهارة مؤوفا بغير القطع،
من نحو كسر او قرح او جرح: فاما يكون في موضع الغسل او المسح. فان كان في موضع الغسل: فاما لا تكون عليه جبيرة من خشب او خرقة او دواء او
غيرها او تكون، فان كانت عليه، فاما لا يمكن غسل ما تحتها بنزع او تكرير او وضع
في الماء من غير ضرر و لا مشقة او يمكن، فان امكن ذلك باحد الوجوه الثلاثة، وجب
اجماعا، اتباعا لاوامر الغسل. و في التخيير بين الثلاثة، كجماعة منهم: الفاضل في التحرير و النهاية (113) ، و
الكركي (114) ، و الدروس و البيان (115) ، بل في اللوامع الاجماع عليه، للاصل، و حصول
الغسل، و اطلاق موثقة عمار: في الرجل ينكسر ساعده او موضع من مواضع الوضوء فلا يقدر
ان يمسح عليه لحال الجبر اذا جبر، كيف يصنع؟ قال: «اذا اراد ان يتوضا فليضع اناء فيه ماء و يضع الجبيرة في الماء حتى يصل
الماء الى جلده، و قد اجزاه ذلك من غير ان يحله » (116) . او الترتيب فينزع وجوبا مع الامكان، و الا فالتكرير او الوضع، كالتذكرة (117) ،
بل ظاهر التهذيب (118) و النهاية (119) ، بل المعتبر و المنتهى (120) ، بل عليه دعوى
الاجماع كما ذكره في اللوامع، و جعله جمع من مشايخنا الاحوط (121) . لحسنة الحلبي: عن الرجل تكون القرحة في ذراعه او نحو ذلك من مواضع الوضوء
فيعصبها بالخرقة و يتوضا و يمسح عليها اذا توضا؟ فقال: «ان كان يؤذيه الماء
فليمسح على الخرقة، و ان كان لا يؤذيه الماء فلينزع الخرقة ثم ليغسلها» و عن الجرح
كيف يصنع به في غسله؟ قال: «يغسل ما حوله » (122) . و الرضوي: «ان كان بك في المواضع التي يجب عليها الوضوء قرحة او دماميل و لم يؤذك
فحلها و اغسلها، و ان اضرك حلها، فامسح يدك على الجبائر و القروح، و لا تحلها و لا
تعبث بجراحتك » (123) . قولان (124) ، اظهرهما: الاخير، لما ذكر.و به يدفع الاصل و اطلاق الغسل. و لا يعارضه الموثق، لتقييده بعدم القدرة على المسح على الموضع لاجل الجبيرة، و لا
يكون ذلك، الا مع تعذر النزع.و اما مجرد وجوده فغير مناف للقدرة كما لا تنتفي بوجود
حائل آخر ممكن الرفع. و ها هنا قول آخر محكي عن الذخيرة، و هو: تقدم النزع و التكرير على الوضع (125) . و لم اقف على دليل له الا ما ادعاه من الاجماع، و هو غير ثابت. نعم، لم يذكر جماعة الوضع اصلا (126) . و عن الشيخ في كتابي الحديث عدم وجوبه، حيث حمل الموثق على الاستحباب عند المكنة
و عدم الضرورة (127) . و ان لم يمكن غسل ما تحتها باحد الوجوه الثلاثة، يمسح على الجبيرة و يغسل ما
حولها وجوبا، سواء امكن مع ذلك حل الجبيرة اولا، اتفاقا محققا و منقولا، كما عن
و في المعتبر، و المنتهى، و التذكرة، و المدارك (129) ، مع عدم امكان الحل، و
على الاظهر معه. للاجماع في الاول، و للمستفيضة فيهما، منها: الحسنة و الرضوي المتقدمان و حسنة
كليب و الوشاء. الاولى: عن الرجل اذا كان كسيرا كيف يصنع بالصلاة؟ قال: «ان كان يتخوف على
نفسه فليمسح على جبائره » (130) . و الثانية: عن الدواء اذا كان على يد الرجل يجزيه ان يمسح عليه؟ قال: «نعم، يجزيه ان يمسح على طلي الدواء» (131) . و المروي في تفسير العياشي: عن الجبائر تكون على الكسير كيف يتوضاصاحبها، و
كيف يغتسل اذا اجنب؟ قال: «يجزيه المسح بالماء عليها في الجنابة و الوضوء» (132) . و لا تعارض تلك الاخبار روايات التيمم (133) ، لانها بين ظاهرة في المجرد عن
الجبيرة او مطلقة بالنسبة اليه، و هذه خاصة بذي الجبيرة. و لا الروايات المقتصرة بغسل ما حول الجرح، كذيل حسنة الحلبي، المتقدمة، و صحيحة
ابن سنان: عن الجرح كيف يصنع به صاحبه؟ قال: «يغسل ما حوله » (134) . و مرسلة الفقيه: و روي في الجبائر انه يغسل ما حولها (135) . و صحيحة البجلي: عن الكسير تكون عليه الجبائر او تكون به الجراحة كيف يصنع
بالوضوء و عند غسل الجنابة و غسل الجمعة؟ قال: «يغسل ما وصل اليه الغسل مما ظهر مما
ليس عليه الجبائر و يدع ما سوى ذلك مما لا يستطيع غسله، و لا ينزع الجبائر و لا
يعبث بجراحته » (136) . لان ايجاب غسل ما حوله و عدم العبث بالجراحة و عدم غسلها لا ينافي وجوب المسح
اذا كان ثابتا من دليل آخر. و قوله في الصحيحة: «و يدع ما سوى ذلك » اي من الجسد بقرينة قوله: «مما لا يستطيع غسله و لا يعبث بجراحته » فلا ينافي المسح على الجبيرة التي هي
غير الجسد. مع ان الظاهر منه انه يدع غسله فلا منافاة اصلا، و لو منع الظهور فلا اقل من
الاحتمال فلا يعارض. مع انه على فرض الدلالة فللمعارضة مع ما مر غير صالحة، لمخالفته في الجملة لعمل
المعظم بل الكل الموجبة لشذوذها. و توهم فتوى الصدوق و الكليني-طاب ثراهما-بمضمونها (137) و حمل اخبار المسح على
الاستحباب فاسد. نعم، اختاره واحد من متاخري المتاخرين (138) و مال اليه آخر (139) ، و لا يعبا بهما. و بذلك الاجماع تقدم تلك الاخبار على الآية فيما اذا صدق على صاحب الكسر او
نحوه المريض و ان تعارضا بالعموم من وجه.مع ان المرض (لغة) (140) اما هو السقم
خاصة-كما هو صريح بعض اللغويين (141) -فلا تعارض بينهما اصلا، لتغاير السقم و الكسر
و نحوه كما هو ظاهر، او يكون شاملا لجميع الآفات حتى الكسر و نحوه-كما هو
المحتمل-و يكون المتصف بها ايضا مريضا لغة و ان لم يكن كذلك عرفا، و لا يضر
لتاخر الحادث، فتكون الآية اعم مطلقا يجب تخصيصها. و ان لم تكن على الموضع جبيرة و آذاه الماء، فالحق فيه التخيير بين احد
الامور الثلاثة: المسح على الجبيرة بوضع شي ء على الموضع و مسحه، و اما التيمم، و
اما الاكتفاء بغسل ما حول الموضع. اما جواز المسح على شي ء وضعه على الموضع: فلحسنة الحلبي، المتقدمة (142) ، دلت باطلاقها
على المسح بالخرقة المعصوبة مع ايذاء الماء، سواء كانت على الموضع قبل ارادة الوضوء،
او عصبها حينها مع تجرد الموضع اولا. و اما عدم تعين ذلك حتى يجب الوضع: فللاصل و عدم الدليل. فان قلت: قوله: «فليمسح على الخرقة » يدل على وجوبه المتوقف امتثاله على الوضع. قلنا: الثابت منه وجوبه على من سئل عنه اي من يعصبها (و يتوضا، الذي هو مرجع
المستتر) (143) و هو كذلك، لا على من لم يعصبها. فان قلت: فيلزم ان من عليه جبيرة يمكن حلها لو حلها كان حكمه التخيير ايضا، و
لم يتعين عليه المسح على الجبيرة، لعدم دليل على وجوب الوضع. قلت: الدليل فيه استصحاب وجوب المسح على الخرقة الموقوف على وضعها، بخلاف من
ليست عليه، فانه لم يثبت وجوب عليه حتى يستصحب. و اما جواز التيمم: فلمطلقاته كالمرسلة: «يومم المجدور و الكسير اذا
اصابتهما الجنابة » (144) . و الاخرى: «المجدور و الكسير يوممان و لا يغسلان » (145) . و الثالث: «يتيمم المجدور و الكسير بالتراب اذا اصابته الجنابة » (146) . و الرابعة: «في الكسير و المبطون يتيمم و لا يغتسل » (147) . و الصحيحة: في الرجل تصيبه الجنابة و به قروح او جروح، او يخاف على نفسه من
البرد، فقال: «لا يغتسل و يتيمم » (148) . و الاخرى: عن الرجل يكون به القرح و الجراحة يجنب، قال: «لا باس بان لا يغتسل،
يتيمم » (149) . و الموثقة: في الرجل تكون به القروح في جسده فتصيبه الجنابة، قال: «لا يتيمم » (150) . و المروي في الدعائم: «من كانت به قروح او علة يخاف منها على نفسه يتيمم » (151) . دلت على جواز التيمم لكل من كانت به قروح او كسر او علة، خرج من به جبيرة او خرقة
بما مر، و اما الخالي عنهما فتبقى فيه مطلقات التيمم خالية عن المعارض،
فيجوز له التيمم، لها.و وضع شي ء و عصبه على الموضع، للاصل الخالي عن المعارض
ايضا.و بعده يجب عليه المسح عليها، للحسنة (152) . و لا يندفع ذلك الاصل بمطلقات التيمم، لعدم دلالتها على الزائد على مشروعيته،
لخلوها عن الدال على وجوبه و حرمة الغسل. و منه يظهر وجه عدم تعين التيمم عليه ايضا. و اما جواز الاكتفاء بغسل ما حول الموضع فقط حينئذ: فلمطلقاته المتقدمة (153) ،
فانها شاملة باطلاقها للمجرد عن الجبيرة و المشغول بها، زيد في الثاني المسح
على الجبيرة لاوامره، و اما الاول فلا دليل على وجوب امر آخر فيه من وضع
الخرقة و المسح عليها. و لا تنافيها اخبار التيمم، لعدم اثباتها الازيد من المشروعية كما مر.كما
لا تنافي اخبار غسل ما حوله ايضا اخبار التيمم، لذلك. لا يقال: «اغسل ما حوله » في آخر الحسنة-كما في اكثر النسخ-امر مفيد للوجوب فيعينه و
يعارض مشروعية التيمم. لانا نقول: ان السؤال انما وقع في غسله، حيث قال: كيف يصنع به في غسله؟ فلا يفيد الا
وجوب غسل ما حولها اذا غسل لا مطلقا. و الحاصل: ان ها هنا امورا ثلاثة كلها واردة على المورد من دون مدافعة بعضها
لبعض: اصالة جواز العصب و الوضع الموجب للمسح على الجبيرة بضميمة الحسنة، و
مجوزات التيمم، و مطلقات غسل ما حول الموضع، فيجوز العمل بكل منها فيه و هو
معنى التخيير. هذا اذا كان عدم امكان غسل الموضع لايذاء الماء، و الا كما اذا لم يحتبس
الدم ففي شمول الحسنة له محل كلام، فينحصر الامر بين التيمم و غسل ما حوله، الا
اذا قلنا بعدم اشتراط طهارة محل الوضوء فيتوضا ان امكن. لا يقال: القول بالتخيير و ان كان موجودا، و لكنه اما في المجبور مطلقا بين
التيمم و الجبيرة، او بينه و بين غسل ما حولها، او في المجرد بين الاولين،
كما هو محتمل كلام المبسوط في مبحثي الوضوء و التيمم (154) ، او فيه بين
الاخيرين، فالقول بالتخيير بين الثلاثة خرق للاجماع. لانا نقول: دعوى الاجماع في مثل المقام شطط من الكلام و جزاف تام، فان في
كلام كثير منهم في المسالة اجمالا لا يحصل منه تمام المرام. و دعوى ان التيمم انما هو مع العجز عن المائية مطلقا دعوى بلا بينة، و للمطلقات
السالفة مخالفة، بل نقول: انه يشرع معه، و قد يشرع ايضا مع العجز عن اكمال المائية،
كما قد لا يشرع معه ايضا كما في المسح على الخفين، او بالبلة الجديدة، او في
المواضع المقطوعة. هذا، ثم لو امكن في المجرد مسح العضو من غير ضرر و ان لم يمكن غسله فهل يجب او
الحكم التخيير المتقدم؟ الحق هو الثاني، لعدم دليل على وجوب المسح بل و لا على مشروعيته. و الرضوي غير دال عليه، لان فيه انه «و ان اضرك حلها، فامسح على الجبائر و
القروح » (155) و هو يدل على وجود شي ء، فالمراد بالمسح على القروح المسح على ما عليها. و قيل بالاول (156) ، تحصيلا للاقرب الى الحقيقة، و لتضمن الغسل اياه، فلا يسقط بتعذر
اصله، و لمثل قوله: «الميسور لا يسقط بالمعسور» (157) . و في الاول: منع وجوب تحصيل الاقرب. نعم، قد يقال بذلك في معاني الالفاظ و هو غير المورد، مع ان فيه ايضا كلاما. و في الثاني: منع تضمن الغسل اياه، فانه قد يتحقق بدون المسح فلا امر بالمسح
اصلا. سلمنا و لكن الامر به تبعي يفوت بفوات الاصل. و في الثالث: ضعف الدلالة كما بيناه في محله. و من هذا يظهر فساد التمسك بتلك الادلة لايجاب المسح على الجبيرة في
المجرد ايضا، مع ان صدق الجبيرة الواردة في الاخبار على كل خرقة محل كلام. و ان كانت الآفة في موضع المسح و كانت عليه جبيرة، فامكن نزعها و مسح الموضع،
وجب. و ان لم يمكن، فان امكن تكرير الماء او الوضع فيه فالظاهر التخيير بينه و بين
المسح على الجبيرة، لدلالة الموثقة (158) على الاول، و اخبار الجبيرة (159) على
الثاني، و التعارض بالعموم من وجه، لاختصاص الاولى بما امكن فيه التكرير و
الوضع، و الثانية بما لم يمكن في مواضع الغسل، و لا ترجيح، فالحكم التخيير. و ان لم يمكن شي ء من الامرين، مسح على الجبيرة وجوبا، لاخبارها. و ان لم تكن عليه جبيرة، فالظاهر التيمم، لاخباره الفارغة عن المعارض في
المقام (160) . و اما وضع شي ء و المسح عليه فلا دليل له. و اما حسنة الحلبي (161) فالظاهر من قوله في آخرها: «فليغسلها» ان القرح في موضع
الغسل، بل يحتمله قوله: «و نحو ذلك من مواضع الوضوء» بان تكون لفظة «من » تبعيضية، و
المراد نحوه من مواضع الغسل. هذا كله اذا كانت الجبيرة او الموضع المجرد عنها و ما حولهما خالية عن
النجاسة.و الا فان كانت النجاسة مما لا جرم لها يمنع من وصول الماء، فعلى القول
بعدم ثبوت اشتراط طهارة موضع الوضوء سيما على الاطلاق الشامل للمقام
ايضا-كما هو الظاهر-فالحكم ما مر من غير تفاوت، فمع الجبيرة يمسح عليها
وجوبا، و بدونها يتخير بين الثلاثة. و اما على القول باشتراط طهارة موضعه حتى الجبيرة، فقالوا: ان كانت النجاسة
متعدية الى ما حول الموضع ايضا، يتيمم.و ان كانت مختصة بالجبيرة او الموضع دون
ما حوله، يجب وضع شي ء طاهر على احدهما و المسح عليه، و ادعوا عليه الاجماع، فان
ثبت، و الا فلا دليل على ذلك الوضع. و مقتضى القاعدة: التخيير بين الاكتفاء بغسل ما حوله و بين التيمم، لخلوهما عن
المعارض، حيث ان اخبار المسح على الجبيرة لا تكون شاملة للمقام حينئذ قطعا. و تحصيل الاقرب الى الحقيقة، و الخروج عن الشبهة، و طلب اليقين بالبراءة غير
مفيدة. اما الاول: فلمنع وجوبه اولا، و عدم اقربيته من غسل ما حولها ثانيا. و اما الثاني و الثالث: فلامكان وجوب المسح على النجس او التيمم، فلا يحصل
اليقين بمجرد ما ذكر. و ان كان للنجاسة جرم لم يمكن ازالته، فان كانت على الجبيرة، فالظاهر
التخيير بين التيمم و غسل ما في الحول خاصة، لمطلقاتهما الخالية عن معارضة
اخبار الجبيرة، لعدم فائدة في المسح عليها، و عدم دليل على وضع شي ء عليها. و ان كانت على الجرح المجرد، فالتخيير بينهما و بين شد العصابة، لاطلاق الحسنة (162) .
و ان كانت فيما حول الموضع فالتيمم خاصة، لمطلقاته الخالية عن معارضة شي ء مما
مر، و وجهه ظاهر.
فروع:
ا: ذكر جماعة ان في حكم الكسر و اخويه مرضا آخر في موضع الوضوء يضره الماء كورم
او وجع او رمد او سلعة اذا كانت عليه جبيرة.و اما بدونها فحكموا بالتيمم. و هو في الثاني كذلك، لرواية الدعائم (163) المنجبرة في المورد، فانه تثبت منها
مشروعية التيمم له و لم تثبت مشروعية غيره. و اما في الاول فهو مشكل، لعدم دليل على مشروعية الجبيرة في مثله، فان كلام
كثير من الاصحاب مختص بالكسر و اخويه، فلا يثبت منه اجماع في المورد، و اكثر
اخبار الجبيرة مخصوصة بها ايضا. و اما حسنة الوشاء (164) : فان عمت مثل ذلك ايضا الا انها لا تدل على المطلوب،
لجواز ان يكون المراد منها المسح الذي في التيمم، و لذا استدلوا على المسح على
الجبيرة في التيمم بها. و شمول اطلاق اليد فيها لغير الكفين-الموجب لتعين المسح بالماء للوضوء، اذ لا
تيمم على غيرهما، و بضميمة عدم الفصل يثبت فيهما ايضا-غير مفيد، لجواز ان يريد
الاجزاء عن الامر الندبي بالمسح على الذراع في التيمم.مع ان كون اليد مشتركة
معنوية بين الكفين و ما فوقهما محل كلام، و الاستعمال في الآية غير مفيد. و اما رواية عبد الاعلى: عثرت فانقطع ظفري فجعلت على اصبعي مرارة فكيف اصنع
بالوضوء؟ قال: «يعرف هذا و اشباهه من كتاب الله، قال الله تعالى: «ما جعل عليكم في الدين من حرج » (165) امسح عليه » (166) فخارجة عن المقام، لان الظاهر ان
انقطاع الظفر من الجرح. و ليست هناك رواية عامة او مطلقة اخرى من اخبار الجبائر يتوهم شمولها لما نحن
فيه، مع ان في صدق الجبيرة على المعصوب عليه نظرا. فالتحقيق فيه: انه ان كان العذر مما يقطع معه بكون صاحبه مريضا كالمجدور و
نحوه، فحكمه التيمم، للآية و روايات المجدور (167) .و ان لم يقطع فيحتمل الجبيرة و
التيمم، و الاحوط الجمع، بل هو الاظهر، لاستصحاب الاشتغال. و اما رواية الدعائم فلا تفيد هنا، لضعفها الخالي عن الجابر في المقام. هذا اذا كان العذر متعلقا بموضع خاص.و اما اذا لم يكن كذلك كالسقيم و
المبطون و خائف البرد و نحوها، فحكمه التيمم، لاخباره.دون المسح على الخرق و
ان لم يتضرر به، لعدم التوقيف. ب: لو لصق بالعضو شي ء و لم يمكن ازالته من غير ان يكون مجروحا او مريضا، ففي
وجوب المسح عليه ان كان طاهرا، او وضع شي ء عليه ان كان نجسا، او التيمم اشكال. و قد يرجح الاول بوجوب غسل كل عضو، فلا ينتفي بتعذر بعضه. و يضعف بثبوت الربط بالاجماع. نعم، يمكن ترجيحه في صورة الطهارة باطلاق صحيحة محمد و رواية عمر ابن يزيد. الاولى: في الرجل يحلق راسه ثم يطليه بالحناء و يتوضا للصلاة، فقال: «لا باس ان
يمسح راسه و الحناء عليه » (168) . و الثانية: عن الرجل يخضب راسه بالحناء ثم يبدو له في الوضوء، قال: «يمسح فوق الحناء» (169) . بل و كذا مع النجاسة على القول بعدم اشتراط طهر المحل، كما هو الاظهر، فيمسح على
ذلك الشي ء النجس.و اما على القول الآخر فلا.و مقتضى قاعدة اصالة الاشتغال: الجمع،
بل هو الاحوط على القول الاول ايضا، بل في الصورة الاولى. ج: الحق: انه لا يشترط الجريان في المسح هنا سواء كان في موضع الغسل او المسح،
لصدق الامتثال.و لا عدمه، لذلك، حيث ان المسح اعم مما يتضمنه. و اشتراط الثاني في الثاني لوجوبه في مبدله، كالاول في الاول، لان المامور
به اولا هو الغسل و مع تعذره يتعين اقرب المجازات-كما عن نهاية الاحكام- ضعيف،
و ان اختاره والدي في اللوامع ايضا، لمنع الوجوب في المبدل كما مر (170) ، و منع
تعين الاقرب في مثل تلك المواضع، سيما مع وجود الاطلاق. د: لا يجب استيعاب الجبيرة بالمسح ان كانت في موضع المسح، وفاقا كما في
اللوامع، او موضع الغسل كما في الذكرى و عن المبسوط (171) ، لصدق المسح على
الجبيرة اذا مسح بعضها، ا لا ترى انه اذا مسحت اليد على الوجه يقال: مسح يده
على وجهه، و ان لم يستوعب. خلافا للفاضلين (172) ، لظهور الحسنتين (173) فيه، و هو ممنوع، و لثبوته في مبدله.و فيه:
منع الدلالة. نعم، هو الاحوط، و كيف كان فلا ينبغي الريب في عدم وجوب تخليلها بالمسح اذا
كانت لها خلل و فرج و ثقوب و نحوها. ه: لو عمت الجبيرة تمام عضو او كل الاعضاء، مسح على الجميع و سقط الغسل،
وفاقا لصريح التذكرة و المنتهى (174) ، لاطلاق كثير من الروايات (175) ، الا ان
يتضرر به فيتيمم. و يظهر من بعض من عاصرناه التامل في استغراق الجميع او تمام عضو او
الابعاض المتكثرة (176) . و هل يجب حينئذ استيعاب جبيرة كل عضو بالمسح؟ الظاهر لا، لما مر، و الاحوط نعم. و: لو زادت الجبيرة عن محل الجرح و لم يمكن غسل ما تحت الزائد بنزع او تكرير
يمسح عليه، لعموم ما تقدم من الروايات، لعدم الاستفصال، او الاطلاق، سيما مع
ان الغالب في الجبائر اشتمالها على زائد لا يمكن غسل ما تحته، بل المساوي او
الناقص غير متحقق او شاذ غير ملتفت اليه. ز: اذا كان الجرح و ما في حكمه في غير موضع الطهارة و لكن تضرر بغسل مواضعها،
يتعين التيمم، لعموم اخباره (177) ، و عدم شمول روايات الجبيرة له. ح: لو توضا جبيرة فهل يجب ابقاء الجبيرة حال الصلاة ام يجوز حلها ان امكن؟
مقتضى الاصل: عدم الوجوب، و عليه الفتوى. ط: هل يجب ان يكون المسح برطوبة او يجوز مع جفاف اليد ايضا؟ المتبادر من
الروايات: الاول، بل يصرح به في رواية العياشي، المتقدمة (178) المنجبرة بظاهر عمل
الاصحاب. و هل يجب ان تكون الرطوبة من ماء الوضوء اذا كانت الجبيرة في محل المسح؟
الاحوط ذلك، بل يستفاد تعيينه من اخبار المسح بنداوة الوضوء (179) . ي: المصرح في الرضوي انه يجب مسح الجبيرة باليد (180) ، فلا يجوز بعضو آخر او
بغير العضو.و الظاهر ان عليه بناء الاصحاب، فالرواية به منجبرة فعليه العمل.و
يجب كون الجبيرة ممسوحة، كما هو مقتضى رواياتها، فلا يجزي مسحها على اليد
كما قيل (181) . يا: الفصد و الحجامة و الشقوق الصغار من الجرح، فحكمها حكمه. يب: لا يجب تجفيف الجبيرة و ترقيقها و لو امكن، للاصل، الا ان يشد على فوقها شي ء
من غير حاجة اليه فيحل، للشك في صدق اسم الجبيرة عليه.و لا يجوز وضع شي ء عليها بلا
ضرورة. يج: لو كانت الجبيرة على المرفق او اعلى الوجه، يبدا بها فيمسحها اولا، ثم
يغسل الباقي. يد: لا يعيد ما صلى بالوضوء جبيرة و ان بقي وقتها اجماعا. و هل يعيد وضوءه لو زال العذر ام لا؟ الظاهر: العدم و لو كان قبل الصلاة، لاستصحاب
الوضوء، و اخبار حصر الناقض، و النهي عن التوضؤ الا مع اليقين بالحدث (182) . و لو زال العذر قبل تمام الوضوء بعد الجبيرة في عضو فيه اشكال. و اشكل منه: ما لو زال قبل تمام العضو الذي فيه الجبيرة.و الاحتياط في
الاعادة.
المسالة الرابعة: ما يجب له الوضوء او يستحب انما يجب او يستحب
-في غير التجديد-اذا كان المكلف محدثا، و الا يكفي وضوؤه الذي عليه لتلك الامور
كلا، و لا يحتاج الى وضوء آخر و لو كان وضوؤه ندبيا و اراد فعل الواجب المشروط به،
بالاجماع المحقق و المنقول (183) ، و هو الحجة. مضافا الى موثقة ابن بكير: «اياك ان تحدث وضوءا حتى تستيقن انك قد احدثت » (184) . و المروي في الدعائم: «المرء اذا توضا صلى بوضوئه ذلك ما شاء من الصلوات ما لم
يحدث او ينم او يجامع او يكون منه ما يجب منه اعادة الوضوء» (185) . و ما ورد في ان من كان على وضوء لا يجب عليه الوضوء للمغرب (186) ، و في ان من تيقن
الطهارة و شك في الحدث لا يتوضا (187) ، و ما دل على ان الوضوء لا ينقضه الا حدث كصحيحة
الاشعري (188) و غيرها مما مر في بحث النواقض (189) . و يدل عليه ايضا انه لم يثبت من ادلة وجوب الوضوء او استحبابه لغايات الا
مطلوبية كون المكلف عندها مع الوضوء، الذي هو غسل الوجه و اليدين و مسح الراس و
الرجلين، غاية ما في الباب ثبوت قصد الامتثال ايضا، فاذا حصل ذلك يحصل
المطلوب، و لم يثبت اعتبار قصد الغاية او تجديد الوضوء عند الغاية. و يؤكده: ما ورد في الكافي في الصحيح من انه امر الله سبحانه، النبي صلى الله
عليه و آله ليلة المعراج بالوضوء ثم بالصلاة (190) و علمه بالتفصيل، و لم يامر اولا
بالوضوء للصلاة. و اما قوله تعالى: «اذا قمتم الى الصلاة » (191) فالمتبادر منه انه ان لم يكن
متطهرا، كما في قولك: اذا لقيت الاسد فخذ سلاحك، يعني اذا لم تكن مسلحا. مع ان الآية مفسرة في الصحيح بالقيام من النوم (192) ، مع انه على فرض شمولها
للجميع فتخصيصها بمثل موثقة ابن بكير و سائر ما مر لازم. و منه يعلم الحال في نحو قوله: «من تطهر ثم آوى الى فراشه » (193) سيما مع معارضته
بمثل قوله: «و لا تدخل على الزوجة الا متوضئا» (194) و قوله: «لقارئ القرآن متطهرا خمس و
عشرون حسنة » (195) و نحوها، بضميمة عدم الفصل بين الغايات. نعم، الوضوء المجامع للحدث الاكبر كوضوء المحتلم للجماع و الحائض لا يعبا به
لغاياته بعد الطهارة من الحيض و الجنابة بالاجماع. و يتفرع على ذلك: كفاية وضوء واحد لجميع غاياته، كما مر (196) .
المسالة الخامسة: لا يجوز للمحدث مس كتابة القرآن،
وفاقا للخلاف، و التهذيب، و الصدوق (197) ، و عن الكليني (198) ، و الحلبي، و احكام
الراوندي، و ابن سعيد (199) ، و الفاضلين (200) ، و محتمل المبسوط (201) ، و معظم من تاخر عنهم.
للمروي عن الباقر عليه السلام في مجمع البيان: «لا يجوز للجنب، و الحائض، و
المحدث، مس المصحف » (202) . و ضعفه منجبر بالشهرة المحققة و المحكية مستفيضة (203) ، بل بالاجماع المصرح به في
الخلاف و عن ظاهر التبيان و مجمع البيان (204) . و الاستدلال بقوله سبحانه: «لا يمسه » (205) ضعيف لا لاحتمال رجوع الضمير الى الكتاب
المكنون بل هو اقرب للاقربية، او لعدم ثبوت الحقيقة الشرعية في الطهارة، اما
مطلقا او عند نزول الآية، لانهما و ان كانا كذلك الا ان المستفاد من روايات
الائمة ارادة القرآن و الطهارة الشرعية: ففي رواية ابن عبد الحميد: «المصحف لا تمسه على غير طهر و لا جنبا، و لا تمس خطه، و
لا تعلقه، ان الله يقول «لا يمسه الا المطهرون » » (206) . و في المجمع عن الباقر عليه السلام: في قوله: «لا يمسه الا المطهرون » قال: «من
الاحداث و الخباثات » (207) . و ضعفهما-لو كان-منجبر بدعوى الاجماع عليه في المجمع، و باشتهاره بين
الاصحاب. بل لعدم ثبوت دلالة الجملة الخبرية على الوجوب، كما بينا في موضعه، و صرح به جماعة
منهم الاردبيلي، و في المدارك و البحار (208) . و منه يظهر عدم دلالة خبر ابن عبد الحميد، لجواز كون قوله: «لا تمسه » خبرا.مع وقوع
النهي فيه عن التعليق ايضا، و هو ليس حراما اجماعا.فظاهر اتحاد السياق يشعر
بعدم ارادة الوجوب في المس ايضا، و تخصيصه بالتعليق المستلزم لمباشرة
الجسد لا دليل عليه. و لا يعارضه نهي الجنب ايضا، حيث انه محرم اجماعا، فيتعارض السياقان و يبقى
ظهور التحريم باقيا بحاله، اذ حرمة مس الجنب لا تدل على ارادتها هنا ايضا،
فلعله اريد مطلق رجحان الترك المتحقق مع كل من الكراهة و التحريم، مع ان الاجماع
في الجنب غير معلوم. و كذا يظهر الحال في سائر الاخبار الواردة في هذا المضمار (209) ، فانها بين
المشتملة على الجملة الخبرية و المحتملة لها. و اما صحيحة علي: عن الرجل يحل له ان يكتب القرآن في الالواح و الصحيفة و هو على
غير وضوء؟ قال: «لا» (210) فاخراجها عن ظاهرها لازم، لمخالفته للاجماع، و معارضته
لحسنة داود: عن التعويذ يعلق على الحائض؟ قال: «نعم، لا باس » قال: و قال: «تقرؤه و تكتبه و لا تصيبه يدها» (211) . و حملها على مس الكتابة ليس باولى من الحمل على الكراهة. و القول بدلالتها على حرمة مس الكتابة من باب المقدمة، لعدم انفكاك الكتابة عنه
غالبا، فلا يضر انتفاؤه عن ذي المقدمة، فاسد جدا، لانتفاء التابع بانتفاء
المتبوع، مع ان عدم الانفكاك في الغالب، ممنوع. و خلافا للحلي، و المدارك (212) ، و غرر المجامع، و محتمل المبسوط (213) ، و عن القاضي (214) ،
للاصل، و ضعف الروايات من حيث السند و الدلالة، كالآية من حيث الدلالة.و جوابه ظاهر
مما مر.
فروع:
ا: التحريم مختص بالمكلف، فلا يحرم على الصبي و المجنون وفاقا. و في وجوب منعهما على الولي قولان، الاظهر: العدم، للاصل. و قيل بالوجوب (215) ، و لا دليل عليه. و لا يبعد استحباب منعه على الولي تمرينا. ب: لا تحريم في مس غير القرآن من الكتب المنسوخة، و التفسير، و الحديث، و اسماء
الحجج، و لا ما نسخ تلاوته من القرآن، للاصل.دون نسخ حكمه دون تلاوته. و كذا لا تحريم في مس الورق، و الحمل، و التعليق، للاصل، و الاجماع، و مرسلة حريز
الصحيحة عن حماد المجمع على تصحيح ما يصح عنه: «لا تمس الكتاب و مس الورق » (216) . و منها يظهر اختصاص المصحف المنهي عن مسه بالخط. نعم، يكره التعليق، لخبر ابن عبد الحميد (217) . ج: مس كتابة المصحف يتحقق بمس جزء منه و لو قليلا، فيحزم مس كل آية منها و ابعاضها و
لو كلمة، بل و لو حرفا، و لو مثل المد و التشديد، وفاقا للاكثر كما في اللوامع، لصدق
مس المصحف. و في التعدي الى الاعراب نظر، و الشهرة المحققة او المحكية الجابرة في مثله غير
معلومة، بل صدق الكتابة و الخط عليه مشكوك فيه، و يؤكده خلو المصاحف السابقة عنه. و هل يشترط التحريم بكون الممسوس مكتوبا في المصحف، او يحرم مسها و لو في
غيره؟ الاحوط بل الاقرب: الثاني، وفاقا للاكثر كما في اللوامع، لتنقيح المناط، و
لتحريم مسها بالاستصحاب لو فصلت آية او كلمة من المصحف، و يسري الى غير
المفصول بعدم الفصل. و توهم تغير الموضوع خطا، لان المفصول مصحف، و لو شك فيه فتستصحب المصحفية
ايضا. و منه يظهر الجواب لو عورض استصحاب الحرمة باستصحاب حال العقل. خلافا للذكرى (218) في الثانية في الدراهم، للزوم الحرج، و هو ممنوع، و خبر ابن مسلم (219) ،
و هو غير دال. نعم، يشترط في المكتوب في غير المصحف عدم احتمال كونه غير القرآن. فلو احتمله لا يحرم و لو رقم بنية القرآن، للاصل، و الشك في الصدق، و احتمال مدخلية
الامتياز الخارجي. نعم، لو فصل غير الممتاز عن المصحف، فبقاء الحرمة للاستصحاب محتمل بل راجح، و لا
يسري الى غيره، لعدم ثبوت عدم القول بالفصل. د: الظاهر اختصاص التحريم بالكتابة المتعارفة، فلا يحرم مس ما كتب مقلوبا،
او محكوكا، او غير ظاهر، و ان ظهر بعد عمل كمقابلة النار و نحوها.و في الكتابة
المجسمة اشكال، و الاجتناب احوط. و لا يختص التحريم بخط دون خط، فيحرم مس المصحف المكتوب بالخط الهندي، و الكوفي،
و العجمي، من الخطوط المتعارفة.و في التعدي الى الخطوط المجعولة و المقطعة نظر، و
الشهرة الجابرة غير معلومة. ه: هل تجوز كتابته على جسد المحدث؟ الظاهر نعم، لعدم صدق المس. و كذا تجوز كتابة المحدث له بالاصبع، لان ما كتب لا يمس، و ما لم يكتب بعد ليس
بمصحف. و: لا يختص التحريم بالمس بالكف و لا بما تحله الحياة خاصة، بل يحرم المس بجزء
من البدن مطلقا و لو بالظفر و السن، لصدق المس المحرم بالخبر (220) المنجبر
فيهما.نعم، الظاهر عدم تحريم اصابة الشعر، للشك في صدق المس و عدم حصول الخبر. ز: لا يجوز المس بما غسل من اعضائه قبل تمام الوضوء، لعدم ارتفاع الحدث اصلا
الا بتمامه.