الفصل الثالث: في واجباته من الافعال و الشرائط - مستند الشیعه فی احکام الشریعه جلد 2

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

مستند الشیعه فی احکام الشریعه - جلد 2

احمد بن محمد مهدی النراقی؛ تحقیق: مؤسسة آل البیت (ع) لاحیاء التراث

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

الفصل الثالث: في واجباته من الافعال و الشرائط


و هي امور:

الاول: النية

و هي: القصد الى الفعل لغة و عرفا و شرعا، اذ لم تثبت لها حقيقة شرعية، بل و لا
المتشرعة، و وجوب بعض القيود فيها شرعا لا يجعله جزءا لها.

قيل: النية بهذا المعنى لا يمكن انفكاكها عن الفعل الاختياري، اذ لا يمكن صدور
الاختياري بغير قصد، و لو كلف به كان تكليفا بالمحال، فلا معنى لاشتراطها، و الفرق
فيها بين العبادات و غيرها كما وقع في عبارات الاصحاب، فالمراد منها فيها
ليس هذا المعنى، بل قصد الفعل اطاعة لله، او مع قيد آخر ايضا مما يجوز انفكاكها و يصح
اشتراطها، فتكون النية من الالفاظ المنقولة (1) .

و فيه: ان عدم امكان صدور الفعل الاختياري من غير قصد لا ينافي امكان صدور الفعل من
غير اختيار، كالوقوع في الماء اضطرارا في الغسل، و اصابة المطر الى الثوب في
الغسل، فمرادهم من اشتراط النية بمعناها الحقيقي-اي القصد- انه لا يكفي ذلك في حصول
الامتثال الذي تحصيله واجب في العبادات و ان امكن كفايته في ترتب الاثر
الذي هو المطلوب في غيرها، فمرادهم من الفرق بين العبادات و غيرها التوقف
الكلي و عدمه.

و هاهنا مسائل:


المسالة الاولى:

النية بالمعنى المذكور واجبة في الوضوء، فلو اتى ببعض افعاله لا عن قصد بطل
اجماعا حتى من الاسكافي كما في المعتبر (2) ، و عليه الاجماع في الخلاف و
المختلف و الغنية و التذكرة (3) .

و الحجة فيه-بعد الاجماع و توقف صدق الامتثال الواجب تحصيله في العبادات
عليه-قوله عليه السلام في حسنة الثمالي و غيرها من المستفيضة: «لا عمل الا بنية » (4) بل
في رواية ابن عيينة: «الا و ان النية هو العمل » (5) و هو تاكيد.

و معنى الاول انه لا يتحقق العمل الا مع القصد.و هو كذلك، لان ما لا قصد فيه ليس عملا
لشخص، اذ عمل الشخص ما صدر عنه بقصده، فان من وقع في ماء بلا اختيار لا يقال: انه غسل
جسده، فان كل ما يتحقق في الخارج ليس عملا، بل هو ما عمله عامل، و لا ينسب عمل الى
عامل الا مع صدوره عنه بالقصد و الاختيار، و يلزمه انه اذا طلب الشارع عملا من غيره
لا يتحقق الا مع القصد اليه.

و استعماله في العرف في غيره احيانا-لو سلم-لا يضر، لانه اعم من الحقيقة، غايته
احتمال الاشتراك المعنوي، و تعارضه مع التجوز، و هو ايضا غير ضائر، لان الحق فيه
التوقف، فلا يعلم صرف الحديث عن حقيقته التي هي نفي العمل، فيحمل عليها.

مع انه لو سلم صدق العمل عرفا على ما لا نية فيه ايضا نمنع كونه كذلك في زمان
الشارع، و العمل باصالة عدم النقل مع تلك الاحاديث باطل.

مع ان ها هنا كلاما آخر، و هو: انه مما لا شك فيه انه لا بد من نسبة العمل الى شي ء
من كونه مؤثرا فيه، و هذا بديهي، و التاثير قد يكون مع المباشرة، و قد يكون بالامر
و البعث، كما يقال: قتل السلطان فلانا.و الافعال المطلوبة من المكلف لما كان
مطلوبا مما هو انسان اي النفس دون البدن، و تاثيره لا يكون الا بالامر و البعث
للبدن، و هما لا يتصوران الا مع القصد و الشعور، و يلزمه ان لا يصدر عمل عما هو المكلف
حقيقة اي النفس الا بالقصد.و لما كان الحديث مقصورا على افعال المكلفين بقرينة
المقام، لا يراد من النفي فيه الا معناه الحقيقي و ان قلنا بعدم توقف مطلق العمل على
القصد، و يكون المراد بيان انه لا عمل مطلقا او من افعال المكلفين الا مع القصد.

و يمكن ان يكون المراد انه لا عمل من الاعمال الشرعية الا مع القصد، فلا وضوء و لا
غسل و لا صلاة و هكذا الا ما صدر بقصد و شعور، فلا يتحقق الامتثال بدونه.

و مما ذكر ظهر انه لا حاجة الى صرف المستفيضة عن حقيقتها، و لا يرد ما استشكله
بعضهم من اقتضائه اشتراط النية في المعاملات، مع انه خلاف الاجماع، فانه انما
يرد على من اعتبر القيود في النية، و اما بهذا المعنى فيشترط في المعاملات
اجماعا، الا في ما ليس الاثر مترتبا على العمل، بل على تحقق السبب في الخارج
كيف ما كان.

ثم لو سلم عدم بقاء الاخبار على حقيقتها، فالمتبادر من مثلها-كما صرحوا
به-نفي الصحة او الاثر، و هو ايضا مثبت للمطلوب.

و يدل عليه ايضا: ما ياتي من اشتراط قصد القربة، حيث ان الخاص مستلزم للعام.

المسالة الثانية:

و يجب اشتمالها على القربة بان يكون فعله لله سبحانه، بالاجماع و الكتاب و
المستفيضة.

منها: الخبران: «الملك ليصعد بعمل العبد مبتهجا به، فاذا صعد بحسناته يقول الله
تعالى: اجعلوها في سجين انه ليس اياي اراد بها» (6) .

و المروي في عدة الداعي: «و يصعد الحفظة بعمل العبد بفقه و اجتهاد و ورع » الى ان قال:
«فيقول الملك: قفوا و اضربوا بهذا العمل وجه صاحبه، انا ملك الحجاب احجب كل
عمل ليس لله » الى ان قال: «امرني ربي ان لا ادع عملا يجاوزني الى غيري ما لم يكن
خالصا لله.و يصعد الحفظة بعمل العبد مبتهجا به من صلاة و زكاة و صيام و حج و
عمرة » الى ان قال: «فيقول: انتم حفظة عمل عبدي و انا رقيب على ما في نفسه، انه لم
يردني بهذا العمل، عليه لعنتي » (7) .

و خبر علي بن سالم: «قال الله تعالى: انا خير شريك، من اشرك معي غيري في عمل عمله لم
اقبله الا ما كان خالصا لي » (8) .

و رواية عقبة: «اجعلوا امركم هذا لله، و لا تجعلوه للناس، فانه ما كان لله فهو لله،
و ما كان للناس فلا يصعد الى الله » (9) .

دل كل ذلك على عدم قبول عمل ليس لله، و هو يستلزم عدم الاجزاء، للتلازم بينهما،
و هو يستلزم عدم الصحة لترادفهما.

و رواية ابي بصير: عن حد العبادة التي اذا فعلها فاعلها كان مؤديا، فقال:

«حسن النية بالطاعة » (10) .

و البحث باحتمال عدم كون الوضوء عبادة مدفوع بالاجماع بل الضرورة، بل عليه
دلت الروايات.

كالصحيح (11) : «انما الوضوء حد من حدود الله ليعلم الله من يطيعه و من يعصيه » (12) .

و الخبر، و فيه-بعد ارادة الراوي صب الماء على يده للوضوء-: «اما سمعت الله يقول:
«فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا و لا يشرك بعبادة ربه احدا» و ها انا ذا
اتوضا للصلاة و هي العبادة » (13) .

و آخر: «كان امير المؤمنين عليه السلام اذا توضا لم يدع احدا يصب عليه الماء،
فقال بعد السؤال عنه: لا احب ان اشرك في صلاتي احدا، و قال الله تعالى:

« (فمن كان يرجو...) » الآية » (14) .

دلا على ان الصلاة عبادة و الوضوء منها، كما ورد في المعتبرة ان: «افتتاح
الصلاة الوضوء و تحريمها التكبير و تحليلها التسليم » (15) و ان «الصلاة ثلاثة
اثلاث: ثلث طهور» (16) .

بل دلا على ان الاشراك في الوضوء اشراك في العبادة فيكون عبادة.

و من ذلك يظهر وجه آخر لاشتراط القربة، و هو ان العبادة لغة اسم لما تتحقق به
العبادة المصدرية، و هي الاتيان بلوازم العبودية، و الاصل عدم النقل، و لا يكون
ذلك بشهادة العرف و اللغة الا فيما كان مطلوبا للمعبود وجوبا او ندبا، (ماتيا
به) (17) لاجل اطاعته و انه مطلوبه، و هذا معنى القربة، و من هذا يعلم ان كل مطلوب
للشارع (يعتبر) (18) فيه نية القربة فهو عبادة و بالعكس.

و مما يدل دلالة واضحة على اشتراطها و اعتبارها: بداهة وجوب امتثال اوامر
الله سبحانه، و هو متوقف عرفا على قصد الطاعة و الاتيان بالفعل لاجل الامر
بالضرورة، فان العبد اذا فعل ما امر به مولاه و غيره لا لانه امره بل لاجل انه
امره غيره لا يعد ممتثلا للمولى البتة، بل قد يعد عاصيا بالفعل، كما اذا امره عدو
مولاه معلقا قتل المولى عليه، و لذا لو فعل احد مطلوب الله سبحانه واقعا الذي ظن
حرمته يعد عاصيا مستحقا للعقاب، و لذا لا يجب فيما لا امتثال فيه كالوضعيات
من المعاملات و نحوها مما ليس المقصود فيه الاطاعة.

و يظهر مما ذكر ان الاصل في كل ما تعلق الامر به كونه عبادة، لان ما تعلق به
يجب امتثاله المتوقف على القربة، و ما تعتبر فيه القربة فهو عبادة كما مر.

و تدل على المطلوب ايضا الآيات و الروايات الناهية عن الرياء في الاعمال، و
المصرحة بعدم قبول ما يتضمنه و بطلانه (19) .

ثم المراد بقصد القربة كما عرفت: قصد كون الفعل لله سبحانه، اي امتثالا لامره، او
موافقة لطاعته، او انقيادا لحكمه، او اجابة لدعوته، او اداء لشكره، او تعظيما
لجلاله، او نحو ذلك، او طلبا للرفعة عنده بواسطته تشبيها بالقرب المكاني و نيل
ثوابه، او الخلاص من عقابه.

فتصح العبادة مع احد تلك القصود، لصدق كون العمل لله و الخلوص اللذين هما الثابت
اعتبارهما و اشتراطهما من ادلة القربة المتقدمة مع واحد منها.اما مع غير
الاخيرين (منها) (20) فبالاجماع بل ضرورة العرف و اللغة.

و اما مع واحد منهما فعلى الاصح بل الاشهر، كما صرح به والدي-رحمه الله-في
اللوامع، لقوله سبحانه: « (انما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء و لا شكورا#انا
نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا) » (21) جمع بين كون الاطعام لوجه الله الذي هو
معنى الخلوص و بين تعليله بالخوف منه سبحانه، و للاخبار المتكثرة.

منها: خبر ابن سالم السابق (22) (حيث) (23) دل على ان العمل الخالص ما لم يشرك فيه
غير الله سبحانه، فهو كاف في تحقق الخلوص، و لا شك في ان ما يفعل لاجل نيل ثواب
الله او الخلاص من عقابه لم يشرك فيه غيره.

و اصرح منه: صحيحة ابن مسكان، و رواية ابن عيينة:

الاولى: في قول الله عز و جل «حنيفا مسلما» (24) قال: «خالصا مخلصا ليس فيه شي ء من
عبادة الاوثان » (25) .

و الثانية: «العمل الخالص: الذي لا تريد ان يحمدك عليه احد الا الله عز و جل » (26) .

و هي صريحة في عدم منافاة قصد الثواب للخلوص، اذ من يقصده خاصة لم يقصد حمد الغير، و
لان حمد الله سبحانه ثواب منه له.

و يدل ايضا على حصول الامتثال بقصد احدهما: كل ما دل (من الآيات المتكثرة و
الاخبار المتواترة) (27) على مدح العمل باحد القصدين و الامر به المستلزمين
للقبول الملازم للصحة.

فمن الآيات ما تقدم، سيما مع تفريع قوله: «فوقاهم الله شر ذلك اليوم » (28) عليه، و
قوله سبحانه: «يدعون ربهم خوفا و طمعا» (29) ، «و يدعوننا» «رغبا و رهبا» (30) ، «و افعلوا
الخير لعلكم تفلحون » (31) و الفلاح: الفوز بالثواب، «و سارعوا الى مغفرة من ربكم » (32) و
غير ذلك.

و من الروايات: رواية جابر و ابن ابي سارة و علي بن محمد:

الاولى: «اعملوا لما عند الله » (33) .

و الثانية: «لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يكون خائفا راجيا، و لا يكون خائفا راجيا
حتى يكون عاملا لما يخاف و يرجو» (34) .

و الثالثة: و فيها-بعد تكذيبه الذين يعصون و يقولون نرجو-: «من رجا شيئا عمل له، و
من خاف شيئا هرب منه » (35) .

و يدل عليه: كتاب امير المؤمنين عليه السلام لبعض ما وقفه: «هذا ما اوصى به و
قضى به في ماله عبد الله علي ابتغاء وجه الله ليولجني به الجنة و يصرفني به عن
النار و يصرف النار عني » (36) .

فلو لم تكن العبادة بهذه النية صحيحة لم يصح له ان يفعل ذلك و يلقن به غيره و يظهره
في كلامه.

و حسنة خارجة: «العباد ثلاثة: قوم عبدوا الله خوفا فتلك عبادة العبيد، و قوم
عبدوا الله طلب الثواب فتلك عبادة الاجراء، و قوم عبدوا الله حبا له فتلك
عبادة الاحرار، و هي افضل العبادة » (37) .

فان قضية التفضيل ان للاولين ايضا فضلا، بل قوله: «عبادة العبيد» و «عبادة
الاجراء» دال على الصحة، اذ لو لاها لما كانت عبادة.

و الاخبار المصرحة بان «من بلغه ثواب على عمل فعمله التماس ذلك الثواب
اوتيه » (38) .

و لو لم يكن العمل صحيحا لم يترتب عليه ثواب، و لا شك ان كل ما امر به الشارع و
منه الوضوء موعود به الثواب خصوصا او عموما، صريحا او التزاما.

و ما ورد من وعد الثواب و التحذير عن العقاب، و الوعد و الوعيد في مقابلة
الطاعات و ترك الواجبات، مثل: «من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا» (39) و:

«ما تقدموا لانفسكم » (40) و: «من يعمل مثقال ذرة » (41) و: «لئن شكرتم » (42) .

و ما ورد: ان صلاة الليل تزيد في الرزق (43) ، و الزكاة تحفظ المال (44) ، و الصدقة ترد
البلاء (45) الى غير ذلك عموما، و خصوصا كل فعل فعل من افعال الوضوء، فانها ظاهرة
في التشويق في العمل، و ليس ذلك الا بفعله لاجله، فلو كان مفسدا لكان الوعد و
الوعيد بل الامر بالمعروف و النهي عن المنكر عبثا، بل مخلا، حيث ان الوعد على فعل
بما هو من عظيم المقصود للعقلاء ثم ارادة فعله لا لاجله كانه تكليف بما لا يطاق.

و عدم دلالة بعض ما مر على صحة كل ما فعل بقصد الثواب او رفع العقاب غير ضائر، لعدم
القول بالفصل.

هذا كله، مضافا الى تعذر فهم ما هو من ذلك لاكثر الناس فضلا عن تعاطيه،
فان تخليص القصد من الثواب و العقاب و قصر النظر الى جناب الحق ليس شريعة لكل وارد،
فتكليف عامة الناس به كانه تكليف بما لا يطاق.

خلافا فيهما لجماعة منهم السيد الجليل علي بن طاووس (46) ، فقالوا بوجوب قصد
مجرد الامتثال و ما بمعناه، و بطلان العبادة بقصد نيل الثواب او الخلاص من
العقاب.

و نسبه غير واحد (47) الى المشهور، و الشهيد في قواعده (48) اسنده الى الاصحاب مؤذنا
بدعوى الوفاق عليه، و نقل الرازي في تفسيره (49) اتفاق المتكلمين عليه.

استنادا الى الخبرين الاولين، و ما يؤدي مؤداهما من وجوب كون العمل لله او
خالصا له.

و هو بعد دلالة بعض ما مر على ان العمل بالقصدين ايضا عمل خالص له لا وقع له، سيما مع
معارضته مع سائر ما تقدم، مع انه لا معنى محصل للعمل لله الا بتقدير مثل الطاعة او
الرضا او الامر او غير ذلك، و لا يتعين المقدر، فيمكن ان يكون ما يشمل الوصول
الى ثوابه او الخلاص من عقابه ايضا، فلا يعلم منافاة الخبرين لما ذكرنا.

و المراد من الثواب هو ما قرره الله اجرا للعمل دنيويا كان ام اخرويا،
لعموم كثير مما تقدم، بل ورود خصوص الدنيوي ايضا كما مر، فلا يبطل بقصد طلب
الاغراض الدنيوية التي وعدها الله سبحانه منه اذا كانت من المباحات.و اما
اذا كانت من غيرها كقتل عدو لم يستحقه، او التوصل الى محرم آخر فيصلي صلاة
الحاجة مثلا له فيبطل العمل و ان لم يعلم قطعا ترتب المحرم عليه، لان هذا العمل
يعد عصيانا عرفا، فيكون منهيا عنه، و ايضا هو اتباع للهوى و متابعة للشيطان، و
هما منهيان.

ثم المراد بالقربة اللازم قصدها هو ما يؤدي ذلك المؤدي، كالطاعة و موافقة
الارادة و نحوها، و لا يلزمه ملاحظة لفظ القربة، فان العبرة بالحقائق دون الالفاظ.

فائدة: قد استشكل جماعة (50) في وجه اشتراط النية في الطهارة عن الحدث دون الخبث، و
سبب التفرقة بينهما، حتى ارتكبوا في التوجيه تمحلات و تكلفات، و مع ذلك لم
يذكروا شيئا تاما.

و لا يخفى ان المراد بالطهارة عن الخبث ان كان ترتب الثواب عليها او
امتثال الشارع (لنيل الثواب) (51) و نحوه فلا نسلم عدم توقفها على النية بل توقفها
عليها اجماعي، مع ان الامتثال لا يتحقق عرفا الا بفعل صادر عن الممتثل بقصده
الامتثال، و ايضا الامتثال لا يتحقق الا بعمل منه و لا عمل الا بنية.

و ان كان المراد حصول الطهارة و زوال الخبث فعدم توقفها على النية مسلم.

و الاستشكال فيه ان كان في تفرقة الشارع بينهما، و سبب فرقه بايجابه النية في
الاول دون الثاني، فهو كالاستشكال في السؤال من فرقه بين صلاة الصبح و الظهر
بجعل الاولى ركعتين و الثانية اربع، و مثله لا يصدر عن فقيه.

و ان كان في تفرقة الفقهاء و اجماعهم على ذلك و كان السؤال عن مستندهم فيه، فمع
انه اجماعي، و لا يتعارف الاستشكال و السؤال عن ماخذ الاجماع بل هو بنفسه كاف
في وجه الفرق، مستنده واضح، و ذلك لدلالة الاجماع و الاخبار على كون الوضوء و
الغسل عبادة، و قد عرفت ان العبادة متوقفة على النية.

و ايضا: ما ورد في الطهارة عن الحدث كله اوامر يطلبها من المكلف، فلا يتحقق
الا بعمل منه و لا عمل الا بنية، و يجب امتثالها و لا امتثال الا بقصد، و ليس هناك
دليل شرعي دال على حصول الطهارة الحدثية من غير استناد الى فعل المكلف.

بخلاف الطهارة عن الخبث فانه و ان ورد فيها الامر بالغسل و امثاله، و لكن
الادلة متوافرة على حصولها من غير ذلك ايضا، كقولهم عليهم السلام: «كل شي ء
يراه ماء المطر فقد طهر» (52) .

و صحيحة هشام: عن السطح يبال عليه فيصيبه السماء فكيف فيصيب الثوب، قال: «لا
باس به ما اصابه من الماء اكثر منه » (53) .

و المستفيضة الواردة في «ان الارض يطهر بعضها بعضا» (54) .و في ان من وطئ العذرة و
مشى في الارض تطهر رجله (55) و ان لم يشعر بالقذارة و الطهارة و: «ان كل ما اشرقت
الشمس عليه فقد طهر» (56) الى غير ذلك.

و بعد وجود مثل تلك الادلة في الطهارة من الخبث-مضافة الى عدم القول بالفصل-و
عدمها في الحدث لا وجه للاستشكال.

فان قيل: قد ورد الامر بغسل الثوب و امثاله، و قد ذكرت عدم حصول الامتثال الا
بالنية، و لازمه ترتب العقاب على عدم الغسل و ان طهر بغيره.

قلنا: الامر بالغسل امر مقيد مشروط ببقاء النجاسة، فبعد زوالها بامر آخر يسقط
الوجوب فلا ثواب و لا عقاب.

المسالة الثالثة:

و يجب اشتمالها ايضا على قصد ما لا يتحقق من اجزاء المامور به الا بالقصد، يعني
اذا كان المامور به مركبا من اجزاء لا وجود لبعضها الا بقصده يجب قصده، كما
اذا قال: اعط درهما لاجل الكفارة، بان يكون التعليل قيدا للمامور به و جزءا له، لا
مجرد ان يكون سببا، او يقول: افعل كذا تطوعا او وجوبا، مع كون الوصفين قيدين.

و منه مثل قوله: تصدق و كفر و آت الزكاة، و توضا و اغتسل، فلا بد من قصد الصدقة و
الكفارة و الزكاة عند الاعطاء، و التوضؤ و الاغتسال عند الغسل (لتحقق الوصف
المامور به) (57) .

و الوجه في اشتراطه ظاهر، فان الاتيان بتمام المامور به، و ايجاده واجب،
و الامتثال عليه متوقف، و المفروض عدم وجود هذا الجزء الا بالقصد، فلو لم يقصده
لم يات بتمام المامور به، فلا يوافقه فلا يكون صحيحا.

و ايضا: اذا كان القيد مما لا وجود له الا بالقصد، فامر الشارع بالفعل مقيدا امر
به مع قصد القيد.

و يكفي في قصده العلم بانه هو، و لا يجب الاخطار.

و لا فرق في ذلك بين اتحاد المامور به كما مر، او تعدده و اشتراكه بين امرين،
كان يقول مع ما مر: اعط درهما تصدقا.

و يستفاد من كلامهم ان اعتبار قصده انما هو في الثاني خاصة، و لا يعتبر في
الاول.

فان كان نظرهم الى ان فيه لوحدة المامور به يكون مقصوده هو لا محالة، و يستلزم
الاتحاد لكونه مقصودا، فهو تصريح باعتبار القصد ايضا، و يرجع النزاع لفظيا، مع
ان اللزوم كليا ممنوع.

و ان كان نظرهم الى غير ذلك فلا وجه له.

فان قلت: اعتباره انما هو للتميز و هو انما يحتاج اليه مع الاشتراك.

قلنا: لا نسلم انه لذلك، بل لاجل انه جزء المامور به، فلا يتحقق تمامه بدونه.

نعم، لو ثبت التداخل في الفعل (و كفاية) (58) فعل واحد لهما بمعنى اسقاطه لهما لا
انطباقه عليهما لامتناعه، يسقط قصد الجزء المذكور، لان مرجعه الى ان الفعل بدون
القصدين مسقط له مع كل منهما، و اما التداخل بمعنى اجزاء واحد منهما عن الآخر و
اسقاطه اياه، فلا يسقط وجوب قصد القيد، اذ لا يتحقق واحد منهما بدون قصد القيد.

المسالة الرابعة:

قالوا: يجب اشتمالها على المميز ايضا اذا اشترك الفعل بين فعلين امر بهما و
لم يتميزا الا بالقصد.و زاد بعضهم: ان لم يتداخلا ايضا.

و استدلوا عليه: بانه لا يتحقق الامتثال عرفا الا به.

و بمثل قوله: «و لكل امرئ ما نوى » (59) .

و بان الصحة عبارة عن موافقة الامر، و هذا الفعل الواحد الواقع بدون قصد المميز
لو صح لكان اما موافقا للامر بهذا الفعل، او لمشاركه، او لهما معا، و الاولان
مستلزمان للترجيح بلا مرجح، مع ان المفروض عدم تميزه لاحدهما الا بالقصد، و
الثالث محال، لعدم انطباق الواحد على المتعدد، و زيد الا مع التداخل المفروض
انتفاؤه، فلا يكون موافقا لامر و هو معنى البطلان.

و يرد على الاول: منع توقف الامتثال عليه، فانه لو قال المولى لعبده:

امسح وجهك، ثم قال ايضا كذلك، و اراد بكل مسحا على حدة، و مسح العبد وجهه مرتين
لاجل اطاعة مولاه و لم يقصد في شي ء منهما انه للامر الاول او الثاني يعد ممتثلا
عرفا، و يستحق ما وعد له من الاجر، و لو مسح مرة من غير قصد احد الامرين يعد
ممتثلا لاحدهما، و هذا مما لا يرتاب فيه اصلا.

و على الثاني: بظهوره في نية التقرب و نحوه.سلمنا و لكن اذا قصد الفعل يكون ذلك له و
هو كاف، اذ (60) لم يجب عليه غيره.

و على الثالث: انه لا يخلو اما لا تكون بين الفعلين جهة مغايرة اصلا او تكون، فان
لم تكن-كمثال المسح المذكور-نختار شقا غير الشقوق المتقدمة و نقول: ان الفعل الواقع
موافق لكل واحد منهما منفردا، كما اذا قال من عنده ذراع من خشب و ذراع آخر منه
لعبده: ايتني بمساو لهذا و بمساو لذلك من النحاس، فاتى بذراع من نحاس، فهو
مطابق لكل منهما منفردا دون المجموع، و تلزمه البراءة من احدهما لا بعينه، و لا ضير
فيه اصلا، فلو قال للمكلف: صم يوما من رجب، ثم قال: صم يوما منه ايضا، و علم ان
المطلوب يومان، فلو صام يوما واحدا بقصد طاعته امتثل احد الامرين، و انطبق
الفعل على كل واحد منهما منفردا، لتساويهما من جميع الوجوه الداخلة في ذات
المامور به.و تقدم احدهما على الآخر غير مؤثر في تغاير المامور به.

و ان كانت بينهما جهة تغاير يتوقف تحققها على قصدها، فان كانت من الحيثيات
التقييدية للمامور به، اي يكون قيدا له و جزءا منه كما مر في المسالة السابقة، فلا
شك في اشتراط قصده، و لكن لا لاجل توقف حصول التميز عليه، بل لعدم تحقق تمام
المامور به بدونه كما مر، و لا يختص ذلك بصورة الاشتراك و التعدد، بل يعتبر مع
الوحدة ايضا ضرورة كما سبق.

و ان لم تكن من الحيثيات التقييدية له، فنختار الموافقة لكل منفردا، و تلزمه
البراءة من احدهما لا بعينه ايضا، سواء كانت جهة المغايرة من اسباب الامر
بان يكون سبب احد الامرين هذا و سبب الآخر ذاك، او من غاياته بان تكون غاية
احدهما شيئا و غاية الآخر آخر، او من كيفيات الامر دون المامور به كان يكون احد
الامرين على سبيل الوجوب و الآخر على الندب، او من آثار المامور به و توابعه،
كان يكون لاحدهما اثر غير ما للآخر، بشرط ان لا يكون شي ء من تلك الجهات قيدا
(للمامور به) (61) فان ذاتي المامور بهما تكون مساوية حينئذ غير مغايرة، فلا وجه
لعدم موافقة الماتي لشي ء منهما.

فاذا قال: صم يوما، ثم قال: صم يوما ايضا، فليس المامور به سوى الصوم، و ان
كان سبب احد الامرين شيئا و سبب الآخر آخر، او كان احد الطلبين حتميا و الآخر
ندبا، فلو صام يوما فلم لا ينطبق على احدهما؟ مع انه لا ينقص من المامور به شي ء.

نعم، لا ينطبق عليهما معا، لعدم انطباق الواحد على الاثنين، و لعدم حصول التكرر
الذي هو ايضا مامور به.

فان قلت: اذا كانت المغايرة حينئذ باعتبار الآثار و التوابع، فاي اثر
يترتب على الفعل الواحد الذي اتى به؟ كما اذا كان احدهما وجوبيا و الآخر ندبيا،
فاتى بواحد من غير تميز بين الوجوب و الندب، فكيف يمكن القول بالبراءة من
احدهما لا بعينه؟ مع ان احدهما اقل ثوابا، و تركه مستلزم للعقاب دون الآخر، فان
اثبت له العقاب و الثواب الاقل فقد اطبقته على الوجوب، و ان قلت: انه غير معاقب،
و له الثواب الاكثر، فقد اطبقته على الندب، و كلاهما ترجيح بلا مرجح، و ان اطبقته
عليهما فقد اطبقت الواحد على الاثنين و ان لم تطبقه على شي ء منهما
عترفت بالبطلان، فما فائدة الانطباق على كل منفردا؟

و كذا لو نذر من عليه غسل واجب-كالجنابة-ان يرتمس في الماء زائدا على الغسل
فارتمس مرة، فان قلت: انه بري ء من النذر، او طهر من الجنابة، ارتكبت الترجيح
بلا مرجح، و ان قلت: حصل الامران، اطبقت الواحد على الاثنين، و ان قلت: لم يحصل شي ء
منهما، حكمت بالبطلان.

قلنا: لا نسلم ان عدم الحكم بحصول شي ء من الامرين حكم بالبطلان، فان الصحة في
العبادات هي موافقة المامور به، و هي حاصلة قطعا، و لا يلزم من عدم تعين ما
يستتبعه خروجه عن موافقة المامور به، او خروج الصحة عن كونه موافقة المامور
به، فان الصحة امر و تعين ما يستتبعه (او نفس الاستتباع) (62) امر آخر، و الاول
يتحقق بالموافقة، و الثاني اما بقصد المستتبع اولا نظرا الى مثل قوله عليه
السلام: «لكل امرئ ما نوى » و: «انما الاعمال بالنيات » او بالاتيان بالفعلين
معا، و لا يلزم من عدم قصد المعين اولا البطلان و ان لزم عدم ترتب التوابع.

و تظهر الثمرة فيما لو فعل الآخر ايضا بلا قصد، فعلى البطلان لا يترتب عليهما شي ء
من التوابع، و على ما ذكرنا يترتب التابعان، و ذلك كما اذا استسلف زيد من
كل من عمرو و بكر غنما، و رهن كل منهما متاعا عنده لما استسلف، فوكلا خالدا في
اعطاء الغنم بعد حلول الاجل، فاعطى غنما بلا قصد تعيين انه من عمرو او بكر، فانه
لا يترتب عليه فك رهانة احدهما و لا يستتبع اثرا، بل هو موقوف اما على القصد
اولا، او اعطاء الغنم الآخر ايضا.و كذا اذا فعل المامور احد الفعلين مع قصد
المعين و نسيه، فانه لا يحكم بالبطلان و لا يترتب شي ء من آثار احدهما، كمن عليه
صوم نذر و كفارة فصام يوما بقصد معين و نسيه، فيحكم بمقتضى الاصل بعدم سقوط شي ء
منهما، مع ان صومه صحيح.

و القول بانه سقط احدهما واقعا، و لكن لم يسقط ظاهرا، للاصل، كلام خال عن التحقيق،
اذ لا واقع في حق المكلف الا حكمه الظاهري كما بينا في الاصول.

نعم، لو كان عدم استتباع الفعل للتوابع مستندا الى عدم موافقة المامور به،
لكان مستلزما للبطلان، و اما مطلقا و لو لمانع فلا.

هذا، مع انه يمكن ان يقال: انه كما تحصل البراءة عن احدهما لا بعينه، كذلك
يستتبع توابع احدهما لا بعينه بمعنى التخيير، فان كان التابع مما يستند الى
المكلف الآمر كاعطاء الثواب و نحوه فالتخيير له، و ان كان مما يستند الى
المامور كحصول التطهر له، او الوفاء بالنذر و نحوه، فالتخيير له، بمعنى ان له
ان يجعله من ايهما شاء، فان الفعل اذا انصرف الى احدهما بتعيينه المقارن للفعل
يمكن الانصراف اليه بتعيينه المتاخر، فان مثل قوله: «لكل امرئ ما نوى » يشمل
ظاهرا مثل ذلك ايضا و ان كان الظاهر منه النية المقارنة، فتامل.

و ظهر من ذلك عدم وجوب قصد المميز في تحقق صحة الفعل للاصل، الا اذا كان المميز
قيدا للمامور به و جزءا له فيجب، لما مر، الا مع ثبوت التداخل بالمعنى المذكور.

و لكن ها هنا امرا آخر و هو ان كما انه يجب الاتيان بالفعل الصحيح يجب تحصيل
البراءة و الاجزاء عن المامور به ايضا، و لا يمكن حصول البراءة و الاجزاء عن
واحد لا بعينه مع تعدد المامور به و اختلاف آثارهما او غايتهما، اذ لا معنى
للبراءة و الاجزاء عن شي ء له آثار و توابع الا حصولها و ترتبها، و لا يتاتى
ذلك في واحد لا بعينه من الامرين المختلفين في الآثار، فيجب تعيين كل منهما
تحصيلا للبراءة عنه و الاجزاء، و لكن لثبوت التداخل بالمعنى المذكور في الوضوء
بل الاغسال لا يجري ذلك فيهما، مع عدم التعدد في الوضوء المامور به في حالة
ابدا، لانه انما كان لو وقع الامر باحداث الوضوء لهذا و لذاك و هكذا، و ليس كذلك،
بل لم يثبت الا مطلوبية كونه متطهرا عند هذا و ذاك ندبا او وجوبا، و انما يجري
في الصلاة و نحوها، و سياتي تحقيق ذلك في بحث نية الصلاة.

المسالة الخامسة:

لا يشترط في نية الوضوء قصد الوجه، وفاقا لكل من لم يشترط سوى القربة، كما عن المفيد (63) ،
و البصروي (64) و التستري (65) ، و النهاية (66) ، و المحقق في بعض رسائله، و بعض من اشترط
، و المبسوط (68) ، و المعتبر (69) و هو مختار اكثر المتاخرين.

للاصل السالم عن المعارض، المؤيد بامرهم عليهم السلام بجميع انواع الوضوء من
الواجب و المندوب بطريق واحد من غير تعرض للوجوب و الندب.

و خلافا للحلبي، و الحلي، و القاضي (70) ، و الراوندي (71) ، و ابني زهرة و حمزة (72) ، و الفاضل (73) ،
و الكركي، و الجامع، و الشرائع، و الذكرى (74) ، فاوجبوه وصفا او غاية. لاستصحاب
الحدث الى تحقق الرافع اليقيني.

و لوجوب الامتثال المتوقف على ايقاع الفعل على وجهه، و هو لا يتم الا بنية الوجه.

و لان الوضوء تارة يقع على وجه الوجوب، و اخرى على الندب، فحيث كان احد الامرين
مطلوبا اشترط تشخيصه لتحصيل الامتثال، و ليتحقق الموافقة للمامور به.

و القول بانه في وقت العبادة الواجبة المشروطة به لا يكون الا واجبا و بدونه
مندوب، فيكون متعينا ابدا، مردود بانه لا شك في وقوع الامر الاستحبابي به لبعض
الغايات و الوجوبي لآخر، و لا يرتفع الاول حال الثاني، فلا بد من التعيين كما
في الصلاتين: الواجبة و المندوبة، و الغسلين.

و الجواب عن الاول: انه لم يثبت في حق من صدر عنه احد الموجبات الا وجوب
اتيانه بالافعال المعهودة التي هي الوضوء شرعا او استحبابه، فان اريد
بالحدث كونه بحيث يجب عليه هذه الافعال للمشروط بالوضوء، فالاتيان بها يكون
مزيلا للاستصحاب يقينا، و ان اريد غير ذلك فلا نسلم ثبوته.

و الحاصل: ان حدوث حالة لمن عليه الوضوء سوى كونه يجب او يستحب عليه الاتيان
بالافعال المقررة غير ثابت من دليل حتى يستصحب.

سلمناه و لكن الوضوء الشرعي رافع له بالاجماع بل الاخبار، و هو ما ثبت كونه
وضوءا بدليل شرعي.

و المستفيضة الحاكية لوضوء رسول الله صلى الله عليه و آله (75) .

و نحو رواية زرارة: عن الوضوء الذي افترضه الله على العباد لمن جاء من الغائط
او بال، قال: «يغسل ذكره و يتوضا مرتين مرتين » (76) .

و رواية ابن فرقد بعد السؤال عن حد الوضوء، قال: «تغسل وجهك و يديك و تمسح راسك و
رجليك » (77) -مضافة الى الاصل-دالة على كون هذه الافعال وضوءا، غاية الامر ثبوت
لزوم قصده مع القربة من الخارج ايضا، فتكون هي معه رافعة، ضرورة تحقق اللازم مع
الملزوم.

و عن الثاني: بمنع توقف الامتثال على ما ذكر و ان هو الا مصادرة.

و عن الثالث: ان الامتثال انما يحصل بالموافقة للمامور به التي هي معنى الصحة،
و معنى المطابقة ان يكون الماتي به باجزائه و شرائطه، موافقا للمامور به كذلك،
بمعنى ان ما اتي به لو طوبق مع ما امر به لم ينقص منه شي ء، فاذا كان الماتي به
كذلك يكون صحيحا، و الآتي به ممتثلا، و لا يحتاج الى شي ء آخر.

و على هذا، فيكون فرق بين قول الشارع: توضا وجوبا او ندبا، و قوله:

يجب او يستحب التوضؤ، فالمامور به في الاول هو افعال الوضوء بزيادة
الوجوبية او الندبية، و في الثاني افعال الوضوء مجردة عن غيرها، غاية الامر ان
امره بها ايجابي او ندبي، فان كان (الحال في الوضوء) (78) الايجابي و الندبي من
قبيل الاول فلا شك في وجوب نية الوجه، كما مر في المسالة السابقة، و ان كان من
الثاني لا تجب، لعدم دخوله في المامور به، فالماتي به موافق لكل من الامرين
منفردا، موجب للبراءة من احدهما لا بعينه.

ثم لما كان الامر في الوضوء من قبيل الثاني، اذ لم يرد الا انه يستحب الكون
على الوضوء حال كذا، و يجب حال كذا، و لم يرد انه توضا تطوعا لكذا و وجوبا لكذا،
لم يلزم في صحته قصد الوجه، بل و لا في ترتب الآثار الوجوبية او الندبية، حيث ثبت
فيه التداخل، و ترتب جميع الآثار على وضوء واحد.

المسالة السادسة:

لا تشترط فيه نية الاستباحة او الرفع، وفاقا لمن ذكر في المسالة السابقة من
المكتفين بالقربة، و للشرائع، لما ذكره.

و خلافا للسيد (79) ، فاوجب الاول.

و للمبسوط و السرائر و الجامع و المعتبر و الذكرى، و الفاضل، و الكركي، فاحدهما.

و للحلبي و القاضي و الراوندي و ابني زهرة و حمزة (80) ، فالامران معا.

احتج الاول: بالاستصحاب.و جوابه مر.

و بمثل قوله عليه السلام: «لكل امرئ ما نوى » .

و يضعف بانه يدل على ان ما نوى له، لا على ان ما لم ينو ليس له اذا كان مما لم
يثبت توقف تحققه على النية.

و بقوله سبحانه: «اذا قمتم الى الصلاة » (81) الآية.

قيل (82) : وجه الدلالة ان المفهوم منه وجوب ايقاع الوضوء لاجل الصلاة، فيكون التعليل
قيدا للمامور، فلا يتم الا بايجاده، و هو ليس الا بقصده.

و فيه: انه انما يصح لو كان التعليل متعلقا بالايقاع، و اما اذا كان متعلقا
بالوجوب فلا، فان اريد ان المفهوم من الآية الاول فممنوع، و ان اريد ان
المفهوم منها الثاني او احدهما لا يفيد.

و من هذا يظهر فساد ما قيل-في دفع ايراد من اورد ان وجوب الوضوء للصلاة لا
يستلزم وجوب قصد التعليل-من انه اي فرق بين كون الفعل للصلاة و كونه لله او لاجل
ان الله امرني او لاجل اني مطيع له و نحوها؟ حيث لا يوجب الاول قصد التعليل، و
البواقي توجبه (83) .

فانا لا نقول بالفرق بين وجوب كون الفعل للصلاة و بين وجوب كونه لله و نحوه، بل
نقول بالفرق بين قوله: اذا قمتم للصلاة فافعلوا و بين وجوب كونه لله، او قوله:
اعملو لله، او يجب ان يكون العمل خالصا لله، فان الاول يحتمل علية الصلاة للوجوب
دون البواقي.بل فرق بين قوله: يجب ايقاع الفعل لاجل الصلاة و بين ما ذكر،
لاحتمال كون التعليل علة للايجاب دون البواقي، فانه لا يحتمل ان يكون مراده ان
الله علة للايجاب، او اطاعة امره علة له.

قيل: لو قال المولى لعبده: اعط الحاجب درهما لياذن لك، فاعطاه لا لاجل ذلك، بل
لغرض آخر، لم يكن ممتثلا و لا آتيا بما امره به مولاه، اذ الامتثال العرفي لا
يتحقق الا بقصد ما هو مطلوب الآمر، و ان ارتكابه لاجل ان الآمر امره لا لغيره، و لو
اتى به لا لامره لا يمتثل البتة (84) .

قلنا: لا شك انه لو اعطى لا لاجل ان مولاه امره، لم يكن ممتثلا، و ليس الكلام فيه،
بل فيما اذا اعطى لاجل انه امره مولاه من غير قصد انه لاجل الاذن بل ذاهلا عنه.

و لا نسلم عدم الامتثال حينئذ، بل هو ممتثل آت بما امره به مولاه الا اذا علم
يقينا انه اراد الاعطاء بقصد الاذن.

و المناسب للمقام ما اذا قال المولى اعطه درهما لياذن لك، و درهما ليحفظ
دابتك، فاعطى الدرهمين لاجل امر المولى من غير قصد العلتين، اما للذهول و
الغفلة او لنسيان العلة، فانه يعد ممتثلا قطعا، و لو اعطى درهما من غير قصد، امتثل
احد الامرين، مع انه فرق بين قوله: اعطه لياذن لك، و اذا اردت الاذن فاعطه
درهما، و ما نحن فيه من الثاني.

قيل: فرق بين ان يقول: لا بد من الوضوء حال الصلاة، و ان يقول: اذا قمت الى الصلاة
فتوضا، و لذا يفيد الثاني التكرار بتكرار الصلاة دون الاول (85) .

قلنا: الفرق بينهما من الجهة التي كلامنا فيها ممنوع جدا، و اما افادة الثاني
للتكرار فلاجل دلالة الفعل على التجدد، و لذا لو قال: لا بد ان يتوضا حين الصلاة،
يفيده، بل و كذا لا بد من الوضوء اذا اخذ بالمعنى المصدري.

و استدل الثاني بما مر ايضا بضميمة اتحاد مآل الاستباحة و رفع الحدث.

و احتج الثالث-بعد دعوى تغايرهما، لانفكاك كل منهما عن الآخر في التيمم و وضوء
الحائض (86) -بشرعية الوضوء لاجل الامرين، فيجب قصدهما كما مر.و جوابهما ظهر.

و اعلم ان التخصيص بالرفع و الاستباحة، لان الكلام في الوضوء للصلاة، و يعلم منه
الحال في الغايات الاخر.

المسالة السابعة:

قد ظهر من وجوب نية القربة، و عدم حصول الامتثال بدونها، انه لو نوى غيرها منفردا
بطل العمل.

و لو ضمه معها، فلو كان رياء-و هو العمل بمراى لاراءته لا لغرض شرعي، و منه السمعة، و
هو العمل بمسمع احد لاسماعه كذلك-بطل مطلقا سواء كل منهما مقصودا ذاتا او
كلاهما معا، او احدهما خاصة و قصد الآخر بالعرض، بالاجماع من غير السيد (87) الغير
القادح في تحققه، و هو الحجة.

مضافا الى خبري علي بن سالم و عقبة المتقدمين (88) الدالين على عدم قبول ما لم
يكن خالصا لله، و الرياء بجميع اقسامه ينافيه، مع تصريح الاول بعدم قبول ما
اشرك فيه غير الله معه، و في رواية ابن عيينة السالفة (89) ما يصرح بذلك ايضا.

و الى النهي عن الرياء كله اجماعا و كتابا و سنة:

اثبت الله سبحانه في كتابه الكريم الويل للذين يراؤون (90) و قال ايضا في مقام
الذم: «يراؤون الناس » (91) .

و في الخبر: «كل رياء شرك » (92) .

و في آخر: «اياك و الرياء، فانه من عمل لغير الله و كله الله الى من عمل له » (93) .

و في ثالث: «اعملو لله في غير رياء و سمعة » (94) .

و في رواية داود: «من اظهر للناس ما يحب الله و بارز الله بما كرهه لقى الله و هو
ماقت له » (95) .

و لا شك ان المرائي جامع للوصفين، اذ نفس الاظهار للناس من غير غرض صحيح مما يكرهه
الله.

و في صحيحة زرارة: عن الرجل يعمل الشي ء من الخير فيراه انسان فيسره ذلك، فقال:
«لا باس، ما من احد الا و هو يحب ان يظهر الله له في الناس الخير اذا لم يكن صنع
ذلك لذلك » (96) .

دل بمفهوم الشرط على ثبوت الباس-الذي هو العذاب-اذا صنع ذلك لذلك.

هذا، مع ان العمل رياء باقسامه متابعة للهوى، و هو منهي عنه في الكتاب و السنة، و
النهي في العبادة يوجب الفساد.

و منه يظهر البطلان مطلقا لو كانت الضميمة محرما آخر غير الرياء.

و لا فرق فيها (97) بين ما اذا كان الضم في تمام العبادة او جزئها الواجب او
وصفها اللازم، و بالجملة كل ما يبطل العمل بانتفائه.

و كذا بين ما اذا كان في ماهية التمام او الجزء او الوصف، او في احد
افراد واحد منها الذي يوجد به المامور به، لعدم اجتماع الوجوب و الحرمة في
واحد شخصي و لو من جهتين بينهما عموم و خصوص مطلقان او من وجه.

فيبطل الوضوء لو توضا بالماء البارد، و الصلاه لو صلى في المسجد، رياء او بقصد
محرم آخر، اي: اذا كان كونه في المسجد كذا و ان لم يكن في نفس صلاته رياء، لان
الكون جزء الصلاة، كما في الصلاة في الدار المغصوبة.او صلى في اول الوقت رياء، لان
هذه الصلاة احد افراد المخير، فيتعلق به النهي، و محل الرياء هو الصلاة في اول
الوقت.

و كذا لو قرا سورة معينة رياء، او احسن القراءة، او اجهر فيها، او تانى فيها،
او صلى جماعة لذلك.

و بالجملة: كل ما يتادى به الواجب تبطل الصلاة بقصد الرياء، او محرم آخر فيه.

و اما في غير ذلك فلا و لو كان وصفا قائما بواجب، لعدم تعلق النهي عن الوصف
بموصوفه، فلا يبطل الوضوء بالرياء في الاستقبال فيه، و لا الغسل بالرياء في
الخروج من الماء في الارتماس، و لا الصلاة بالرياء في التخشع فيه، كاطراق الراس،
و غمض العين، و ضم اليدين الى الفخذين، و مد العنق في الركوع، و التطويل في
السجود بعد التقرب في القدر الواجب، و نحو ذلك.

خلافا للسيد (98) ، فلم يبطل العمل بقصد الرياء مطلقا و ان قال بعدم استحقاقه الثواب،
و هو مبني على اصله من عدم توقف الاجزاء على القبول، و رده في الاصول.

و قوى ما ذكره بعض متاخري المتاخرين، فقال: الواجب امران: فعل المامور به، و
الاخلاص في نيته، و لا يوجب الاخلال بالاخير الاخلال بالاول و ان اوجب
الاثم (99) .

و لا يخفى ان ما ذكره انما كان صحيحا لو كان المامور به هو قصد التقرب و الخلوص،
و المنهي عنه هو ارادة اراءة الناس دون العمل المرائى فيه.و ليس كذلك، بل المامور
به-كما هو مدلول الاخبار السابقة-العمل الخالص و العمل لله، فما لم يكن كذلك لم
يكن مامورا به، و المنهي عنه هو العمل لغير الله، و هو الذي اثبت فيه الباس في
رواية زرارة (100) ، و فيه متابعة الهوى.

مع انه قد صرح فيما مر بعدم قبول ما اشرك فيه غير الله، و ما لم يكن خالصا، و
لازمه عدم كونه مامورا به فيفسد قطعا.

و ايضا: لا بد في صحة العمل من كونه بحيث يصدق معه الامتثال، و هو لا يتحقق الا بما
فعل بقصد الاطاعة.

و لو كانت الضميمة غير الرياء او محرم آخر، كالتبرد، او التسخن، او نحوهما،
ففيها اقوال:

الصحة مطلقا، اختاره في المعتبر و الشرائع (101) ، و عن المبسوط و الجامع (102) .

و قيل: الظاهر انه المشهور (103) .

و البطلان كذلك، حكي عن ظاهر نهاية الاحكام (104) و الايضاح و البيان و الروض و
شرح الارشاد للاردبيلي (105) .

و التفصيل بالصحة مع رجحانها، و البطلان بدونه، و قد تزاد فيه ملاحظة الرجحان
ايضا.

و بها (106) ان كانت القربة الباعث الاصلي، و عرض قصد الضميمة، و البطلان في غيره،
احتمله الشهيد في قواعده و الذكرى (107) ، و اختاره والدي العلامة -رحمه الله-مع
التخصيص بغير الراجح، و اما معه فالصحة مطلقا، و ادعى عليها الاجماع تبعا لجمع
آخر (108) منهم صاحب المدارك (109) .

و التحقيق فيها: ان متعلق الضميمة اما نفس مهية المامور به من العبادة او
جزؤها او شرطها او وصفها المطلوبة، او خصوصياتها و اوصافها الغير اللازمة.

فان كان الاول (110) ، فان كانت الضميمة مقصودة بالذات، اي باعثا اصليا فالحق
البطلان مطلقا، سواء كانت القربة ايضا كذلك، بان يكون كل منهما سببا مستقلا او
يكونا معا كذلك حتى يكون كل منهما جزء السبب، او لم تكن القربة كذلك.

اما الاول: فلعدم انصراف الفعل الى القربة، لعدم المرجح.

و اما الثاني (111) : فلذلك ايضا، لان جزء السبب لا يعد سببا، و الفعل للمركب ليس
فعلا لكل جزء، مع ان الفعل فيهما لا يستند الى القربة عرفا.

و اما الثاني (112) فظاهر.

هذا اذا لم تكن الضميمة راجحة، و اما مع رجحانها فان (113) امكن الاستناد الى
القربة، و لكن لا يتحقق امتثال هذا الامر في هذه الصورة عرفا، بل لا دليل على
موافقته لهذا المامور به، فلو صام و كان باعثه الحمية و النذر معا او كل
منهما منفردا، فلا دليل على انه لامتثال الامر بالصوم دون الامر بالحمية، فلا
يصح بل يبطل الا مع ثبوت التداخل فيصح.

و ان لم تكن الضميمة مقصودة ذاتا، بل عرض قصدها تبعا بحيث لو لاها لفعل و لو
انحصر المقصود بها لم يفعل، فمع الرجحان لا اشكال في الصحة، لعدم المنافاة للقربة
و صدق الامتثال في العرف و العادة و وجود المرجح للموافقة، و بدونه ففيه اشكال،
ينشا من تصريح الاخبار بعدم قبول العمل الغير الخالص، و عدم خلوص مثل ذلك لغة و
عرفا، و من تفسير العمل الخالص في خبر ابن عيينة بما لا يريد فيه حمد غير الله،
فيختص بالخالي عن الرياء، و في بعض الصحاح ما يشعر بانه ما ليس فيه شي ء من عبادة
الاوثان (114) ، و المفروض كذلك.و الثاني اقوى، و الاول احوط.

و ان كان الثاني (115) ، فلا يبطل اصلا و لو كانت الضميمة مستقلة، كان ينوي التبرد
من اختيار الماء البارد في التوضؤ، لا ان يتوضا لذلك، او التسخن لاختيار
الحار، و الاستسخان من الصلاة في موضع حار اذا كان الباعث على اصل الوضوء و
الصلاة هو القربة.

و الحاصل: انه اذا (116) لم يضم (117) مع القربة في الاتيان باصل الواجب-الذي هو
المطلق-شي ء، لا يضر قصد آخر في التعينات و التشخصات و الخصوصيات اصلا.

و الظاهر انه اجماع بل ضرورة، فهما الحجتان فيه.

مضافا الى الاصل، و الى ان الترجيح بلا مرجح باطل، فلا بد في تعيين احد الامكنة
او الازمنة او اللباس او المياه من مرجح، و لا يجب ان يكون المرجح امرا راجحا
شرعا ضرورة، بل قد لا يتحقق غالبا، بل يصح مع المرجوحية الاضافية ايضا كالصلاة في
الحمام.

و الى ان الخصوصية امر وراء المطلق الذي هو المامور به و ان اتحدت معه في
الوجود، فيكون هذا الفعل متعلقا للقربة من حيث المهية، و للضميمة من حيث الخصوصية،
فاختلاف الحيثيتين اوجب تعلق القصدين، فهذا متقرب به من حيث انه كون
للصلاة-مثلا-و مسخن منه من حيث انه الكون في الشمس.

و لا يقاس ذلك بالصلاة في الدار المغصوبة و نحوها، لان الوجوب و الحرمة و سائر
الاحكام الخمسة امور متضادة لا يجتمع اثنان منها في محل الا بحيثيتين
تقييديتين، بخلاف التقرب و التسخن مثلا، فانهما ليسا من المتضادين، و لذا
يبطل فيما كان من هذا القبيل اذا كانت الضميمة محرمة مطلقا.

فروع


: ا: لو لم يقصد الرياء ذاتا و لا عرضا، و لكن سره اذا رآه انسان او سمعه لم يضر،
لعدم صدق الرياء عليه، و قد صرح به في صحيحة زرارة المتقدمة (118) .

ب: لو اتى ببعض الاجزاء المستحبة كالقنوت في الصلاة، و المضمضة او الغسلة
الثانية في الوضوء و نحو ذلك رياء يبطل المستحب قطعا، و لكن لا يبطل الصلاة و
الوضوء لاجل ذلك.

نعم، قد يبطل المسح ببطلان التثنية او تكون لمعة من الموضع جافا لم تغسل من
الاولى فيبطل الوضوء لاجله، كما ان قد تبطل الصلاة ببطلان القنوت من جهة الفصل (119)
الكثير لو وصل اليه، او من جهة التكلم بالمحرم.و قيل: من جهة عدم اتصال نية
الصلاة (120) .و فيه نظر.

ج: سياتي ان حقيقة النية هي الداعي المحرك دون المخطر بالبال، فربما كان الباعث
غير امتثال امر الله و يخطر بباله القربة مع العلم بانها ليست الباعث او
للغفلة او الجهل به، و العبادة حينئذ باطلة، سيما في الاخيرة «قل هل ننبئكم
بالاخسرين اعمالا» (121) الآية.و ربما يكون الامر بالعكس، فلا باعث له على العمل الا
وجه الله، و لكن يشكك و تخطر بباله خطرات من غير ان تكون لها مدخلية في التاثير،
و عبادته حينئذ صحيحة.و لو شك في الباعث و المحرك لم يصح العمل، للزوم العلم
بالانبعاث من القربة.

د: لو طرا الرياء في اثناء العبادة يفسد و لو في آخرها اذا كانت مرتبطة
الاجزاء.

نعم، لو حصل بعد الفراغ لم يضر فيها و ان استفيد من الاخبار حبطها لو اظهرها.

المسالة الثامنة:

المعتبر في النية هي الداعية الى الفعل المحركة للانسان اليه، اللازمة لفعل كل عاقل
مختار، دون الصورة المخطرة بالبال.

و لتوضيح الفرق بينهما و تحقيق الحال في المعتبر منهما نقول: ان من يسافر الى
الكوفة لتحصيل نفع، لا بد له ان يتصور اولا الكوفة، و النفع، و حصوله فيها، و توقفه
على المسافرة اليها، و المسافرة، فاذا حصلت تلك التصورات، تحصل للنفس حالة
تبعث الاعضاء و الجوارح على المسافرة اليها.و هذه الحالة هي المعبر عنها
بالداعي و الباعث، و هي قد تحصل للنفس من غير التفاتها اليها و الى انها
الباعثة، و قد يكون ملتفتا اليها، فيتصور و ينتقش في باله ان يسافر الى الكوفة
لاجل النفع، و ذلك الالتفات و التصوير هو الاخطار.

ثم الحالة الداعية اذا حصلت للنفس تبقى فيها الى الفراغ عن العمل، و تبعث
الجوارح على كل جزء من اجزائه التدريجية، او الى قصده ترك العمل، اي قصد المنافي، و
لكن قد تبقى معها التصورات المذكورة، و قد لا يبقى منها معها شي ء، كما ان الخارج
الى الكوفة قد يشتغل قلبه حين الذهاب بامور شاغلة له، بحيث يذهل عن نفسه فضلا عن
الكوفة و السفر اليها و تحصيل النفع فيها، و مع ذلك هو في الحركة و الذهاب، و
المحرك هو هذه الحالة المخزونة في النفس و ان كان ذاهلا عنها، بل الغالب في افعال
الناس ذلك.

الا ترى انه اذا كنت جالسا و دخل عليك من يستحق التواضع تقوم له حين دخوله
عليك من غير ان تتصور و تلتفت في بالك اني اقوم تواضعا لفلان لاستحقاقه ذلك.

ثم الاولى و هي الحالة مع بقاء التصورات تسمى بالنية الفعلية، و الثانية هي النية
الحكمية، و هي ترتفع اما بتمام العمل، او بقصد منافيه، و هي كافية في وقوع الفعل
بالنية، و لذا يعد المسافر قاصدا في كل جزء من حركته ذهابا و ايابا، و لا يقال:
انه متحرك بلا نية و قصد، و ان لم يلتفت في كل جزء الى الذهاب و المقصد، و لا يعد تواضعك
خاليا عن القصد و النية، و يترتب عليه ثوابه، بل لو تكلف الالتفات و تخيل ذلك
يستقبحه كل احد اطلع عليه. و من هذا ظهر وجه ما ذكرنا من اعتبار مجرد الداعي و
كفايته الذي هو تلك الحالة، اذ لا يثبت من ادلة وجوب نية القربة في العبادات
سواها، لصدق النية معها، و تحقق الامتثال عرفا، و عدم الدليل على الزائد، فينفى
بالاصل.

نعم، لما كان يتوقف حصولها ابتداء على التصورات المتقدمة، فلو لم يخطر بالبال
اولا الكوفة و النفع و السفر، او الشخص الوارد و التواضع، لما امكن انبعاث
الاعضاء و الجوارح الى السفر و القيام، فلا بد من النية الفعلية في ابتداء
العمل لتحصيل تلك الحالة-اي النية الحكمية-و ان لم يتوقف بقاؤها عليها، فلا يضر
عزوب التصورات بعده، لبقاء الحالة بدونها.

و هذا هو الباعث على اتفاقهم على اشتراط النية الفعلية في الابتداء و الاكتفاء
بالحكمية بعدها، فانه لو لا الفعلية ابتداء لما حصلت الحكمية ايضا بخلاف الاثناء،
فان الفعلية الابتدائية كافية في حصول الحكمية و بقائها الى الانتهاء او قصد
المنافي.

و مما ذكرنا ظهر معنى الاستدامة الحكمية المشروطة في العبادات، و وجه اشتراطها
في جميع اجزائها، فانها لو تخلفت عن جزء صدر بلا نية.و معنى النية الفعلية المشروطة في
اول اجزائه، و وجه اشتراطها فيه، فانه لما كان حصول الحكمية موقوفا عليها و
امتنع تحققها بدون سبقها، فلو تاخر جزء عنها لصدر بلا نية فيبطل، و ببطلانه يبطل
العمل، و ليس اشتراطها لاجل انها النية خاصة.

و ظهر من جميع ما ذكر ان ها هنا امورا ثلاثة: التصورات المذكورة و هي النية
بمعنى الاخطار، اذ ليس هو الا خطور الفعل و انه يفعله لماذا، و التصورات
المقارنة مع الحالة الباعثة للنفس على الاشتغال و هي النية الفعلية، و الحالة
المذكورة مع عدم الالتفات و هي النية الحكمية، و هي لازمة البقاء بعد حصول الفعلية و
عدم الانتقال الى مخالفها كما ياتي.و على هذا فمرجع الاستدامة الحكمية الى عدم
الانتقال من الفعلية الى نية مخالفها.

و هذا المعنى لها هو الذي ذكره الاكثر و حكي عنهم، كما عن المبسوط و الشرائع و
المنتهى و الجامع و التذكرة و نهاية الاحكام (122) ، و نسبه الشهيد الى الاكثر (123) .

بل-كما قيل (124) -يرجع اليه ما عن الغنية و السرائر (125) من انها ان يكون ذاكرا للفعل
غير فاعل لنية مخالفها، بجعل قولهم غير فاعل مفسرا لسابقه.

و قد يجعل هذا المعنى مغايرا لسابقه و يجعل مجموع الفقرتين تفسيرا لها.

و لا يخفى انه على هذا يكون عين النية الفعلية، لانها ايضا ليست شيئا سوى التذكر
للامور المذكورة مع الحالة المحركة اللازمة على كل تقدير، و قد عرفت عدم دليل على
لزومها في تمام الاجزاء، بل هي ليست معتبرة في نفسه في جزء من الاجزاء و ان
اعتبرت لاجل حصول الحكمية، الا ان يكون المراد التذكر للفعل فقط، دون سائر
التصورات من انه يفعله و لما ذا يفعله، و ذلك ايضا لا دليل على اعتباره اصلا.

و قد يقال في توجيه وجوبه (126) : انه كما تجب النية في اول الفعل تجب في كل جزء منه
ايضا، و لما كانت النية عندهم هو الاخطار او الفعلية، و يتعذر اعتبارها في جميع
الفعل اذ ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه (127) يتوجه باحدهما الى الاخطار و
بالآخر الى احداث الاجزاء و الحركات و السكنات، فلا بد من الاكتفاء بمجرد
التذكر، اذ «ما لا يدرك كله لا يترك كله » (128) بل ذلك هو الوجه في اعتبار الحكمية
بالتفسير الاول ايضا.

نعم، من لم يجعل النية هي الاخطار او الفعلية، بل اكتفى بمجرد الداعي، كما هو
مقتضى الادلة، اعتبرها بنفسها في تمام العمل لامكانها، و لا صارف عنها يوجب
المصير الى الحكمية باحد المعنيين.

و فيه: ان الحكمية بمعنى كونه ذاكرا للفعل لا تتحقق ايضا الا بعد قلبين، يتذكر
باحدهما الفعل، لان التذكر ايضا من فعل القلب، و لا يتفاوت في ذلك تذكر الفعل
خاصة او مع غيره.

نعم، يصلح ذلك توجيها لاعتبارها بالمعنى الاول (129) ، لانه لا يحتاج الى تذكر، و
لكنه ليس امرا غير الداعي و المحرك المخزون في النفس و ان لم يلتفت اليه، اذ مجرد
عدم الانتقال من غير كون الداعي لا يؤثر في الفعل اصلا، و على هذا فلا يحتاج في
وجه اعتباره الى ذلك التكلف الركيك، بل هو عين النية الثابتة بالادلة، و لذا
ترى العامل يقال: انه عامل بالقصد اذا نواه اولا و ان ذهل في الاثناء اذا كان
مشتغلا غير منتقل بنيته هذا.

ثم انه بقي ها هنا شي ء، و هو ان الثابت مما ذكر وجوب عدم تاخر الفعلية عن اول جزء
من العمل، و اما لزوم عدم تقدمها عليه فلم يثبت، فانه قد تحصل النية الفعلية قبل
العمل ثم تبقى الحالة التي هي الحكمية حتى تقارن اول الجزء، و على ما ذكر يجب ان
يكون العمل حينئذ صحيحا مع ان الاكثر صرحوا بوجوب مقارنة الفعلية التي يعبرون
عنها بالنية لاول جزء.

اقول: هذا المقام هو محل غرور جماعة من المتاخرين، حتى قال بعضهم:

بسقوط البحث عن كلفة المقارنة، و تقديمها في الوضوء عند غسل اليدين (130) .

و آخر: بانه لا ادري ما الباعث للتفرقة بين اول الجزء و الاثناء مع تساوي
الاجزاء فيما يشترط به من نحو النية (131) .و طعن ثالث (132) باكثر الفقهاء الذين
يبحثون عن اول وقت النية و بمن يحصرها بين حاصرين (133) .و رابع: بان اشتراط
المقارنة انما هو على مذاق الموجبين للاخطار على ما هو الحري بالاعتبار (134) .

و نحن نقول لحسم مادة الاشكال: انه مما لا شك فيه ان حصول تلك الحالة
الداعية-التي تسمى مع عدم الالتفات اليها بالنية الحكمية-موقوف على التصورات
المذكورة، و بقاءها على الاشتغال بالعمل نفسه او بمقدماته، و لا يمكن بقاؤها بدون
ذلك، فلو لم يشتغل بشي ء منها و لم يحضر التصورات لم يمكن بقاء الحالة، و لذا ترى
ان من تصور زيدا في يوم و تصور بيته و لقاءه و الذهاب الى بيته للقائه، و حصلت
في نفسه حالة باعثة على الذهاب غدا الى بيته للقائه، فلا يمكن ذهابه في الغد الا
بتجديد التصورات، و لو ذهل عنها بالكلية و اشتغل قلبه بامر آخر امتنع منه الذهاب،
بخلاف من اشتغل بالذهاب فانه يذهب مع الذهول عن زيد و بيته، بل عن ذهابه لو
لم يقصد غيره مما ينافيه.

و هذا هو السر فيما ترى من انك تقصد اشتغال امر في الغد و تتركه للذهول عما
قصدت، و اذا اشتغلت به لا تتركه و ان ذهلت عنه.

و توهم امكان بقاء الحكمية بدون الاشتغال ايضا فاسد جدا، فان من يقصد قبل الزوال
الوضوء بعد الزوال، ثم يشتغل بامر آخر لا يمكن ان يتوضابعد الزوال الا بشعوره
بالوضوء و بفعله.

و لعل السر في ذلك احتياج الباقي في البقاء الى المؤثر، فمع الاشتغال يكون هو
المؤثر في البقاء، بمعنى ان التصورات علة لحدوث الحالة و هي للاشتغال باول جزء، و
هو لبقاء الحالة حين الاشتغال، هي للاشتغال بالجزء الثاني، و هو لبقائها و هكذا،
و اما اذا لم يشتغل و عزبت التصورات، فلا علة لبقاء الحالة فتنتفي.

و اذ ظهر لك توقف الحكمية على الاشتغال، فلو لم تقارن الفعلية لاول جزء مما يتعلق
بالعمل بل تقدمت عليها فتنتفي الحكمية بعدها و قبل الاشتغال، فيكون الفاعل حال
الاشتغال باول جزء خاليا عن النية، فلا بد من تجديد التصورات لتحصيل الحالة، و
هذا هو المقارنة.

و به يظهر لك سبب التفرقة و امكان الحصر و عدم توقف اشتراط المقارنة على وجوب
الاخطار، و يرتفع الطعن عن العلماء الاخيار، بل ملاحظة ما ذكرنا يتضح امر النية
بالتمام، و يندفع بعض الاشكالات و الايرادات عن المقام.

/ 32